الحديدة.. ليس بعد!


محمد علي محروس

ثمة معطيات على الأرض أفرزت واقعاً جديداً، فيما يتعلق بتأخر معركة استعادة الحديدة؛ فخطة المباغتة التي انتهجتها القوات المشتركة في طريقها بدءاً بميناء الحيمة العسكري حتى منطقة الطائف القريبة من الخطوط الأولية لمدينة الحديدة لم تسر على النحو العسكري المخطط له.. إلى هنا كان الحوثيون يفرون دون مقاومة تذكر؛ الخطة آتت أكلها، وباتت الحديدة تُرمق عن بعد؛ لتتهيأ لمعركة التحرير التي باتت دفوفها تُدق.

السقوط المتسارع لمناطق ما قبل الحديدة، أوحى بأن المعركة محسومة مسبقا، والأحداث المتسارعة التي واكبتها جعلت الأمر في المتناول، وهكذا دائماً تكون المؤشرات، حين لا تتوفر آلية التخطيط  العسكرية المنظّمة، وهذا ما تفتقده معركة الحديدة حتى اللحظة؛ بالنظر إلى مواجهات المطار وما حوله، إضافة إلى النفس العميق الذي باتت المليشيا تتمتع به، بسبب الفترة الزمنية الممنوحة لهم من المساعي الأممية الغير مفهومة، ومن حالة الربوض التي لا يمكن استساغتها حتى اللحظة.

لست عسكرياً، لكنني فقهت الكثير مما يعينني على قراءة المعارك في إطارها الأولي، ومعركة الحديدة لا تزال كذلك في طور التنشئة، حيث تستطيع القوة العاتية بعتادها العسكري الضخم الدخول في ليلة وضحاها، فحين كانوا على مقربة من الدريهمي، كان رعب تقدمهم المفاجئ قد زلزل المليشيا في الحديدة، وشوهد الحوثيون وهم يفرون بالعشرات، ويرتبون أنفسهم من أجل الرحيل، وذلك كله بسبب فزع المعارك التي هُزموا فيها بالقرب من الحديدة.. لكن السياسة دائماً لها رأي آخر، فالحديدة بالنسبة للأمم المتحدة ولجهات دولية تستفيد من بقائها بيد العصابة الحوثية لم يحن موعد تحريرها، ولم يُتوافق على استعادتها، على الرغم من أن القرار النهائي تملكه الحكومة الشرعية والتحالف العربي والقوات التي تستعد على أبوابها؛ منتظرةً إشارة البدء بالهجوم.

من الواضح جداً، أن الحوثيين يُستخدمون كأدوات تنفيذية، سياسياً واقتصادياً ودينياً وديموغرافياً، وهذا ما أتقنوه من خلال استهدافهم للمحافظات حسب هذه الجوانب التي اتبعوها في سياستهم العدوانية طول البلاد وعرضها، فالحديدة لم تكن استثناءً، فهي بقرة حلوب، ومحافظة بكر، وأبناؤها يكابدون الحياة للحصول على قوت يومهم، وسلسلة التنكيل والتهميش المتعمد مستمرة منذ أسرة حميد الدين مروراً بفترة حكم صالح وصولاً إلى اليوم، وعلى هذا واصل الحوثيون نهج سابقيهم، وزادوا في ذلك نهباً وابتزازاً وتنكيلاً وتشريداً وتجويعاً وقتلا.. فتهامة استبيحت على مدى السنوات الثلاث، ولاقت من الانتهاكات المتعمدة أضعاف ما لاقته عبر الأنظمة المتعاقبة من حكم ملكي وجمهوري.

ولمّا أن باتت معركة التحرير وشيكة، بات الوضع كذلك استثنائياً، فالحديدة تتجهز لاستقبال الفاتحين؛ مكلومةً، جريحةً، جائعة، ورغم كل هذا إلا إن المؤشرات الأولية تقول بأن الأمور لا تسير حسب ما هو مخطط له، فالألغام منتشرة بأنواعها وبأشكالها المتعددة، ولكن ذلك ليس مبرراً حقيقياً للتوقف الحاصل، والمخاوف المصطنعة، فمهمة الهجوم، هو القضاء على خط الدفاع الأولي وفتح ثغرة في صفوف العدو بغية الوصول مهما كانت الكلفة، وإلا ما فائدة القتال دون مغامرة؟

ليس بعد، هذا ما نتوصل إليه من خلال دوامة المطار والدوار وكيلو16، وليس بعد؛ إذ يحشد الحوثيون مقاتليهم بالمئات من كافة المحافظات، وليس بعد؛ فالمقرات الحكومية مفخخة وقابلة للانفجار، وليس بعد؛ فالميناء هو الآخر محاطٌ بالألغام من كل اتجاه، وليس بعد؛ فالمليشيا تستخدم كافة المحرمات في معاركها وعلى رأسها المدنيين، حيث ستقوم باستخدامهم كدروع بشرية في معاركها، وقد بدأت بذلك فعلاً عندما احتجزت خلال اليومين الفائتين عدداً من المزارعين ومنعتهم مع أسرهم من السفر أو النزوح مستخدمة مزارعهم كثكنات لوحداتها وآلياتها العسكرية، ومستخدمة المزارعين الأبرياء كدروع بشرية، وهذا ليس بجديد في قاموس الانتهاكات الحوثية على مستوى البلاد.

ننتظر بصبر وفضول كبيرين تطورات معركة الحديدة، ورغم انتظارنا إلا إننا لا نتكهن بحسم عاجل كالذي حدث في عدن، فأسلوب المباغتة هو الذي استعاد عدن، وهو الذي عقّد معركة الحديدة إلى الآن.. ننتظر عودة الحديدة، وننتظر حسم معركتها بشكل خاطف، وإلا فسنكون أمام كارثة إنسانية حقيقية، وأمام معركة استثنائية ستكون خسائرها كارثية أيضا..

عموماً، ستستعاد الحديدة، ولا مصير لكل شبر في هذا الوطن إلا العودة إلى حض الجمهورية، وهذا عزاؤنا الوحيد في ظل عظم الكلفة البشرية والمادية.. وإنا لمنتظرون.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر