شياطين رمضان!


محمد علي محروس

 
كنت أحضر نفسي للكتابة عن السلام، السلام الداخلي، أكثر ما يضمنه رمضان لمن يُتقن فيه الملائمة بين الروح والجسد، الطمأنينة كنتيجة يومية لمتراكماتٍ من عمليات الصبر والتحمل المتجددة طوال يوم من الصيام والعبادات المتنوعة.. لكنني اضطررت لأن أكتب عن عَرَضٍ طارئ، وحدث قديم جديد، صادف رمضان بما فيه من الخيرية والجُنّة.
 
يضمن الله للعباد تصفيد الشياطين بعد مغرب آخر يوم من شعبان، ويفتح الباب على مصارعيه لمضمار رمضان، فمن أرادَ ولوج السباق فالأجواء مهيأة دون منغصاتٍ تُذكر، فالله قد ضمن نجاح الموسم لمن اجتهد وأراد.
 
في تعز، يعيش الناس أجواء رمضان كما هي في كل عام، رغم ما حدث إلا إن تعز تجعل من هذا الشهر فرصة لتتجدد وتصبح بهيةً على غير العادة، وتتهيئ بما استطاعت، وبما هو ممكن ومتاح، غير أنها لا تجد كمال فرحتها برمضان في ظل المعطيات الآنية، التي تسبب بها شرذمة من مثيري القلق، وممن لا يُقدّسون مواسم الخيرات، بل إنهم أصيبوا بشهوة الدماء، يريقونها متى ما أرادوا تلذذاً وقربى، إضافةً إلى سلسلة من الممارسات المأنوفة، التي تعبر عن كونهم لا يمتون لتعز وللكيان الوجودي النبيل بصلة.
 
يوزع أحدهم التمر على المحتاجين بمحيىً مبتسم، جنوب مدينة تعز، فجأةً يقف أحد المتمترسين خلف شرورهم مصوباً نحوه بندقيته، مروعاً الحاضرين، ومصيباً الرجل الخيّر بطلقات نارية قاتلة.
 
في الطريق إلى جبل صبر، توقفُ نقطةٌ تابعة لشرذمة الشر شباباً مبادرين وبحوزتهم عدداً من كراتين التمر؛ تصادر الكمية، وتستجوب الشباب لساعات كاملة، وسط اتهاماتٍ انهالت من الجميع متنكرةً بلهجة المحسوبية والتبعية لطرف دون سواه!
 
لم تتوقف رحلة الأسى عند هذا الحد وحسب، ولم تكنِ الممارسات المحسوبة بعناية وليدة لحظاتٍ عابرة، بل تجاوزت حدود الفعل المُدان، والانتهاك المادي إلى إزهاق الأرواح وقتل الأبرياء، وترصد أفراد تابعين للجيش الوطني بحوادث اغتيالات مركزة في شوارع حيوية أبرزها شارع 26 وسط مدينة تعز.
 
يصفد الله الشياطين لألا يُفسدوا على عباده صيامهم، فيتكفل شياطين البشر بمهام الشياطين ويزيدون عليها ما تدينه الشياطين ذاتها.. كانت الأجواء الرمضانية اليوم مغيبة إلى حد كبير؛ بعد محاولاتٍ مضنية لتكرار مشهد المواجهات الدامية الأخيرة بين الحملة الأمنية والخارجين عن القانون، من لبسوا الزي العسكري وخرجوا يدينون اتهامهم بإثارة الفوضى وجر تعز إلى مربع النزاعات التي تضيف للمشهد تعقيداً متناهيا.
 
جملة الممارسات هذه، تسببت بها الحملة الأمنية نفسها؛ حين توقفت في المنتصف، بعد إعلان محافظ المحافظة عن لجنة للصلح والتهدئة، مهمتها استلام مؤسسات الدولة، وتطبيع الحياة، ورأب الصدع، ودعوة الخارجين عن القانون للعودة إلى حضن الدولة، لكن هذه اللجنة اصطدمت بمعوقات عدة من أطراف يعنيها جيداً أن تظل الأوضاع متذبذبة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ لأن حالة الاستقرار التي تنشد اللجنة إحلالها ستسحب البساط من تحتها، وستجعلهم جميعاً في مستوى واحد ضمن إطار الدولة ومؤسساتها.
 
تعمل اللجنة على تطبيع الحياة بإزالة كافة المتارس وعلامات التوتر من مناطق عدة، وسط استجابة جديرة بالإشادة من الألوية العسكرية وأفرادها الأشاوس، نلمسها بمرورنا من تلك الأماكن التي كانت حتى وقت قريب مغلقة بسبب التطورات الأخيرة، وفي المقابل، لا تستجيب الأطراف الأخرى حتى اللحظة لأيٍ من الجهود المبذولة، بما في ذلك الإفراج عن المختطفين وتسليم الأماكن العامة وعدد من المقرات الأمنية والعسكرية تحت ذرائع واهية وأعذار غير مستساغة.
 
نتحدث اليوم عن ما يزيد عن مائتي حالة اغتيال لأفراد مدنيين وعسكريين اختيروا بعناية فائقة من خلال سلسلة الأسماء، ناهيك عن المصابين الذين نجوا من تلك المحاولات بأعجوبة.
 
إننا أمام مشهد مثير للجدل، يحتاج إلى فعل رادع، يضمن تصفيد شياطين البشر عن محاولاتهم الحثيثة لإفساد رمضان، وتحويله إلى موسم لسفك المزيد من الدماء تقرباً وتلذذا، وإرضاءً لجهات لا تنعم بالراحة إن اتسمت مدينة كتعز بالأمن والأمان.
 
علينا نحن المواطنين أن نتماسك أكثر، أن نتوحد لمواجهة مثل هؤلاء، لإدانة أفعالهم، لبث الأفكار التي تجرم مثل هكذا أفعال شنيعة، للقيام بمهامنا كمواطنين نليق بهذه المدينة، أن نصبح جميعاً قوةً واحدة في وجه من ينشر الفوضى ويثيرها في كل مكان.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر