"مخطط لإقامة مزار طائفي".. من ينقذ مدينة "صنعاء القديمة" من معاول الهدم الحوثية؟ (تقرير خاص)

[ جانب من مدينة صنعاء القديمة ]

في خطوة خطيرة تهدد موروث ثقافي ومعلم حضاري منذ قرون؛ تعتزم مليشيا الحوثي الإرهابية هدم عدد من الأسواق الشعبية التاريخية في مدينة صنعاء القديمة المدرجة على قائمة التراث العالمي، بهدف تحويلها إلى "مزار شيعي" على غرار إيران والعراق.
 
من خلال مخططها الطائفي التدميري، تسعى المليشيا الحوثية إلى هدم أسواق (الحلقة، المنجارة، المحدادة، المنقالة)، والتي تضم أكثر من 500 دكان (حانوت)، وتعد مصدر دخل لمئات من الأسر اليمنية فضلا عن رمزيتها التاريخية في المدينة العتيقة.
 
وأكد البرلماني والسفير اليمني السابق، فيصل أمين ابو راس في تغريدة على "تويتر"، إن الحوثيين قرروا هدم وإزالة أسواق (الحلقة والمحدادة والمنقالة) بصنعاء القديمة، لعمل ساحة كبيرة وبناء فيها قبة، وتحويلها إلى مزار (شيعي). ودعا الجميع بما في ذلك المنظمات الدولية، إلى التكاتف لمنع تنفيذ الجماعة للقرار، مؤكداً أن الأخيرة جهزت المخطط وتستعد للبدء بتنفيذه.
 
وكان زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي زعم خلال كلمة متلفزة في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، أن "علي بن أبي طالب، وصل إلى صنعاء، ونزل في سوق الحَلَقة، الواقع بمدينة صنعاء القديمة، وخطب بالناس ودعاهم إلى الإسلام".
 

أبرز معالم اليمن

تعد مدينة صنعاء القديمة المأهولة بالسكان منذ أكثر من 2500 سنة من أبرز المعالم التاريخية في اليمن، لتميزها بطراز معمارها القديم الذي يمتلك زخارف غنية توجد بأشكال ونسب مختلفة مثل كتل النوب والأسوار والمساجد والسماسر والحمامات والأسواق والمعاصر والمدارس إلا أنه لا يعرف متى تم بناء هذا الطراز المعماري المتأثر بالطراز الحميري.
 
وأصبحت المدينة مركزاً رئيسياّ لنشر الإسلام في القرنين السابع والثامن الميلادي. ويتجلى تراثها الديني والسياسي في عمارة 103 مساجد و14 حماما وأكثر من ستة آلاف منزل، بنيت جميعها قبل القرن الحادي عشر.

 

وصمدت صنعاء القديمة قروناً طويلة في وجه الحروب والكوارث، وبقيت معلماً حياً وشاهداً على حضارة عربية إسلامية أصيلة ذات مستوى فني رفيع مزج بين الفن والجمال المعماري مستجيبة في الوقت نفسه لحاجات سكانها المادية والروحية.
 
ولأن مدينة صنعاء القديمة كانت تمثل استمراراً هاماً للقيم الثقافية والتاريخية ورمزاً لبقائها حية كعاصمة تاريخية لليمن الحديث، فقد صدرت قرارات عديدة تهدف إلى حمايتها من الانهيار، وكان منها القرار الصادر في عام 1984 بإنشاء لجنة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة وتحسينها.
 
وكان من أهم مهام هذه اللجنة، العمل على وقف مظاهر التدهور والانهيارات واستعادة حيويتها وجمالها، ثم تطورت اللجنة إلى هيئة عامة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة، ثم إلى هيئة عامة للحفاظ على المدن التاريخية.
 



وتبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) حملة دولية لحماية وتحسين مدينة صنعاء القديمة والحفاظ على معالمها وطابعها المعماري الفريد وتطوير الخدمات وإبراز التراث الحضاري فيها. واتخذ المؤتمر العام لليونسكو في دورته المنعقدة في بلغراد عام 1980 قراراً يشمل قيام حملة دولية لصيانة مدينة صنعاء القديمة، وقد شارك في تمويل الحملة عدد من الدول.
 
وكان من أهداف الحملة، "حماية المدينة والقيام بدراسات عميقة لتراث المدينة وتقاليدها وإعادة المباني الرئيسية فيها، فقد تم ترميم أجزاء من السور المحيط بالمدينة الذي تعرض للانهيار، وترميم عدد من المنازل الآيلة للسقوط، وغيرها".
 
وفي عام 1986 أدرجت (اليونسكو) مدينة صنعاء القديمة ضمن قائمة التراث العالمي، إلا أنها أعلنت يوليو 2015 أن مدينة صنعاء القديمة على قائمة التراث العلمي المهدد بالخطر، نتيجة الاشتباكات المسلحة التي تشهدها البلاد.
 

تجريف الهوية والموروث الثقافي
 
خطوة مليشيات الحوثي هذه تأتي في إطار حملتها المنظمة لطمس المعالم الأثرية والتاريخية ذات الهوية اليمنية واستبدالها بهوية فارسية في مناطق سيطرتها، لتكن أسواق صنعاء القديمة هي الحلقة الجديدة في برنامج المليشيات.
 
وحذر وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني، من إقدام مليشيات الحوثي على هدم أسواق تاريخية في صنعاء القديمة، مؤكدا إن "ما تقوم من استهداف وتدمير ممنهج للمواقع الأثرية والتراثية يندرج ضمن مخططها لتجريف الهوية والموروث الثقافي، والحضاري، والتاريخي لليمن، واستبدالها بهوية دخيلة مستوردة من إيران.
 
وقال الإرياني في تصريح للوكالة الرسمية، إن "مليشيا الحوثي باشرت بوضع الخطط الإنشائية لإزالة الأسواق الأثرية وتحويلها إلى مزار على الطريقة الإيرانية، غير آبهة بوضع المدينة المدرجة على قائمة التراث العالمي".

وأشار إلى أن مليشيا الحوثي سبق وأن قامت بهدم مسجد النهرين التاريخي وتسويته بالأرض، والعبث بمواد بنائه وأحجاره التي لا تقدر بثمن، كونه أحد أقدم المساجد الأثرية في العالم وأبرز المعالم التاريخية في مدينة صنعاء القديمة، وتم بناءه على يد أحد الصحابة في القرن الأول الهجري، ويزيد عمره عن 1300عام.
 
وطالب الوزير اليمني، المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية ذات العلاقة وعلى رأسها منظمة اليونيسكو والأليسكو ومراكز الدراسات والأبحاث المتخصصة، وكل المهتمين، بإدانة هذه الجريمة النكراء.
 
كما طالب بالتدخل لوقف ما أسماها "المذبحة" التي تنوي مليشيا الحوثي ارتكابها بحق أحد مواقع التراث العالمي الخاضعة للحماية الدولية، باعتبارها ملك للبشرية جمعاء، وجزء من تاريخ وهوية الإنسانية.


 


جريمة مركبة
 
يرى الصحفي اليمني فؤاد المنصوري، أن "مليشيا الحوثي تريد من خلال هذا المخطط إعادة هندسة صنعاء القديمة وبناء مزار لآل البيت كما يسمونه وكذلك ساحة للحسينيات والفعاليات التي نقلتها من إيران ومن الثورة الخمينية إلى اليمن".
 
وقال المنصوري لـ"يمن شباب نت"، إن المليشيات الحوثية ترتكب جريمة مُركّبة في فعلتها هذه.. فهي "تدخل معتقدات جديدة على المجتمع اليمني، كما تقوم بتجريف الهوية، وتحريف للتاريخ وللموروث المادي وغير المادي لمدينة تاريخية كصنعاء القديمة التي يمتد عمرها لألاف السنين".
 
وأضاف، أن "صنعاء القديمة تم وضعها من قبل اليونسكو كإرث تاريخي عالمي، لتميزها ببناء هندسي ومعماري متجانس وقديم .. والتي يتوجب حمايتها لاتصالها بالبشرية والحضارات القديمة..".
 
وأشار الصحفي المنصوري، إلى أن الحوثيين يهددون بممارساتهم هذه بإلغاء المدينة التاريخية صنعاء من قائمة المدن التاريخية العالمية أو المواقع الأثرية العالمية..".
 
وتابع: "هناك الكثير من الجرائم والانتهاكات للجغرافيا وللتاريخ وللإنسانية وللبشرية بشكل عام ولسكان مدينة صنعاء التي مثلت هذه الأسواق والمباني وتركيبة المدينة التاريخية بالنسبة لهم من الإرث المجتمعي والإرث الإنساني الذي تسعى مليشيا الحوثي لتجريفه ومحوه واستبداله بساحة للتسويق والترويج لمعتقداتها الفكرية الدخيلة على المجتمع اليمني".
 
وأكد المنصوري، أن ما تقوم به المليشيات الحوثية "تصرف همجي ومحاولة عبثية لا إنسانية ولا حضرية، في تدمير الهوية اليمنية وتجريف الإرث التاريخي اليمني وتشويه الحضارة التاريخية اليمنية لصنعاء القديمة وتحويلها إلى مزار وساحة لإقامة الحسينيات والمعتقدات الدخيلة على المجتمع اليمني".
 
 
تهديد بإخراج صنعاء من قائمة التراث العالمي

 
وتعليقاً على مخططات المليشيات الحوثية تجاه صنعاء القديمة؛ اعتبر محمد جُميح، سفير اليمن في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، أن "هدف الحوثيين أيدلوجي ومذهبي وسياسي واقتصادي واضح".
 


وقال جُميح، في حديث لـ"يمن شباب نت"، إن "الحوثيين بعد أن ضيقوا على اليمنيين في كل مناحي أرزاقهم، يريدون هدم وإزالة المحلات التجارية والأسواق التراثية في صنعاء القديمة وإقامة ساحة تسمى وقف الإمام علي وبناء فيها عدد من القباب والملاحق الخاصة.

وأضاف،" هذا سيكون مزار للإمام علي حسب تصورهم (الحوثيين) يدرُ عليهم الملايين، ولو أنهم يمتلكون ضريحاً هناك لأقاموه من أجل المال". زعموا أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وصل إلى صنعاء، وأن اليمنيين بايعوه في الساحة التي ينون البناء فيها بعد هدم المحلات التجارية".
 
وتابع السفير اليمني: "الحوثيون لا يهمهم أن تخرج صنعاء من قائمة التراث العالمي وهذا يهدد بخروجها من القائمة. سبق وأن هدموا جامع النهرين وهو يعود تاريخه إلى صدر الإسلام والحجة أن المحراب كان مائل عن اتجاه القبلة".
 
كما أوضح جميع أن الحوثيين سبق أن حاولوا إقامة بوابة مستحدثة في شعوب على أساس أنها من ضمن التراث، إلا أن اليونسكو كانت واضحة على أن يمنع أي استحداث أو بناء حديث ضمن الحِما التاريخي لمدينة صنعاء".
 

دور المجتمع والدولة 
 
وأكد السفير جُميح، أنه "تواصل مع اليونسكو والجهات المختصة في باريس وفي مكتب الدوحة، بشأن المخطط الذي ينوي الحوثيون من خلاله هدم أسواق تاريخية في صنعاء القديمة من أجل إقامة مزار في ساحة يزعمون أنها للإمام علي بن أبي طالب الذي لم تطأ قدماه صنعاء".
 
وقال جُميح في إطار حديثه لـ"يمن شباب نت"، إنه سيواصل التواصل مع العديد من المنظمات الدولية المهتمة بالتراث العالمي من أجل تشكيل نوع من الضغط الأخلاقي والمعنوي على مليشيات الحوثي لوقف هدم هذه الأسواق.
 
ودعا سفير اليمن لدى اليونسكو إلى تشكيل ضغط شعبي داخلي لمنع هذه الكارثة؛ لأنها "ستكون مذبحة بحق مئات المحلات التجارية الصغيرة التي ينون إزالتها واستبدالها بمرافق جديدة، التي بلا شك ستؤثر على وضعية صنعاء على قائمة التراث العالمي".
 
من جانبه ألقى الصحفي فؤاد المنصوري، بالمسؤولية على الحكومة الشرعية والمنظمات الدولية المعنية، داعياً في الوقت ذاته إلى تحرك شعبي ورسمي، ضد المساعي الحوثية.
 
كما دعا الصحفيين والإعلاميين إلى أن يرتفع صوتهم عالياً من أجل الحفاظ على مدينة صنعاء التاريخية، والوقف ضد أي ممارسات أو أفعال تفضي إلى تجريف وتدمير ونهب إرث تاريخي لعمر المدينة التاريخية.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر