وسط تحديات كبيرة.. هل تستطيع الإدارة الجديدة للبنك المركزي كبح انهيار الريال وإحداث تغيير؟

أصدر الرئيس هادي مساء أمس الاثنين قرار جمهوريا بتعيين مجلس رئاسة جديد لإدارة البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، عقب الانهيارات المتواصلة للريال اليمني، وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكل غير مسبوق.
 
ونص القرار الجمهوري على تعين إدارة جديدة للبنك المركزي خلفاً للإدارة السابقة، مع تكليف الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بمراقبة عمل البنك المركزي، في خطوة اعتبرها مراقبون اقتصاديون ذات أهمية كبيرة.
 
ووفقا للقرارات فقد تم تعيين، احمد بن احمد غالب محافظا للبنك المركزي اليمني، وهو مسؤول وخبير اقتصادي بارز؛ حيث عمل رئيساَ لمصلحة الضرائب لمدة سبع سنوات (2007- يونيو 2014)، وله تاريخ أقتصادي حافل، كان آخر موقع تولاه ضمن اللجنة الاقتصادية التي شكلها الرئيس هادي في الهام 2018 لمعالجة تدهور العملة.
 
على وقع التغيرات الجديدة في قيادة البنك المركزي اليمني، يرى اقتصاديون أنها خطوة مهمة لإنقاذ ما يكمن إنقاذه من الانهيار القياسي للعملة الوطنية، والتخفيف من معاناة المواطنين، مع تصاعد الغضب الشعبي مؤخرا وخروج المئات من المواطنين في تعز وعدن وحضرموت للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية.
 
وبعد ساعات من إعلان قرار تعين الإدارة الجديدة للبنك شهدت أسعار العملات الأجنبية انخفاضات كبيرة، وشهد الريال اليمني تحسناً ملحوظاً؛ إذ تراجع صرف الدولار أمام الريال اليمني من 1700، إلى 1300، والسعودي من 450 إلى 310، تحت تأثير قرار تغير إدارة البنك المركزي السابقة.
 


 خطوة مهمة
 
ورصد "يمن شباب نت" ردود الأفعال وآراء الخبراء، الصادرة عقب القرار الجمهوري الذي أطاح بإدارة البنك المركزي، والتي اعتبرها اقتصاديون بأنها اسوء إدارة ساهمت بانهيار الريال اليمني وتوسيع دائرة الانقسام النقدي والمصرفي في اليمن، وتداخلت فيها المصالح الخاصة والفساد.
 
وقال رئيس مركز الإعلام الاقتصادي مصطفى نصر "بأن تعين محافظ للبنك المركزي ونائب ومجلس إدارة، خطوة مهمة في الوضع الراهن، لكن الأهم هو دعم هذه الإدارة كي تنجح في كبح الانهيار في سعر العملة وإحداث تغير في السياسة النقدية".
 
وأضاف- في منشور بصفحته على فيسبوك: "من المهم تقديم الدعم الخارجي للبنك المركزي في ظل حالة الشلل في العديد من القطاعات الاقتصادية من خلال تقديم ودائع جديدة"، لافتاً إلى أن "الإدارة الجديدة تتحمل مسؤولية آلية كفؤاة وشفافية لإنفاقها، بما يحقق استقرار صرف الريال وبالتالي استقرار الأسعار".
 
وحث نصر "الرئاسة والحكومة والتحالف العربي على تقديم الدعم المباشر للبنك المركزي خلال هذه المرحلة".
 
ويرى الصحافي الاقتصادي وفيق صالح أنه "بعد تعين الإدارة الجديدة للبنك المركزي، يتعين اتخاذ خطوات جادة لتفعيل أدوات السياسة النقدية وكسب ثقة المانحين".
 
وذكر صالح- في تدوينة له على موقع فيسبوك- عدد من تلك الخطوات التي يتوجب اتخاذها، بينها: "إعادة النظر بنظام التعويم الحر (للعملة الأجنبية)، والشروع بخطوات جدية في تحسين موارد البنك المركزي من النقد الأجنبي، وتفعيل أدوات السياسية النقدية عبر تخفيض المعروض النقد المحلي وضبط الحكومة للاستيراد، منها قطاع الوقود، بهدف إعادة الروح للاقتصاد اليمني الميت".
 
اما الخبير المصرفي على التويتي اعتبر بأن: "ما حصل اليوم أكبر مما كان يتوقع في تغير كامل لإدارة البنك المركزي"، لافتا إلى أن:" تغيير وكيل الرقابة وتكليف جهاز الرقابة والمحاسبة، يؤكد بأن هناك عمل أكبر وقد تكون أخبار بخصوص النفط والغاز".
 
من جانبه، يرى رئيس مركز أبعاد عبد السلام محمد أن تعيين مجلس جديد لإدارة البنك المركزي "قد يكون حلا جزئيا لسوء إدارته وتحجيم الفساد، لكن الجزء الأهم هو توحيد- وقبل ذلك تفعيل- الإيرادات السيادية، وبالذات النفط والغاز والاتصالات والضرائب والجمارك، وإعادة ترتيب الموانئ والمطارات والمنافذ، وإعادة العمل بموازنة مالية للدولة ورقابة فاعلة".
 


انهيار قياسي للريال وغليان شعبي

وخلال الأيام الماضية شهدت العملة الوطنية انهيارا قياسيا، حيث تجاوزت أسعار صرف الدولار حاجز 1700 ريال في كافة مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وهو ما تسبب بغضب شعبي وتظاهرات وعصيان مدني في غالبية المحافظات ومن أبرزها عدن وتعز وحضرموت.
 
والسبت الماضي نفذ القطاع التجاري ومؤسسات القطاع الخاص، في العاصمة المؤقتة عدن والعديد من المحافظات، اضرابا جزئيا. حيث أغلقت عشرات المستودعات التجارية أبوابها، بعد دعوة وجهتها جمعية الصرافين، مساء الجمعة، إلى تعليق كافة عمليات القطاع المصرفي، جراء الانهيار القياسي للعملة، وناشدت الرئيس هادي، بالتدخل واتخاذ قرارات عاجلة لوقف التدهور الحاد للريال.
 
على صعيد آخر، حذرت غرفة التجارة والصناعة في عدن، أمس الاثنين، من نقص حاد في مخزون السلع والمواد الغذائية، وإفلاس المزيد من الشركات التي تتعرض يوميا لخسائر باهظة بسبب انهيار قيمة العملة المحلية.
 
وأشارت الغرفة، في بيان عقب اجتماع لها، إلى عدم قدرة التجار على مجاراة الانهيار المتسارع في قيمة الريال، إضافة إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين الناتج عن عدم تساوي الأجور مع الاحتياجات الأساسية، مما أدى إلى ركود كبير في السوق.
 
والأحد 5 ديسمبر الجاري، أقرت الحكومة اليمنية، حزمة إجراءات عاجلة للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي تشهدها البلاد بفعل انهيار قيمة العملة الوطنية، منها دعم المخابز، والتي من شأنها بيع الخبز بأسعار مناسبة للمواطنين، ومراجعة أسعار الوقود لوسائل النقل العامة، وتوفير مشتقات نفطية مدعومة للصيادين والمزارعين.
 


طلب الدعم من السعودية

وفي اجتماع حكومي قال رئيس الوزراء معين عبد الملك الاحد "أن الحكومة تجري نقاشات مع الأشقاء في السعودية، حول حزمة الدعم الاقتصادي العاجلة والمتوقعة"، وفق ما نقلت وكالة "سبأ" الرسمية.
 
كما طلب الرئيس عبد ربه منصور هادي من السعودية- في رسالة الى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان- دعما اقتصاديا عاجلا لحكومته، لإنقاذ العملة المحلية التي تسجل انهيارا غير مسبوقا وسط موجة احتجاجات شعبية غاضبة مناوئة للحكومة المعترف بها دوليا.
 
وسبق أن اتخذت الحكومة اليمنية عدة إجراءات لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية على مدار الأشهر الماضية، لكنها عجزت عن كبح جماح الانهيار الاقتصادي المريع، والقضاء على المضاربة في أسعار العملة. وتُتهم ميلشيات الحوثي بالتسبب في الانهيار الاقتصادي من خلال شن حربا على العملة النقدية الجديدة، وسحب النقد الأجنبي من مناطق الشرعية.
 
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، من أن الجوع في اليمن ازداد لدى شرائح واسعة من المجتمع، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار عالمياً، والغلاء الناجم عن تدهور أسعار الصرف، وقال "إن أزمة اليمن التي طال أمدها مدمرة لملايين العائلات،.. مشيرا إلى أن "أسعار المواد الغذائية تستمر في الارتفاع، ما يؤدي إلى ازدياد الجوع".
 
وقال تقرير للبنك الدولي، في نوفمبر الماضي، إن العُملة اليمنية انخفضت قيمتها بنحو 34 في المئة خلال النصف الأول من العام الجاري، محذراً من اتساع رقعة المجاعة، وأشار إلى عوامل أخرى ساهمت في ارتفاع الأسعار، تمثلت في زيادة أسعار المواد الغذائية عالمياً في أثناء جائحة «كورونا».
 
ويُظهر التقرير أن الاقتصاد اليمني تقلص بأكثر من النصف، منذ اندلاع الصراع، حيث يعيش أكثر من 80% من الناس الآن تحت خط الفقر، يتجلى الانهيار بشكل واضح في فقدان الدخل، وانخفاض قيمة الريال اليمني، وخسارة الإيرادات الحكومية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر