منع الاعتكاف في الأقصى: بوابة الاحتلال لترسيخ التقسيم المكاني والزماني

 
بينما يمتنع مسؤولو الأوقاف الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الأردنية عن التعليق على ما يتردد من اتهامات للأوقاف بالتعاون والتنسيق مع الجانب الإسرائيلي بشأن منع الاعتكاف في المسجد الأقصى، ضمن تفاهمات إسرائيلية أردنية، وبموافقة فلسطينية رسمية، يؤكد متابعون أن تلك التفاهمات تثير غضبًا شعبيًا، خاصة في صفوف المصلين الذين يمنعون من الاعتكاف مقابل مضاعفة اقتحامات المستوطنين وزيادة وقتها، وإحكام سيطرة الاحتلال على شؤون الأقصى.
 
يرى مراقبون أن تدشين منع الاعتكاف في الأقصى بدأ العام الماضي، حين دعا مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني إلى منع الاعتكاف داخل مصليات الأقصى قبل العشرين من رمضان، ما تسبب بردود فعل غاضبة فلسطينيًا، اضطر حينها للتراجع عنها، حيث تزامنت دعوته مع دعوات جماعات يهودية متطرفة إلى أوسع اقتحامات لباحات المسجد وتقديم الذبائح والقرابين هناك.
 
 
الاعتكاف.. منع وقمع!

في الأسبوع الأول من شهر رمضان منع الاعتكاف واقتصر فقط على يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، وخلال العشر الأواخر من رمضان، تنفيذاً لتفاهمات تمت في اجتماعي العقبة وشرم الشيخ بين الجانبين، وبموافقة رسمية فلسطينية، بمبرر "منع التصعيد والحفاظ على الهدوء خلال رمضان".
 
وقد تعذر الحصول على رد فعل من قبل الأوقاف الإسلامية، بمن في ذلك مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني، الذي كانت صدرت له أوامر من شرطة الاحتلال بعدم الإدلاء بأية تصريحات لوسائل الإعلام تحت طائلة المساءلة والملاحقة، لتخرج الأوقاف ببيان اليوم الأربعاء، بعد ليلة دامية لمنع الاعتكاف وإخراج المعتكفين، تدين ما جرى، وتؤكد أنها "لن تدخر جهداً لتمكين أي مسلم من دخول الأقصى والصلاة والاعتكاف في أي بقعة منه في كل مواقيت الشعائر والعبادات، خاصة في رمضان".
 

تسهيل اقتحامات المستوطنين

وينتقد رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري، في حديثه مع "العربي الجديد"، منع الاعتكاف في الأقصى، ويقول: "ليس هناك ما يمنع المسلمين من الاعتكاف في مسجدهم الأقصى وفي جميع المساجد منذ اليوم الأول من الشهر الفضيل، فالاعتكاف عبادة، وهي من ديننا الحنيف".
 
ومن الواضح، بحسب صبري، أن "شرطة الاحتلال تمنع الاعتكاف وتقمعه بالقوة لتسهيل اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، ومنع المصلين من الدفاع عن مسجدهم أمام استفزازات المستوطنين الذين يهددون منذ أيام باقتحام المسجد وإدخال "القرابين" الحيوانية إليه، إضافة لتهديدات ما يسمى وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير باقتحام الأقصى مجدداً، ودعوته لليهود باقتحامه في عيد الفصح، وهي دعوات تضاعف الأخطار التي تتهدد الأقصى".
 

تفاهمات العقبة وشرم الشيخ حاضرة

ويبدو أن منع الاعتكاف في المسجد الأقصى جاء، بحسب الباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى زياد ابحيص، في حديث لـ"العربي الجديد"، نتيجة ما يتردد عن تفاهمات أردنية إسرائيلية، حيث إن "هنالك دلائل على الأرض تؤيد مثل هذه التفاهمات؛ كمشاركة حراس من موظفي الأوقاف الأردنية في القدس بالتفاوض مع المعتكفين وإخراجهم من المسجد مطلع الأسبوع الجاري، وكانت شرطة الاحتلال تنتظرهم على أبواب المصلى القبلي لتدخل وتطرد بيدها من لم يتمكن الحراس من طردهم".
 
ويضيف ابحيص أن "بيان شرطة الاحتلال الأحد الماضي كان واضحا حين تحدث عن وجود اتفاق مع الأوقاف في رمضان، ويتطابق تماماً مع ما كشفه مصدر مقرب من الديوان الملكي عن وجود تلك التفاهمات، ومع القرار الموقع باسم مدير عام أوقاف القدس عزام الخطيب بتحديد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان وليلتي الجمعة والسبت، وهي الليالي التي جرت العادة أن لا يتبعها اقتحام، في قبول رسمي ضمني لفكرة التقاسم الزماني".
 
ويربط نشطاء مقدسيون بين قرار الأوقاف منع الاعتكاف، وما يسمونه بالتنسيق غير المعلن مع الشرطة الإسرائيلية في ما يتعلق بالوضع في المسجد الأقصى، علماً أن الشرطة الإسرائيلية هي المهيمن الفعلي على إدارة شؤون المسجد، فهي التي تمنع الدخول إلى الأقصى، وتعتقل كبار موظفي الأوقاف وحراسه وتبعدهم عن المسجد، كما أنها هي التي تمنع أعمال الترميم وتعتقل طواقم الإعمار فيه.
 

غطاء بشري ضد اقتحامات المستوطنين

و"قد شكل الاعتكاف بالتجربة الغطاء البشري للمسجد الأقصى، خاصة أن شرطة الاحتلال تقيد الدخول إلى صلاة الفجر في أيام اقتحامات المستوطنين الكبرى، ما يضمن لها تمرير ما تريد بهدوء، والمعتكفون من صلاة العشاء يحافظون على تواجدهم في الأقصى ويتصدون للاقتحام وينغصونه، ومن هنا جاء حرص الاحتلال المضاعف على منع الاعتكاف، خصوصاً وهو مقبل على فرض عدوان الفصح التوراتي في الأسبوع الثالث من رمضان"، وفق ابحيص.
 
ويذكر الباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى أنه "أمام هذه الوقائع، وأمام العجز الرسمي الأردني والفلسطيني والعربي عن الضغط على الاحتلال أو حتى إقناعهم بوقف اقتحاماتهم للأقصى أو تخفيفها، فإن تقييد الاعتكاف يعتبر هدية مجانية، وتنسيقاً أمنياً في أقدس المقدسات لمنع الإرادة الشعبية للمواجهة وتقويضها، فيما المحتل يضمن تمرير عدوانه".
 
ويرى ابحيص أن "أهم ما يمكن أن يفشل خطة الاحتلال بتهويد المسجد الأقصى، ويفشل التفاهمات الأمنية هما: الإرادة والعدد، فكلما كانت أعداد المرابطين أكبر في المسجد الأقصى، في ظل ازدياد عزيمة المرابطين، اضطر الاحتلال إلى التراجع، وهو ما ثبت في تجارب سابقة، كرسته تجربة هبات القدس الخمس منذ العام 2014، حيث لم يخرج المقدسيون في أي هبة منها إلا وعادوا بإنجاز".
 
بحسب ابحيص، "عملياً طورت تلك التجربة التاريخية معادلة ردع واضحة من خمسة عناصر دفاعاً عن القدس، عمادها؛ الإرادة الشعبية والحراك الشعبي، ترفده العمليات ذات الدافع الفردي التي تحظى باحتضان مجتمعي، وما تحققه الهبات من تفاعل خارجي كبير، وتدخل المقاومة المسلحة المنظمة من قطاع غزة، وخلال العام الماضي برز دور المقاومة في الضفة الغربية".
 

استهداف النشطاء

وبالتزامن مع منع الاعتكاف في مصليات المسجد الأقصى، وتهديد جماعات الهيكل باقتحامه وذبح القرابين في ساحاته، بدءًا من اليوم، وعلى مدار "عيد الفصح اليهودي" حتى الأسبوع المقبل، نفذت قوات الاحتلال على مدى الأيام القليلة حملة اعتقالات بصفوف النشطاء المقدسيين طاولت عشرين ناشطاً على الأقل، وفق رئيس لجنة أهالي أسرى القدس أمجد أبو عصب، في حديث لـ"العربي الجديد".
 
وبحسب أبو عصب، فقد تم تمديد اعتقال معظم أولئك النشطاء احترازياً، في حين صدرت أوامر إبعاد عن البلدة القديمة من القدس والمسجد الأقصى لعدد من النشطاء إلى ما بعد انتهاء عيد الفصح لدى اليهود.
 

(العربي الجديد)

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر