كيف قلب "عمران خان" الطاولة على معارضيه في البرلمان وما دور الجيش الباكستاني في الأزمة؟

[ عمران خان رئيس الوزراء الباكستاني ]

بعدما كانت المعارضة واثقة من قدرتها على الإطاحة برئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، قلب الأخير الطاولة عليها، وفشلت محاولة التصويت بحجب الثقة عنه، وصدر قرار بحل البرلمان الباكستاني في مؤشر على أن الأزمة الباكستانية مرشحة للتفاقم، فيما تتجه الأنظار لموقف الجيش الباكستاني الذي يوصف بأنه الحاكم الفعلي للبلاد.
 
وبعد فشل التصويت على حجب الثقة عن رئيس الوزراء الباكستاني أرسل عمران خان توصية لرئيس البلاد بحل البرلمان، ووافق الرئيس الباكستاني عارف علوي على توصية خان بخصوص حل البرلمان، وفق ما أوردته قناة "آري نيوز".
 
كان خان على وشك أن يخسر اقتراح سحب الثقة، الذي كان مدعوماً من قبل تحالف من السياسيين- بما في ذلك أكثر من عشرة منشقين عن حزب خان السياسي. ولكن تحولاً دراماتيكياً حدث بعد أن منع قاسم خان سوري نائب رئيس البرلمان الباكستاني الموالي لخان التصويت باعتباره "غير دستوري"، ما أحدث ضجة في الجمعية الوطنية.
 
وكان البرلمان الباكستاني (342 مقعداً) وافق على اقتراح سحب الثقة من حكومة خان في 28 مارس/آذار الفائت بـ161 صوتاً، بينما تحتاج المعارضة إلى 172 صوتاً لعزل رئيس الوزراء من منصبه.
 
 
ماذا حدث في البرلمان الباكستاني؟ المفاجأة التي توعَّد بها خان
 
وأمس قبيل الاقتراع، قال خان الذي رفض التنحي وتوعد بمواجهة تصويت سحب الثقة منه، إن لديه "مفاجأة" مخبأة لتحالف المعارضة.
 
وتولى قاسم خان سوري نائب رئيس البرلمان الباكستاني رئاسة الجلسة بعد تنحية المعارضة لرئيس البرلمان الموالي لخان، ولكن نائب رئيس البرلمان فاجأهم برفض التصويت بعد تصريح وزير القانون بالتكليف فؤاد تشودري أمام البرلمان بأن محاولة المعارضة الإطاحة بحكومة الحركة تدعمها قوة أجنبية وتتعارض مع الدستور.
 
وهذا ما وافق عليه نائب رئيس البرلمان، ووفقاً لقناة "آري نيوز" فقد قال سوري إن "النقاط التي أثارها وزير القانون صحيحة ومذكرة عدم الثقة ضد الدستور، بموجب المادة 5".
 
بالإضافة إلى ذلك، فقد تم حل مجلس الوزراء، وقال وزير الإعلام فؤاد تشودري في تغريدة على تويتر إنه بموجب المادة 224 من الدستور، سيواصل رئيس الوزراء أداء مهامه بينما يتم حل مجلس الوزراء.
 

المعارضة مصدومة

وشكّلت الخطوة صدمة للمعارضة، التي توقّعت بثقة أن لديها ما يكفي من الأصوات للإطاحة بخان.
 
وقال زعيم "حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية" شهباز شريف الذي كان الشخصية المرشّحة للحلول مكان خان لو نجح التصويت: "سيتم تذكّر هذا اليوم على أنه يوم أسود في تاريخ باكستان الدستوري".
 
ووصف بيلاوال بوتو زرداري، أحد قادة المعارضة، تحرك خان بأنه "غير دستوري"، مضيفاً أن القضية ستنظر فيها المحكمة العليا.
 

..خان يتهمها بالتآمر مع أمريكا

واتّهم خان المعارضة بالتآمر مع "قوى أجنبية" للإطاحة به في إشارة للولايات المتحدة، نظراً إلى أنه لا يتبنى مواقف الغرب حيال قضايا دولية خاصة في الأزمات ضد روسيا والصين.
 
واتخذت باكستان تحت قيادة خان موقفاً محايداً في الأزمة الأوكرانية مما أغضب الولايات المتحدة، رغم أن باكستان ليست صديقاً مقرباً لموسكو، لأن الأخيرة حليفة تقليدية للهند، وكان خان من أواخر قادة العالم الذين التقوا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
 
وذكرت وسائل إعلام محلية أن خان تلقى رسالة من سفير إسلام آباد في واشنطن تتضمن تسجيلاً قال فيه مسؤول أمريكي رفيع المستوى (قيل إنه مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوب ووسط آسيا دونالد لو) إن الولايات المتحدة تشعر بأن العلاقات يمكن أن تكون أفضل إذا غادر خان السلطة، واعتبر رئيس الوزراء الباكستاني أن تحرك المعارضة لحجب الثقة عنه جاء مدفوعاً من الولايات المتحدة.
 
واستدعت الخارجية الباكستانية القائم بأعمال السفير الأمريكي للاحتجاج على ما قالت إنه دعم من قبل الولايات المتحدة لمساعي المعارضة للإطاحة برئيس الوزراء عمران خان الذي اتهم الغرب بالعمل على إسقاطه لأنه يرفض الاصطفاف ضد روسيا.
 
وفي واشنطن، قال الناطق باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس الأسبوع الماضي للصحافيين إنه "لا صحة" لهذه الاتهامات، لكن خان أصر الأحد على أن ما جرى كان "خطوة لتغيير النظام" واتّهم المعارضة بالخيانة.
 
كان خان صرّح بأنّ باكستان "ليست عبداً" للأوروبيين، بعد مطالبة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إسلام آباد بإدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
 
كما قال رئيس الوزراء الباكستاني أيضاً إنه تلقى رسالة تهديد من واشنطن، قائلاً: "هددت أمريكا بإسقاط حكومتي لأنني رفضت إقامة قواعد عسكرية لها في أرضنا".
 

رئيس الوزراء يحشد أنصاره، والمعارضة تتوعَّد بالاعتصام في البرلمان

وبالتزامن مع هذه التطورات، شهدت العاصمة الباكستانية إسلام آباد إجراءات أمنية مشددة. كما حظرت الإدارة المحلية وقاضي منطقة إسلام آباد "جميع أنواع التجمعات المكونة من 5 أشخاص أو أكثر، والمواكب والمظاهرات داخل المنطقة الحمراء بالعاصمة".
 
وكان خان قد دعا أنصاره في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 220 مليون نسمة إلى التجمع في شوارع العاصمة إسلام آباد يوم الأحد احتجاجاً على التصويت المقترح.
 
ولأشهر، كان خان يكافح استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي والتضخم المزدوج الرقم، مع ارتفاع تكلفة الضروريات الأساسية مثل الغذاء والوقود.
 
وقال حزب الشعب الباكستاني إن المعارضة المشتركة قررت الاعتصام في البرلمان لحين قبول مطلبهم الدستوري، وهو التصويت على اقتراح سحب الثقة.
 
وتسعى أحزاب المعارضة الرئيسية في باكستان لإقالة خان منذ صعوده إلى السلطة في 2018.
 

المعارضة تطلب من المحكمة العليا التدخل
 
وطالبت المعارضة الباكستانية المحكمة العليا بالتدخل لإنهاء الأزمة الدستورية، بعد قرار الرئيس الباكستاني عارف علوي حل البرلمان بناء على طلب رئيس الوزراء عمران خان، ودعوته لانتخابات مبكرة في غضون 90 يوماً.
 
وطلب محامو المعارضة تدخل المحكمة العليا بشأن ما وصفوه بانتهاك عمران خان وحزبه للدستور.
 
من جهته، قال مكتب رئيس المحكمة العليا إن "المحكمة على علم بالتطورات السياسية التي حدثت اليوم بالبلاد، وسيتم نشر مزيد من التفاصيل قريباً".
 

انتخابات جديدة

ولا يزال عمران خان، الذي انتخب في يوليو/تموز 2018 متعهداً بمعالجة الفساد وإصلاح الاقتصاد، يحظى بشعبية لدى بعض الناخبين، على الرغم من فقده الكثير من الدعم نتيجة زيادة كبيرة في التضخم والديون الخارجية.
 
وخلال خطابه المتلفز بعد فشل التصويت على حجب الثقة، قال خان إنه "يجب على الأمة الاستعداد للانتخابات المقبلة". وحسب المصادر الباكستانية وبعض وسائل الإعلام، فإن الانتخابات ستجرى في غضون 90 يوماً.
 
 لكن حتى الآن تبدو الأمور غير واضحة إلى حد ما في ما يتعلق بمستقبل الأزمة، وإذا كان قرار البرلمان الباكستاني الذي صدر قبل ساعات سيتم العمل به بشكل نهائي، فالأمر كله متعلق بقرار المحكمة العليا التي تنظر في القرار الآن.
 
ويبدو عمران خان مصراً على الاقتراح الذي قدمه قبل يومين بعقد انتخابات مبكرة، حيث أكد ذلك في توصياته الموجهة لرئيس البلاد.
 
 
وتساعد خطابات خان الجماهيرية على حشد الدعم الشعبي على المدى الطويل، وهو ما سيكون مفيداً في الانتخابات المحتملة، حسب موقع the Diplomat الياباني. 
 
ويقول المحلل حذيفة فريد في تصريح لموقع الجزيرة إن حل البرلمان والحكومة وعمل انتخابات مبكرة يعدان "الفرصة الكبرى" بالنسبة لعمران خان حالياً حتى يحظى بالمزيد من الشعبية.
 
 ويضيف فريد أن التصويت الإلكتروني واقتراع المغتربين يعطيان فرصة كبيرة لعمران خان للفوز في الانتخابات القادمة والحصول على أغلبية تصل إلى ثلثي البرلمان كما وعد في خطابه الأخير.
 
 وقال جاويد رانا لموقع إن خان أصبح يحظى بشعبية بسبب حديثه المتكرر عن المؤامرة الخارجية (الأمريكية)، ولذلك فإنه يعتقد أنه سينجح في الانتخابات الجديدة.
 

موقف الجيش

ومنذ الاستقلال في 1947 عرفت باكستان أربعة انقلابات عسكرية ناجحة وعدداً مماثلاً من المحاولات الفاشلة. وحكم الجيش البلاد مدة ثلاثة عقود.
 
ورئيس الوزراء الباكستاني يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه وصل إلى السلطة بمساعدة الجيش الباكستاني، لكن مراقبين يشيرون الآن إلى وجود خلافات بين الجانبين، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.
 
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رفض خان إقرار تعيين رئيس جديد لوكالة المخابرات الباكستانية القوية.
 
لكن علناً، نفى كل من الجيش وخان نشوب أي خلاف.
 
وقال الجيش الباكستاني، اليوم الأحد، إنه ليس منخرطاً في السياسة، وذلك بعد أن سادت حالة من عدم اليقين في البلاد بعد نجاة خان من محاولة للإطاحة به وسعيه إلى انتخابات جديدة.
 
 وقال الميجر جنرال بابار افتخار، رئيس قسم العلاقات العامة بالجيش الباكستاني، لوكالة "رويترز" رداً على سؤال بشأن مشاركة المؤسسة في تطورات اليوم وخاصة ما يتعلق بحل البرلمان الباكستاني: "الجيش لا علاقة له بالعملية السياسية".
 
 وفي هذا السياق، قال الجنرال الذي بات محللاً سياسياً طلعت مسعود: "الخيار الأفضل في هذا الوضع إجراء انتخابات جديدة لتمكين الحكومة الجديدة من التعامل مع المشاكل الاقتصادية والسياسية والخارجية التي تواجهها البلاد".
 
وقال الكاتب والمحلل السياسي حذيفة فريد إن الجيش الباكستاني وقف بشكل صريح موقفاً محايداً، ولم يؤيد أياً من أطراف الأزمة حتى الآن، وهذا كان موقفه منذ بداية الأزمة.
 
في المقابل، فإن جاويد رانا ورغم تأكيده حياد الجيش في المشهد الحالي، فإنه قال إن الجيش خلف الكواليس قام بصناعة أحداث سياسية لدعم أحزاب المعارضة، وقال إن الجيش يستمتع بما تسمى "اختبارات الولاء".
 
وأضاف رانا: أعتقد أن الجيش لا يريد الانحياز لأي جانب؛ سواء كان صينياً أو روسياً، ولكنني أعتقد أنه يفضل العودة إلى المربع الأمريكي.
 
واللافت أن الجيش الباكستاني يبدو أنه ينأى بنفسه عن موقف عمران خان المنتقد لأمريكا، والذي بدا أقرب لروسيا في الأزمة الأوكرانية، إذ قال قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا أمس السبت، إن بلاده تسعى لتوسيع علاقاتها مع واشنطن.
 
وأضاف باجوا في مؤتمر أمني في إسلام آباد: "نشترك في تاريخ طويل من العلاقات الممتازة والاستراتيجية مع الولايات المتحدة التي تظل أكبر سوق تصدير لنا"، مشدداً على العلاقات الدبلوماسية والتجارية الوثيقة مع الصين الحليف القديم لباكستان، وقال: "نسعى لتوسيع علاقاتنا مع كلا البلدين دون التأثير على علاقتنا مع الآخر".
 
وقال باجوا إن باكستان قلقة حيال الصراع في أوكرانيا، وأضاف أن بلاده تتمتع أيضاً بعلاقات طويلة الأمد مع روسيا، ولكن "على الرغم من المخاوف المشروعة لدى روسيا، لا يمكن قبول عدوانها ضد الدول الأصغر".
 
 
(عربي بوست)

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر