أطماع في مشاريع إعادة إعمار اليمن: توسيع نفوذ قوى خارجية

[ تكلفة كبيرة لإعمار ما دمرته الحرب في اليمن (فرانس برس) ]

تشكل اليمن منطقة مغرية لمشاريع إعادة الإعمار، بالنظر إلى ما أحدثته الحرب الدائرة منذ ست سنوات من دمار هائل تعرّض له بلد فقير يعاني من تدهور اقتصادي وتردٍّ مزمن في البنية التحتية، الأمر الذي يجعله محط أنظار القوى الخارجية التي تسعى إلى توسيع نفوذها في رقعة جغرافية استراتيجية، وفي بلد قد تشكله مشاريع إعادة من جديد.

وفي الوقت الذي يحتكر فيه الصندوق السعودي للتنمية بصورة ضمنية، وبحسب اتفاق مع الحكومة اليمنية برامج الإعمار في اليمن، تخوض دول عديدة نافذة يثير موقع اليمن الاستراتيجي أطماعها، صراعاً شاقاً لنيل نصيب في كعكة الإعمار القادمة.

ويقول الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، لـ"العربي الجديد"، إن برامج إعادة الإعمار التي ينفذها الصندوق السعودي للتنمية ليست أكثر من مجرد غطاء للتغول والتدخل لتنفيذ بعض الأجندة الخفية في الجغرافيا اليمنية. لذا، تُجبَر الحكومة اليمنية على توقيع عقود واتفاقيات مع أطراف أخرى غير حكومية، بحجة إعادة الإعمار، لكن لا أثر ملموساً لها، رغم أنه يُعلَن تنفيذها منذ أكثر من عام.

لذا، يستغرب العوبلي هذا الحراك في إعادة الإعمار في بلد لا يزال في حالة حرب، و"من غير المعقول الحديث عن مشاريع كهذه في ظل هذه الوضعية". أما والبلد في حالة حرب، ففي هذه الحالة - كما يقول - يجب توجيه ما يُخصَّص من تمويلات إلى المساعدات الإنسانية والمشاريع التنموية لخلق مجتمع منتج يوفر دخلاً مناسباً لكثير من اليمنيين الذين فقدوا سبل عيشهم في هذه الحرب.

ويرى أيضاً أن برامج خطط الإعمار في اليمن يجري تجنبها عمداً، كما يظهر ذلك، في ما يتعلق مثلاً ببرامج الأمم المتحدة، إذ تحرص المنظمة الأممية والمنظمات التابعة لها على أن تجلب تمويلات لأغراض المساعدات الآنية، كالسلال الغذائية والخدمات الطبية وغيرها، لما تشكله من منافذ هامة للتكسب والفساد لعدم خضوعها للرقابة والمساءلة.

من جانبه، يؤكد رئيس مركز الإعلام الاقتصادي اليمني (مستقل)، مصطفى نصر، عدم الاهتمام بهذا الملف، حتى الآن، رغم ما يدور من نقاشات لا تعدو كونها مبادرات غير رسمية.

ويشدد في حديثه لـ"العربي الجديد"، على نقطة مهمة تتعلق بارتباط عملية الإعمار بالملف السياسي، إضافة إلى عدم استقرار المناطق الخاضعة لنفوذ الحكومة التي استعادتها خلال السنوات السابقة من قبضة الحوثيين، وعدم وضوح سيناريوهات الصراع.

ويشير إلى ضرورة التفكير في ملف الإعمار وعدم ربطه بأي ملفات أخرى، إذ يجب أن يكون هناك التزام دولي وإقليمي بإعادة إعمار اليمن.

وتتركز أطماع دول كبرى في أهم مواقع اليمن ومنافذه الاستراتيجية، مثل ميناءَي بلحاف والمخا وخليج عدن لأهميتهما الحيوية في الصراع الدولي الدائر على طريق الحرير الذي يتصدر أجندة الصين التي تسعى منذ فترة إلى تنفيذه، إضافة إلى باب المندب وما يحيط به من جزر ومواقع استراتيجية على طول امتداد ساحل اليمن الغربي، تُسيل لعاب الشركات الأجنبية، وخصوصاً البريطانية والفرنسية والروسية، وأخيراً الإسرائيلية، بالإضافة إلى الإمارات. كذلك لم تغب إيران عن الصراع على كعكة الإعمار عبر حلفائها الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة والعديد من المناطق والمدن الحيوية.

ويتحدث دبلوماسي يمني سابق، فضل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، عن صراع شديد بين القوى النافذة أخيراً على ملف الأزمة اليمنية التي عملت بريطانيا منذ عامين وفق قوله، على الاستئثار به وتحديد مساراته السياسية والاقتصادية، وما يُستشرَف من برامج ومشاريع البناء والإعمار، لما لهذا الملف الواعد من فرص كبيرة في استقطاب تمويلات دولية ضخمة وتعويضات ومساهمات لإعادة بناء وإعمار ما دمرته الحرب، وبروز موقع اليمن ومنافذه وفرصه الاقتصادية كبلد خام يمتلك ثروات غير مستكشفة كورقة مساومة في ملفات الإعمار والبناء.

وتؤكد مصادر مطلعة إقدام فرنسا أخيراً، التي تُعَدّ محوراً رئيسياً في الصراع الدائر في ميناء بلحاف وخليج عدن، على التأثير في ما كان يدور من مفاوضات قبل نحو عام في العاصمة الأردنية عمّان، لبيع جزء من حصة الحكومة اليمنية في حقل صافر بمأرب، أكبر الحقول اليمنية المنتجة للنفط والغاز، الذي تمتلك شركات فرنسية حصة كبيرة منه، وذلك لتوفير احتياطي نقدي للبنك المركزي الذي يعاني شحاً كبيراً في السيولة من النقد الأجنبي.

وكانت الحكومة اليمنية في عام 2019، قد قدرت خسارة الاقتصاد اليمني بسبب الحرب بنحو 50 مليار دولار كخسارة ضمنية، بينما وصلت الخسائر من تدمير البنية التحتية إلى عشرات المليارات من الدولارات الإضافية، بحسب ما أوردته مسودة خطة أوليات إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي للعامين الماضيين.

لكنّ تقريراً رسمياً صادراً عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية (حكومي) يُعدّ تقاريره بالتعاون مع منظمة اليونيسف، كشف في العام الماضي عن انكماش تراكمي في الاقتصاد اليمني بنحو 50%، فيما قدرت الخسائر الاقتصادية بحوالى 88.8 مليار دولار.

وأرجع التقرير ذلك إلى الآثار المباشرة وغير المباشرة التي تكبدها الاقتصاد اليمني، وبالأخص التدمير الذي لحق بالبنى التحتية والمنشآت الإنتاجية والخدمية وتعطيل كثير من الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية.

المحلل الاقتصادي أسعد القباطي، يتطرق في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى نمو وازدهار لأعمال ومشاريع البناء والتشييد والمقاولات كأهم ما يرافق الحرب من تبعات، بالنظر إلى حجم الأموال التي تتدفق طوال سنوات الحرب، ولا أحد يعرف مصدرها.

ويُعَدّ توسّع بعض المستثمرين في بناء العقارات بالفترة الأخيرة مؤشراً مهماً يوحي بإقصاء الشركات والمقاولين وقطاع الأعمال اليمني التقليدي، والاعتماد كلياً على شركات ومقاولين يتبعون الدول التي تستحوذ على برامج ومشاريع إعادة الإعمار في اليمن، حسب القباطي.

واستهدفت الحرب والقصف الجوي لطيران التحالف الذي رافقها، البنى التحتية في اليمن، إذ دُمِّرَت الطرق والجسور، وتضررت خطوط الكهرباء ومشاريع صناعية، وتعطل إنتاج النفط والغاز.

وحسب دراسات حديثة، تركزت الأضرار أكثر في قطاع الإسكان بنسبة 40%، فيما تضررت قطاعات التعليم والصحة والنقل والمياه والصرف الصحي بنسب كبيرة ومتفاوتة.

العربي الجديد
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر