حرب الموانئ بين السعودية والإمارات والحوثيين تفاقم أزمات اليمنيين

[ صورة إرشيفية لميناء عدن ]

تصاعدت في اليمن حرب الموانئ بين السعودية والإمارات والحوثيين، لتنذر بتفاقم الأزمات الغذائية والتجارية في البلد الفقير الذي يعاني من أوضاع اقتصادية ومعيشية متدهورة، بسبب الحرب التي اندلعت منذ سنوات. وفي الوقت الذي لا يزال التحالف العربي الذي تقوده السعودية يعطل ميناء عدن جنوب البلاد، اتهمت الحكومة اليمنية (مقرها الرياض) جماعة أنصار الله (الحوثيين)، أمس، باحتجاز 10 سفن نفطية وتجارية في ميناء الحديدة. ولم تكن الإمارات بعيدة عن حرب الموانئ، حيث استولت على ميناء نفطي جديد في محافظة شبوة (جنوب)، أول من أمس. 

ويبدو أن اليمنيين أصبحوا ضحية تفاقم الصراع بين الأطراف الثلاثة (السعودية والإمارات والحوثيين) على الموانئ، عبر مزيد من الأزمات الغذائية، وسط ارتفاع جنوني في أسعار الوقود وشح حاد لمختلف السلع، في ظل تعطل العديد من الموانئ الاستراتيجية لبلادهم. 

ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الحكومية (سبأ)، عن وزير الإدارة المحلية، رئيس اللجنة العليا للإغاثة، عبد الرقيب فتح، أن من وصفها بـ"مليشيات الحوثي الانقلابية تحتجز 10 سفن نفطية وتجارية في ميناء الحديدة، ومنعتها من إفراغ حمولتها، وأن بعض السفن محتجزة منذ ما يقارب ستة أشهر". 

وتحمل هذه السفن وقوداً وسلعاً غذائية، إذ ذكر الوزير اليمني أن السفينة التي تحمل اسم distya pushti والتي وصلت إلى الميناء في 28 سبتمبر/أيلول الماضي، تحمل على متنها 10955 طناً من الديزل و9025 طناً من البنزين، إضافة إلى السفينة RINA والتي وصلت في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتحمل على متنها 5700 طن من الدقيق والسكر، تم منع تفريغهما من قبل الحوثيين. 

ويشهد اليمن أزمة خانقة في المشتقات النفطية منذ ما يقرب من أسبوع، على نحو خاص، حيث وصل سعر لتر واحد في السوق السوداء إلى 2500 ريال يمني، وتسببت أزمة المشتقات في شل الحركة العامة في أغلب المدن. 

ومدينة الحديدة تضم أكبر ميناء في اليمن يمثل البوابة الرئيسية للغذاء والوقود والمساعدات الإنسانية لبقية البلاد، و80% من الإمدادات التجارية لليمن تمر عبر هذا الميناء الذي تهدده المعارك. 

وفي مقابل اتهامات الحكومة اليمينة للحوثيين بأنهم وراء أزمات الوقود والسلع، أوضح مصدر في وزارة النقل الخاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، أن تلك التصريحات التي أعلنت عنها الحكومة والتحالف عن احتجاز 10 سفن غير دقيقة، وذكر أن مفاقمة أزمة المشتقات في اليمن يتحملها التحالف. 

وحسب رئيس اللجنة الاقتصادية التابعة لجماعة الحوثي رشيد أبو لحوم، فإن عملية التفتيش على السفن الداخلة إلى اليمن من خلال الذهاب إلى جيبوتي ثم جدة في السعودية والعودة إلى مدينة الحديدة، تستغرق من 20 إلى 25 يوما. 

وقال أبو لحوم، في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس السبت، في العاصمة صنعاء، إن ذلك يضاعف الغرامة على السفن والتي تتراوح أحيانا بين 10 و20 ألف دولار كغرامة تأخير في اليوم الواحد، وذلك ينعكس على زيادة أسعار السلع وارتفاع قيمة المشتقات النفطية. 

وفي تطور آخر، قالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن قوات النخبة الشبونية المدعومة من الإمارات قامت، مساء أول من أمس، بالسيطرة على ميناء النشيمة النفطي الذي يقع على ساحل بحر العرب في محافظة شبوة جنوب البلاد. 

وأوضحت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن تلك القوات سيطرت على الميناء بالكامل، والذي كانت الحكومة الشرعية قد صدّرت منه أول شحنة نفطية، في يوليو/تموز الماضي، بعد انقطاع لأكثر من ثلاث سنوات. 

وتأتي خطوة سيطرة قوات الإمارات على ميناء النشيمة النفطي بعد استحواذها على منشأة وميناء بالحاف في المحافظة، خلال الفترات الماضية، ومنع إعادة تشغيل المنشأة وتحويلها إلى قاعدة عسكرية ومقر لعملياتها. 

كما جاءت هذه الخطوة بعد أيام من دعوة المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، أنصاره، إلى الاستيلاد على جميع المؤسسات الإدارية في محافظات الجنوب، في تهديد واضح للحكومة الشرعية التي تتخذ من مدينة عدن (جنوب) مقراً لها. 

وخلال الفترة الأخيرة، تصاعدت الاتهامات للتحالف السعودي الإماراتي بممارسات تمنع الحكومة الشرعية من الاستفادة من الموارد الأساسية، التي يعتمد عليها الاقتصاد، وفي مقدمتها تصدير النفط والغاز. 

وعلى الرغم من أن المحافظات التي تنتشر فيها حقول النفط والغاز تنحصر جميعها في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف والحكومة الشرعية، إلا أن الأخيرة لم تتمكن من استئناف تصديره، سوى بصورة محدودة. 

ويشهد اليمن حرباً مدمرة بدأت نهاية عام 2014 بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء ومؤسسات الدولة، وتصاعدت وتيرة الصراع منذ مارس/آذار 2015، عندما قادت السعودية تحالفاً عسكرياً بدعم من الإمارات لمساعدة الحكومة اليمنية، وشن التحالف ضربات جوية مكثفة ضد الحوثيين الذين لا يزالون يسيطرون على نحو نصف محافظات اليمن. 

الجدير بالذكر، أن اليمن يشهد أزمة اقتصادية غير مسبوقة، تضع البلاد على شفا الانهيار التام، مع خسارة الريال اليمني نحو 70% من قيمته أمام العملات الأجنبية منذ بدء الحرب، الأمر الذي تسبب في ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع، بالإضافة إلى شلل نسبي في مظاهر الحياة العامة، في مختلف المدن، منذ أسابيع. 

وحسب خبراء اقتصاد لـ"العربي الجديد"، فإن هذه الخطوات التصعيدية، والتي يسعى إليها التحالف السعودي الإماراتي، تأتي استكمالا لمحاولاته في إعاقة الحكومة اليمنية من تصدير النفط والغاز، وتضييق الخناق على اليمنيين الذين يعيشون أوضاعاً كارثية. 

وهو ما يؤكده الباحث الاقتصادي والخبير النفطي عبد الواحد العوبلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن السعودية والإمارات تتسابقان على فرض سيطرتهما على الموانئ اليمنية، من خلال إحكام الحصار والتضييق على كل محاولات استئناف إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز المسال، وتجريد الحكومة اليمنية من قدرتها على التحكم في مواردها، وبالتالي جعلها رهينة لما يجود به التحالف من مساعدات محدودة تخدم أجندته الخاصة. 

ويضيف العوبلي: "قد يكون أحد أدوات هذا الحصار هو ادعاء احتجاز سفن تجارية وناقلات نفط في ميناء الحديدة، على الرغم من أن التحالف عملياً هو من أوقف كل محاولات الحكومة اليمنية الشرعية للسيطرة على مدينة الحديدة". يتابع العوبلي: "ربما يرغب التحالف من خلال هذا الادعاء الذي أخذته الحكومة أيضا على محمل الجد في تحويل كل العمليات إلى الموانئ التي يسيطر عليها، وهو الأمر الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى تشديد الحصار المفروض على اليمن وإغلاق ميناء الحديدة آخر المنافذ الذي يصل منه المساعدات والمواد الأساسية لليمنيين خلال الحرب، خصوصا الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين ويتحصلون عبره على ما قد يحتاجون من غذاء ومشتقات نفطية". 

ولن تتأثر تجارة النفط في المنطقة كثيرا من خلال تعطيل الموانئ اليمنية، ووحدهم اليمنيون من يدفعون ثمن كل ذلك، خصوصا أن التحالف، بحسب العوبلي، هو من يسيطر عمليا على الطرق البحرية التي تمر منها ناقلات النفط، وفي حال توقفت حركة نقل النفط عبر مضيق باب المندب، فلا يزال لدى السعودية أنبوب يضخ عبر ميناء ينبع على البحر الأحمر غرب السعودية، والذي يتوقع أن تصل قدرته إلى نقل سبعة ملايين برميل يوميا في نهاية 2018. 

ووفقا لمراقبين، فإن تعطيل ميناء الحديدة ومنع وصول السفن سيساهم في زيادة إضافية على تكلفة البضائع التي تصل إلى اليمن، كما أن إجراءات التفتيش تقلل الواردات أيضاً. 

وبعد أربع سنوات من حرب التحالف على اليمن، أصبحت الإمارات تسيطر على خمسة موانئ يمنية تجارية ونفطية، وذلك من أصل ثمانية موانئ، منها ميناء المخا التاريخي على الساحل الغربي للبحر الأحمر، والذي تم استعادته من قبضة الحوثيين مطلع 2017، ولكنه لم يعاود نشاطه، بل تحوّل إلى مقر عسكري إماراتي، رغم أهميته البالغة، ليس فقط للسكان المحليين الذين كانوا يعتمدون عليه كمصدر دخل، ولكن لإدخال البضائع والمساعدات في ظل سيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة. 

وهناك مضيق باب المندب أيضا لا يزال محل أطماع الإمارات والسعودية اللتين تستمران في إحكام السيطرة عليه بعد أن تمكنتا من الاستحواذ على عدد من الجزر المتحكمة في المضيق.


المصدر: العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر