خوف ومجاعة واغتيالات


همدان الحقب

 لقد نحنا باللائمة كثيرا على الانقلاب الذي أغرق اليمن في كل تفاصيل المأساة التي يعيشها اليوم. ولكن هذا لم يكن كافيا. إذ كان الأجدر بنا أن نولي قدرا أكبر من لومنا الانقلاب، لما يجب أن نفعله نحن في إطار الشرعية والمقاومة.
 
 ففي ظروف كهذه؛ لا ينفع معها إلا أن يسبق السيف العذل. ومن الخطأ أن نبقى حبيسي توصيف كارثة الانقلاب، والبرهنة اليومية أنه كان سبب كل ما نحن فيه من عذاب واقتتال. فهذا أمر واضح لم يعد يجهله أحد، والفرز قد تم وكل تمترس في خندقه.
 
 دخلت الحكومة وقيادة الشرعية في حالة من الفصام مع الواقع اليمني، وأصبحت تنظر إليه من واقع مختلف تماما. تنظر إليه من خارج الحدود، وقد آلت بها التخمة إلى الخمول وغياب روح المسئولية. بينما تلاشى تفكيرها تماما بضرورة العودة إلى أرض الوطن وممارسة مهامها من داخله.
 
 يستلمون رواتبهم بالدولار وبما يوازي رواتب دبلوماسيي الدول الغنية، ما جعلهم ممنونيّن، بابتذال، غير قادرين على مصارحة التحالف بإعادة النظر في كثير من الملفات المتعلقة بالمشهد اليمني، لأنهم قابعين تحت تأثير رغبة استمرار هذا الوضع، مادامت المسألة هي أموال طائلة يتقاضونها، وفي المقابل لا مانع أن يتحرك التحالف بالطريقة التي يريد، وبغض النظر عن تبعات ومألات أي تحرك.
 
نشأت العلاقة بين التحالف والشرعية على قاعدة غير واضحة- هذا إن لم تكن مختلة. فالتحالف، في الفترة الأخيرة، ظهر وكأن اهتمامه منصب على اليمن النافع، وضمنا إضعاف فاعلية الحوثي وإمكانياته، لا القضاء عليه نهائيها.
 
ومع استمرار الحرب وامتداد سنواتها، ظهرت جوانب القصور التي كان بالإمكان السيطرة عليها قبل استفحالها..! فيما لو كانت الشرعية مسيجة من الفساد، وقادرة على التعامل الندي مع التحالف- لا مجرد عناصر صارت موظفة لدى اللجنة الخاصة- أهم جوانب  القصور هو الوضع الاقتصادي الكارثي، الذي كان يتآكل على هامش الحرب، وازداد وضعه سوءً في الأيام الأخيرة، حينما بلغ تدهور قيمة الريال حدا تجاوز الثمان مائة مقابل الدولار الواحد..
 
 
إذن؛ لم يكن الاقتصاد اليمني مأخوذا بالاعتبار- بالنسبة للتحالف- ولم تكن معاناة اليمنيين ذات قيمة بحيث تؤرقهم وتدفعهم للإحساس بها ومحاولة تفاديها ..! فالبنك المركزي، الذي تم نقله إلى عدن، لم يجري مده بأي نقد يذكر من العملة الصعبة. كما لم تبذل أي جهود لاستيعاب اللاجئين والنازحين وتوفير ما يضمن بقاءهم على قيد الحياة...!!
 
 وأبعد من هذا وذاك، مفارقة ترحيل العمالة اليمنية، التي تعيل ملايين الأسر في اليمن وتضخ الكثير من العملة الصعبة في الاقتصاد اليمني؛ رحّلُوا مئات الآلاف، بينما ضيقوا على من تبقى، إلى الحد الذي جعل منهم غير قادرين على توفير ما يفيض على رسوم الكفالة، وعشرات القرارات التي نص عليها قانون العمالة مؤخرا ..!
 
ومن جوانب القصور، الذي ترتب على عدم ضبط طبيعة العلاقة وخارطة التحرك بين الشرعية والتحالف، هي تناقض المصالح بين الشرعية ودول التحالف في أكثر من ملف!، وكذلك تناقضها فيما بين قوى التحالف نفسها!!
 
فبينما أصبح ملحا- بالنسبة للشرعية- رفع سيطرة التحالف عن موانئ اليمن ومطاراتها وتشغيلها، صار ذلك- من وجهة نظرهم- لا يمثل مصلحة لهم، وكأن بقاء الشرعية مفقرة معدمة، هدفا مقصودا يُتَاح للتحالف من خلاله تمرير مصالحه بالطريقة التي يريد...!
 
 بمعنى آخر؛ نريد شرعية غير قادرة على قول (لا)، أو عمل فعل أي شيء لا نراه مناسبا !!. لم يتوقف الأمر على تعطيل إمكانات اليمن القادمة من مؤسساتها الإيرادية كالموانئ والنقل، بل أن التحالف يمنع اليمنيين من تصدير النفط والغاز. وفي الوقت نفسه، لم يبادروا بأي وديعة، على الأقل تحفظ قيمة الريال، بينما لم يوفروا مشتقات نفطية تغطي احتياج اليمنيين...!!
 
 وهذا لا يعني، أن الفشل والكارثة الاقتصادية، مقتصرين على التحالف، بل وعلى الشرعية أيضا، التي لا يمكن أن نتنبأ أين ستذهب هذه الأموال فيما لو صدرنا نفطنا وفتحنا موانئنا ومطاراتنا...!!
 
أما بالنسبة لأكثر تجليات طبيعة الخلل بين التحالف والشرعية رعبا، فهي الاغتيالات التي تطال ناشطين في الثورة الشبابية ومؤسسين للمقاومة. كل يوم يسقط واحد من خيرة شباب اليمن، في ظل صمت مطبق وتواري مذعور...!! ولا يعرف أحد كيف السبيل إلى إيقاف قتل هؤلاء الأبرياء، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم قاوموا الجائحة الانقلابية، ووقفوا إلى جانب الناس وقضاياهم العادلة؟!
 
 لا يوجد جهاز أمن يمكن أن تطمئن إليه، ولا توجد جهة تتمتع بأبسط ذرة من إنسانية، أو شعور بمسؤولية تجاه الناس وحياتهم، التي بات المجرمون يصادرونها على مرأى ومسمع من العالم أجمع !!
 
 يا ترى؛ هل لخلل وهشاشة القاعدة التي يقف عليها كل من التحالف والشرعية، دور في هذه الاغتيالات؟!
 
 هل لتناقض المصالح، الناتج عن هذا الخلل، يد مباشرة تمتد إلى روح مقاوم كل يوم؟؟
 
 أيًّ كانت الإجابة، فالخلاص لا يمكن أن يأتي بأيدٍ غير يمنية. وحدهم اليمنيون قادرون على انتشال بلدهم من بين أنياب المتصارعين والعابثين، ووضع حد لمأساتهم الكبيرة.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر