خلال الحرب العراقية الإيرانية، وقف النظام اليمني بكل قوة مع النظام العراقي، وكان ذلك بداية خلاف تأسست عليه العلاقات اليمنية- الإيرانية، إذ ساد اعتقاد بأن الأوساط الإيرانية بدأت في تصفية حساباتها مع الأنظمة والدول التي وقفت ضدها في الحرب، ومن ثم بات تقويض النظام السياسي اليمني هدفاً إيرانياً. وهنا استغل حسين الحوثي الدعم الإيراني المخصص لتصدير الثورة الذي كان في بداية الأمر فكرياً أكثر منه ماديّاً، إلا أنه تحول إلى دعم مادي وعسكري بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، والفورة التي شهدها النفوذ الإيراني.

استثمر النظام الإيراني التنوع المذهبي والتقارب النظري- على الأقل- بين المذهبين الشيعي في إيران والزيدي في اليمن لاستقطاب هذا المذهب، وجرّه إلى المحور الشيعي على رغم البعد الظاهر بين المذهبين، لذلك نجد أن ارتباط الحركة الحوثية بالنظام الإيراني قام على أسس دينية مرجعية، لكنها لا تخلو من ارتباطات تتعلق بالتوجّهات السياسية.

لذلك فالتدخل الإيراني في اليمن ليس وليد اليوم، بل بدأ في عام 1982، فعندما أنشأت إيران «حزب الله» في لبنان أنشأت في اليمن في العام نفسه حركة «أنصار الله»، وقامت هذه الحركة بأول عملية إرهابية في صنعاء بتفجير سينما بلقيس في عام 1983، وكشفت التحقيقات حينها عن الحركة وارتباطها الوثيق بإيران، ومنذ تلك اللحظة والدعم الإيراني يتواصل ويتعاظم لهذه الحركة، إلى أن وصل الآن إلى مرحلة الدعم الشامل عسكرياً وسياسياً.

حتى 2011 لم يكن من السهل التيقّن من حجم النفوذ الإيراني في اليمن، على رغم وضوح بعض معالمه التي كانت محصورة في الأدوات الناعمة، الإعلامية والسياسية والثقافية، لكنها بدأت تتكشف أكثر مع تسارع الأحداث في اليمن والمنطقة عموماً، وقد كشف تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن، الصادر بتاريخ 26 كانون الثاني (يناير) الماضي، أن النفوذ الإيراني في اليمن لم يعد قضية إقليمية بقدر ما أصبح قضية عالمية، حين ذكر «أنه وثَّق مخلفات قذائف ومعدات عسكرية متصلة بها، وطائرات عسكرية مسيّرة من دون طيّار ذات أصل إيراني جُلبت إلى اليمن»، وأن الفريق استنتج أن جمهورية إيران لا تمتثل للفقرة (14) من القرار 2216 (2015)، وتم إمداد جماعة الحوثي بقذائف تسيارية قصيرة المدى من نوع بركان 2ح، وصهاريج تخزين ميدانية لمؤكسد سائل ثنائي الدفع للقذائف، وطائرات عسكرية مسيّرة من دون طيار من نوع (أبابيل- T قاصف1).

كانت نتيجة بسط السطو الإيراني نفوذه في اليمن منذ أكثر من عقدين من الزمن، زرع الميليشيات الإرهابية وتمويلها مثل الميليشيات الحوثية التي تمثل أحد أبرز أذرع النفوذ الإيراني في الخارج، ويتواصل دعم النظام الإيراني حالياً الحوثيين بالسلاح والصواريخ، إضافة إلى دعمهم سياسياً وعسكرياً حتى سيطروا تدريجاً على صنعاء في أيلول (سبتمبر) 2014. والنتيجة أنه ما إن تتدخل إيران في بلد إلا وتحوله إلى قاعدة لاستهداف الأمن القومي العربي مخلفة الفوضى والدمار في كل مكان، مثلما حدث في العراق وسورية واليمن ولبنان.

إن التدخل الإيراني في اليمن عبارة عن مخطط توسعي طائفي، هدفه إخضاع المنطقة لنفوذ ولاية الفقيه من خلال إسقاط الدول لتحل محلها الطوائف، واستبدال الجيوش بالميليشيات الدموية التي تقتل وتدمر الإنسان العربي، وذلك بارتكاب إيران عبر أدواتها الحوثية جرائم القتل والهدم والتفجير والتخريب ضد اليمنيين في شكل ممنهج ومدروس، إضافة إلى نشرها الأفكار الطائفية لتمزيق النسيج الاجتماعي ونسف التعايش السلمي، فالتدخلات الإيرانية عبر أدواتها الحوثية تتسبب بكارثة إنسانية حقيقية، مخلفة آلافاً من القتلى والجرحى، ولم تكتفِ إيران بتفخيخ العقول، بل زرعت عبر أدواتها الحوثية الآلاف من الألغام التي تحصد أرواح الأبرياء في شكل يومي في العديد من المدن والأرياف التي عجزت عن البقاء فيها، في ظل صمت عجيب لمنظمات حقوق الإنسان.

يقيناً أن الأطماع الإيرانية لم تكتفِ بتدمير اليمن، بل تسعى إلى نقل التجربة إلى كل الدول العربية وتهديد الأمن الإقليمي والدولي، من خلال تهديد الملاحة الدولية عبر زرع الألغام البحرية واستهداف السفن التجارية بالصواريخ الذكية التي تأتي من إيران، واستهداف المدن السعودية بالصواريخ الإيرانية الصنع وخبراء ميليشيات حزب الله.

قد يحتمل الوضع الإيراني في سورية صمتاً تكتيكياً نوعاً ما، بيد أن أمر اليمن لا يتحمّل أي مناورة، فإذا ما لاح خطر على سطوة جماعة الحوثيين الموالية لإيران داخل المشهد اليمني، فإن طهران تدفع باتجاه حسم حازم سريع ينهي بالدم ظاهرة انقلاب سابقة من قبل علي عبدالله صالح على حلفائه قبل رحيله. تعرف طهران أن جماعة الحوثيين لم تكن لتتمدد من منابعها في صعدة شمالاً، وتزحف باتجاه الجنوب مروراً بالعاصمة صنعا،ء لولا التحالف الخبيث الذي قام بينها وبين القوات التابعة للرئيس اليمني السابق. سبق أن خاض علي عبدالله صالح ستة حروب ضد تلك الجماعة حين كان رئيساً، بيد أن مكيافيلية الرجل الشهيرة نقلته من موقع العداء إلى موقع الحليف مع تلك الجماعة، بما سهّل لها ما لم تكن يوماً تحلم به من سيطرة كادت تكون شبه كاملة على اليمن.

بعدها أطبقت إيران على اليمن من خلال هذا التحالف الجهنّمي. لم تكن علاقات صالح بطهران ودية، ولا تنسى له وقوفه إلى جانب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حربه ضد إيران في ثمانينات القرن الماضي، لكن «الغاية قد تبرر الوسيلة»، فهدف إيران في الإطلالة مباشرة على السعودية يستحق تحالفاً ظرفياً موقتاً مع علي عبدالله صالح، وأن انتهاء هذا الحلف حتمي حين تُحقق الغاية ويُستغنى عن الوسيلة.

يبقى أن التدخل الإيراني ستكون له تداعيات سلبية على اليمن، أولها زيادة وتيرة الصراع، والشواهد على ذلك كثيرة، فالأسلحة الحديثة التي تملكها جماعة الحوثي، وبكميات كبيرة، مصدرها إيران، وقد فرضت واقعاً جديداً على الأرض، كما أن قدرة الجماعة على استخدام هذه الأسلحة، زاد من قدرتها على تقويض سلطة الدولة. كما أن ظهور جماعة الحوثي، بهذه القدرة العالية في التوسع والسيطرة، يؤكد أن إيران حققت أول أهدافها بإنشاء جماعة تتماثل مع «جيش المهدي» في العراق، و «حزب الله» في لبنان، مما يعني نجاحها في التوسع في المنطقة، وبالتالي ترسيخ أقدامها، وإحداث معادلات جديدة للتوازن الإقليمي. وتطمح إيران، التي تدعم الحوثيين، إلى توسع الجماعة أكثر بالسيطرة على مناطق جديدة والتحكُّم على الأرض لتوسع النفوذ الإيراني بالتبعية، بعد أن انتقل بعض أفراد جماعة الحوثي أخيراً إلى مدينة عدن في إطار توسيع نفوذها جنوباً. وما يزيد من شدة التأثرات السلبية، هو توغل إيران نحو الصراع الدائر بين مراكز القوى في الداخل اليمني، حيث توجد شواهد تؤكد أن توسُّع الحوثي وراءه أيضاً دعم من قيادة وقواعد حزب المؤتمر الشعبي، في إطار تصفية حساباته مع حزب الإصلاح لموقفه في إزاحة نظام علي عبدالله صالح من الحكم أثناء الثورة الشعبية، وما تلاها، ما يعني وجود تأثير إيراني قوي في اليمن، فإلى أين يمضي؟ ومتى يتوقف؟


نقلا عن الحياة السعودية

مشاركة الصفحة:

اقراء أيضاً

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر