فوضى عدن


ياسين التميمي

يوم الاثنين الماضي (22 من كانون الثاني/ يناير) اجتمع محافظ عدن المقال، عيدروس الزبيدي، في العاصمة السياسية المؤقتة عدن مع عدد من القيادات المحسوبة على المقاومة الجنوبية، وأعلنوا اليوم الأحد موعداً لبدء حالة طوارئ في المحافظات الجنوبية، والتصعيد ضد الحكومة والمطالبة بإسقاطها.
 
تزامنت تلك التحركات مع زيارة للسفير السعودي لدى اليمن، محمد بن آل جابر، إلى عدن، ولقائه رئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر، بعد أن وضعت المملكة ملياري دولار وديعة لدى البنك المركزي اليمني، في إجراء طارئ هدف إلى وقف التدهور الكبير في سعر الريال اليمني، والذي تجاوز عتبة الـ500 ريال مقابل الدولار، وهدد بانهيار اقتصادي ومعيشي في البلاد التي تعصف بها الحروب والفوضى منذ ستة أعوام.
 
كانت أبو ظبي قد صممت إجراءات فعالة للتحريض على الحكومة، ودفعها إلى الفشل، ومن ثم إلى الاستقالة، بما يسمح بإعادة تشكيل حكومة من الموالين لها، والذين يمكن أن يسهّلوا مهمة في وضع اليد على جنوب البلاد ومنشآته الحيوية.
 
لم يرقْ لأبو ظبي أن ترى الحكومة تتنفس الصعداء بفعل الإجراءات السعودية الإسعافية، لذا لجأت للخطوة التالية، وهي التصعيد الميداني عبر أدواتها من القيادات الانفصالية التي التحمت مع الأجندة الإيرانية، وبنت طيلة الفترة الماضية علاقة شراكة قوية مع ميلشيا الحوثي؛ أساسها العداء المشترك لقوى ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير.
 
لذا من البديهي أن يعيدنا التصعيد الممنهج ضد الحكومة من جانب القوى الانفصالية في جنوب البلاد؛ إلى مشهد الثورة المضادة التي نفذها الحوثيون في صنعاء في شمال البلاد، بدعم من أبو ظبي ومن عواصم إقليمية، بينها الرياض وعواصم غربية، وانتهت بإسقاط صنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر 2014، رغبة من تلك العواصم في إنهاء إرث ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011، وتحجيم وسحق حواملها السياسية، وبالأخص التجمع اليمني للإصلاح.
 
في تلك المرحلة الصعبة من تاريخ اليمن، والتي جرّت إلى كل هذه المآسي، كان الحوثيون قد حصلوا على مباركة ضمنية من الرئيس هادي لما يقومون به، ربما أيضاً بإيعاز من داعميه العرب والغربيين، وتحت الضغوط المباشرة التي مورست عليه، وربما لضيق في الأفق السياسي للرئيس.
 
أما التحركات التي يتبناها الانفصاليون اليوم في عدن فإن الرئيس هادي وحكومته هما الهدف المباشر لها وهو أمر يعقد المشهد كثيراً، ليس على الرئيس وحكومته فقط، بل على كل اللاعبين والمؤثرين في الساحة اليمنية.
 
وإذا كان هناك من طرف يواجه مأزق التصعيد في مدينة عدن التي أعلنها الرئيس عاصمة سياسية مؤقتة للبلاد، فليس إلا التحالف الذي سيتعين عليه أن يبرر سبب هذا التصعيد في ساحة يسيطر عليها التحالف أمنياً وعسكرياً، ويتحكم بكل الدمى التي تتحرك على هذه الجغرافيا الهشة التي لم تعرف الاستقرار منذ تم دحر الانقلابين منها في صيف 2015.
 
خرجت وزارة الداخلية بأقوى بيان لها في مواجهة تصعيد الانفصاليين في عدن، وقالت إن أجهزتها المختصة، وبالتنسيق مع قوات التحالف العربي، ستقوم بواجبها ودورها في حفظ الأمن والسكينة العامة والممتلكات العامة والخاصة، وتحمّل في الوقت نفسه المخالفين لقراراتها المسؤولية الكاملة عما يترتب على أعمالهم من نتائج.
 
بيان كهذا يفتح الباب واسعاً أمام تطورات خطيرة في حال قرر الانفصاليون المضي قدماً في خط التصعيد، خصوصاً وأن جزءا مهما من قيادات المقاومة الجنوبية ترفض إجراءات المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتزعمه عيدروس الزبيدي، وتصفه بالطرف غير القانوني الذي ليس من حقه أصلاً إعلان حالة طوارئ.
 
الانفصاليون لا يهددون بتقويض السلطة الشرعية فقط، بل إنهم يجرون الجنوب المثخن بالجراح والأحقاد التاريخية إلى مواجهات مناطقية جديدة؛ ربما تكون أكثر دموية من سابقاتها ونموذجها الأسوأ المتمثلة في أحداث الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير 1987.
 
والسبب يعود إلى التركيبة الحالية للسلطة الانتقالية التي تدير الدولة اليمنية في هذه المرحلة والتي تتشكل في معظمها من شخصيات سياسية وعسكرية جنوبية، يتقدمها الرئيس عبد ربه منصور هادي.
 
وهذا يعني أن الانزلاق نحو العنف، الذي يدفع إليه الانفصاليون، سيستدعي بالضرورة الهويات المناطقية مجدداً، خصوصاً وأن هذه الهويات تتمترس خلف معسكرات وأسلحة وعقائد قتالية مشوهة ومحكومة بالنزعة الحادة نحو الانفصال على حساب الدولة اليمنية الموحدة.
 

*عربي21

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر