اجتثاث نظام الإمامة لا يكفي


علي الفقية

ثورة سبتمبر، انبعاث أمة، وموعد خروج الشعب اليمني من تحت الأنقاض ليبحث عن ذاته المسحوقة، ويلملم كينونته المسحوقة تحت براثن الإمامة، كان الإمام يعتبر نفسه الإله المخول بالتصرف في شؤون العباد في هذه الرقعة الجغرافية، ادعى أنه يستخدم الجن وأطلق على نفسه عبر أعوانه "أحمد يا جناه".
 
تلبس بلبوس الدين حتى صور للناس أن من لا يؤمن بولايته ولا يقدس شخصه وشخوص أفراد عائلته أنه كافر ولن تقبل عبادته لأنه يرفض الولاية التي أمر الله بها لعيال النبي.
 
خرج الثوار في 1948  بثورة دستورية يعني نصف ثورة على الدجال الأكبر يحيى حميد الدين لكن لم يكتب لها النجاح، حينها استجمع الدجال الإبن أحمد حميد الدين ما راكمه من جهل ومن انسحاق لدى القبائل اليمنية التي تؤمن أنه ابن النبي وأنه وكيل الله على الأرض وهجم على العاصمة صنعاء وسحق الحلم الذي ما كاد يرى النور، أباح العاصمة صنعاء لجحافله التي جاء بها من شمال الشمال فنهبوا كل شيء وبقروا بطون الحوامل كما أثبتت ذلك المرويات التاريخية.
 
حينها وقف الزبيري على أنقاض هذا الحلم وأنشد:
أنا راقبت دفن فرحتنا الكبـرى وشاهدت مصرع الابتسامة
ورأيت الشعب الذي نزع القيـد وأبقى جذوره في الإمامة
 
حينها تمكن أحمد ياجناه من إعادة الشعب إلى القمقم وظن أنه قد أحكم إغلاقه بإعدام عشرات القادة الأحرار الذين تزعموا الثورة، إلا أن الحلم لم يمت وإن خبا مؤقتاً.
 
استمرت محاولات الثوار ونضالهم دون يأس ليلتقطوا الفرصة تلو الفرصة إلى أن حانت لحظة الخلاص وكنسوا نظام الإمامة، لكنهم ومن جاء بعدهم للأسف لم يعملوا على اجتثاث الفكرة التي تعشعش في رؤوس كثير من المغفلين، وترتبط بجذور دينية عمل الأفاكون على تأصيلها قرون من الزمن وحشوها في المراجع الفكرية الإسلامية بشقيها الشيعي والسني.
 
كان الزبيري يدرك أن اجتثاث النظام دون اجتثاث الفكرة لا يكفي وكان يؤكد في كل خطبه وقصائده على ضرورة تحرير العقل اليمني من فكرة الإمامة ومن الاعتقاد بتميز سلالة معينة واستحقاقها للحكم دون بقية اليمنيين.
 
فبعد انتهاء المواجهات العسكرية التي انتهت بتثبيت النظام الجمهوري وتظاهر الإماميين بالتوبة عن فكرتهم والانصهار في بوتقة الجمهورية انصرف الجمهوريون الذين لم يتشبعوا بفكرة الجمهورية، وتعلق الانتهازيون وأنصاف الثوار على ثورة سبتمبر ليتقاسموا المناصب والغنائم ويغرقوا في الفساد، بعد أن رحل أنقى الثوار وهم يناضلون من أجل تحرير الشعب.
 
بقيت قبائل شمال الشمال إقطاعيات خاصة بزعماء القبائل دون تنمية دون تعليم، أما صعده فقد ظلت أجزاء واسعة منها إقطاعية خاصة بالأسر الإمامية من بيت المؤيدي وبيت الحوثي، ومع استمرارهم في تجهيل الناس ونشر الدجل والخرافات، فقد ظل اللوبي الإمامي يربط كل الأخطاء والقصور الذي يأخذه الناس على ممارسات المسئولين في العهد الجمهوري بالجمهورية كفكرة وكنظام ليوغروا صدور الأجيال التالية ضد فكرة الجمهورية ويهيئون أنفسهم لاستعادة الحكم مرة أخرى بعد إفراغ النظام الجمهوري من محتواه.
 
أنعشت ثورة الملالي في إيران الحلم لدى الإماميين في اليمن بإمكانية استعادة الحكم ولو بثوب الجمهورية، وكانوا حينها قد اخترقوا كل مفاصل الدولة وأخذوا وضعية "الكمون" إلى اللحظة المناسبة، وبدؤوا يعملون بكل جهدهم لاختراق الأحزاب والتنظيمات السياسية بمختلف توجهاتها الوطنية والأيديولوجية حتى في المرحلة السرية، واستفحل الوضع بعد إعلان التعددية عام 90 لدرجة أنهم أصبحوا يشكلون واجهات لعدد من الأحزاب وفي مقدمتها حزب المؤتمر الشعبي العام.
 
الخلاصة أن ترك فكرة الإمامة دون اجتثاث يتيح الفرصة للإماميين للعودة في أي وقت ويجدون في كل مرة جحافل من الأميين المغفلين المسكونين بفكرة الولاية لـ"آل النبي" جاهزين لأن يموتوا في سبيل الفكرة الملغومة.
 
ويزملون وراء السيد:
ذي ما ارتضى بالله والقرآن وبآل النبي ... صفر المعابر تقنعه
 
فاجتثاث الفكرة من رؤوس المخدوعين بها سينقذ أمة من اليمنيين الذين ما فتئوا يساقون إلى المعارك ويملأن المقابر مع كل جولة اقتتال، يمكننا أن ندلهم على سبل كريمة للحياة لا تتطلب منك أن تموت في سبيل السيد ليتدخل الجنة، نحتاج أن نبذل جهداً كبيراً لإقناعهم بالتعليم والتثقيف أن هناك ما يستحق أن يعيشوا من أجله، وأن نقدم لهم خطاباً يقنعهم أن للجنة طرقاً شتى ليس من بينها الموت في معركة تثبيت الولاية لـ"آل البيت" المزعومين.
 
اليوم الذكرى الخامسة والخمسين لثورة سبتمبر يمكنها أن تشكل محطة جديدة للتعاطي بطريقة مختلفة مع مضامين ثورة سبتمبر وسبل استعادة القيم الحقيقية لهذه الثورة العظيمة حتى لا يستطيع في العام المقبل دجال مثل عبد الملك الحوثي وحسن زيد أن يحتفل بالولاية وبنكبة 21 سبتمبر وفي نفس الوقت يتظاهر بالاحتفال بثورة 26 سبتمبر النقيض الموضوعي للمناسبتين السابقتين.
 
بعد القضاء على انقلاب الحوثيين، وحتى لا نرحل الصراع للجيل القادم من أبنائنا وأحفادنا، نحتاج إلى أداء سياسي وفكري وتنموي مختلف كلياً عن أداء ما بعد ثورة 26 والذي تسبب للأسف الشديد في تمكين جذور الإمامة من العودة إلى الحياة من جديد ووجدنا أنفسنا بعد خمسة عقود من الثورة بحاجة إلى أن نخوض معها معارك جديدة.
 
أما الذين ينحدرون من أسر هاشمية فليس أمامهم، وبعد أن تسبب كبراؤهم في شقاء اليمن قروناً طويلة، سوى خيارين: إما أن يكونوا يمنيين فقط ويتخلوا عن أوهام التميز والأحقية في الحكم، أو أن يعودوا إلى بلدانهم الأصلية لاستعادة حقهم هناك.
 
فلم يعد لأوهامهم مجال للتحكم في رقاب الناس بدعاوى أدرك قطاع اليمنيون أنها محض خرافات ودجل.
 
 
*من صفحة الكاتب على فيسبوك

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر