وداعًا الشيخ البكّاء!


سام الغباري

 رحل الشيخ، وليس يُسمى في اليمن شيخٌ إلا يشار إليه، كان هو المثير في تصريحاته، ومواقفه، شئنا معه، أو خُضنا عليه، بارزناه خلال بروزنا الإعلامي متحصنين بمواقف عدائية تنال منه سياسيًا، وظل صامتًا يرنو من شرفة منزله نحو الهواجس باعتباره فعل إعلامي مكتوب.
 
غير أنه كلما وجدتني في مجلس يحضره، أراه يهتز باكيًا في صلاته، وهو الضخم جسدًا ومكانة، ذات يوم صاح في وجهه بطل من المقاومة، إبان عدوان الخوثيين على دماج، قائلًا: إتق الله !
 
فجرت عيناه بالدمع غزيرًا، رأيت فيه خشوعًا لا يُرى، وخوفًا من رب العباد، ولسانه يردد: اللهم اجعلني ممن قلت فيهم: من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب.
 
لقد انتميت إلى المؤتمر الشعبي العام، وصرت مناصرًا عنيدًا للدولة، بحدود تصوري، ومعلوماتي، كاتب أنمو بالحروف، والكلمات، وكان هو متوفرًا منذ زمن قديم، إنه الشيخ الكبير، وعضو مجلس الرئاسة الذي دفع لنا تعويضًا عن قذيفة معسكر باصهيب المنفجرة وسط عنق منزلنا الطويل بمدينة ذمار.
 
ذات مرة، جاء إلى جامعنا الكبير، حضرت خطبته بين مغرب وعشاء، ولما انتهى، حاول الخروج غير أن احتشاد الناس عليه أبطئ وقفته، وكان يصافحهم ما استطاع، وصوت أحدهم يعلق بالميكرفون: السلام نظر، لا ترهقوا الشيخ !، غير أننا عزمنا إرهاقه، وكنت ربما آخر المصافحين، رأيته أمامي، برأس ضخم، ولحية ضخمة، وكف ضخمة، وعطر ضخم .. كل شيء فيه كان ضخمًا.
 
 عُدت إلى اصدقائي نهاية ذلك المساء، منبهرًا من رجل بهذا القدر من الضخامة، وهو المصطلح "الذماري" المرادف للإعجاب والمهابة.
 
يموت اليوم، مخلفًا وراءه إرثًا من الأعمال العظيمة، والمواقف التاريخية التي يختلف الناس حولها، ويتفقون، غير أن حكمة الموت تدفعنا لتذكر سنوات الوئام التي كانت بوجوده ورجاحته ومكانته وتصريحاته مليئة بالحياة، والاستقرار، والجدل والتغيير.
 
رحم الله الشيخ عبدالمجيد الزنداني وعزاؤنا إلى أسرته ومحبيه وطلابه.
 
(من صفحة الكاتب)

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر