في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 قال نتنياهو في لندن: "العرب يلتفّون حولنا بشكل لم أكن أتوقعه في حياتي". وفي 4 نوفمبر 2023 يقول له الواقع: صدقتَ أيها المجرم.
 
العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزّة مختلف تمامًا هذه المرّة عما سبقه من اعتداءات، إذ لعلّها المرّة الأولى التي تكون فيها واشنطن مشاركةً في القتال، على نحوٍ مباشر وصريح، مسجّلة حضورها المادي وليس المعنوي، إذ حضرت بالعتاد والتعداد العسكريين، من خلال أسطول طائرات F16 وترسانة هائلة من الذخائر الحديثة، فضلًا عن حضور رئيسها، ثم وزيري دفاعها وخارجيّتها، اجتماعات مجلس الحرب الصهيوني، معلنين أن المعركة معركتهم، قبل أن تكون معركة إسرائيل.
 
إذن، العنوان الصحيح هو: أميركا وإسرائيل تشنّان حرب إبادة على الشعب الفلسطيني. وبالتالي، أي موقف عربي مناهض للعدوان ومساند لفلسطين ينبغي أن يشمل واشنطن وتل أبيب معًا، سواء بالضغط السياسي، عن طريق سحب السفراء، أو الضغط الاقتصادي عن طريق استعمال كل الأوراق والأسلحة العربية، من سلاح النفط إلى المقاطعة الاقتصادية، إلى عدم السماح بمرور أدوات القتل الأميركية من المياه والأجواء العربية.
 
في المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، في عمّان، كان لافتًا للغاية الاهتمام بتوجيه رسائل وإشارات عن حميمية العلاقة بين الوزير الأميركي، الذي يحضر إلى المنطقة باعتباره اليهودي المقاتل من أجل إسرائيل، وصديقيه وزيري الخارجية المصري والأردني، إذ طوال المؤتمر ينادي الوزير المصري باسمه مجرّدا "قلت لسامح واتفقت مع سامح" والأمر ذاته مع الوزير الأردني أيمن الصفدي. وفي المقابل، يردّ سامح وأيمن بمنتهى السعادة والفخر "شكرًا توني"، وكأنهم في حديقة زهور وليسوا على بعد عشرات الأميال فقط من محرقة بحقّ الشعب الفلسطيني، ينفذها "الصديق توني" رفقة العدو الصهيوني بحقّ الشعب الفلسطيني في غزّة.
 
هكذا، بدا العرب ملتفّين بشكلٍ لا يتخيّله أحد حول "توني" الذي يعلن بمنتهى الحدّة والصرامة الرفض المطلق لأية أفكار أو مقترحاتٍ خاصة بوقف إطلاق النار، أو الدخول في هدنةٍ في الحرب على غزّة، تمامًا كما كان يشعر نتنياهو بالتفاف العرب حوله بشكلٍ لم يكن يحلم به.
 
هذا هو واقع الحال الذي لا يمكن أن تخفيه الرشقات القادمة من الحكومات العربية محمّلة برؤوسٍ من "أشدّ العبارات"، تلك النكتة السخيفة التي تتردّد في البيانات الرسمية والتصريحات الشاجبة والمندّدة بلا أي تأثيرٍ يُذكر، منذ بدء العدوان الأميركي الإسرائيلي على غزّة، فيما يظنّ الرسميون العرب أنهم أدّوا واجبهم نحو القضية لمجرّد أنهم يعلنون أن هذا القصف الوحشي غير معقول أو مقبول، من دون أن يحاول أحدٌ مغادرة منطقة "أشدّ العبارات" إلى مساحةٍ من الأفعال والإجراءات التي لم تعُد بحاجةٍ إلى بيانٍ أو تفصيل، إن من الأشقّاء الجيران المباشرين لغزّة، أو الأشقّاء الأبعد، إذ لا أحد فتح معبرًا، أو أوقف عبورًا للطيران الصهيوني في سمائه.
 
يحيلك موقف الدبلوماسية الرسمية العربية، التي لا تزال تتثاءب بانتظار قمّة عربية في الرياض بعد مرور أربعين يومًا تقريبًا على المجزرة، إلى موقف الممثل الفكاهي المصري، بيومي فؤاد، وهو يقف على مسرح الرياض، مندّدًا بأشدّ العبارات بزميله الفنان محمد سلام الذي أعلن اعتذاره عن عدم السفر إلى السعودية لكي يرقص ويغني ويضحك، بينما أشقاؤه الفلسطينيون يُذبحون ويُحرقون في غزّة، إذ اعتبر الفنان العارض أن كلام زميله المعترض إساءة للفن وإهانة له، تمامًا كما يرى جمهور الاستبداد العربي العاجز المتواطئ أن أيّ انتقاد  للعجز والعجزة والتواطؤ والمتواطئين هو إهانة للوطن وخيانة له وإساءة للوحدة العربية التي لم يعُد يفكّر في أن يغلبها أيّ غلّاب، بعد أن ماتت وتحلّلت، وحلّ الاصطفاف مع المشروع الأميركي الصهيوني بديلًا لها.
 
لا أحد يدري والحال كذلك، ماذا يمكن أن يقول الحكام العرب لبعضهم بعضا حين يجتمعون فيما توصف بأنها "قمّة عربية" في الرياض بعد نحو أسبوع، ماذا يمكن أن يفعلوا بعد ستة أسابيع من الإبادة التي تقوم بها واشنطن وإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وبعد أن صار الصهاينة يعلنون فرضية استخدام القنبلة النووية ضد غزّة، لأنهم لا يعتبرون أحدًا فيها مستحقًا للحياة؟ هل يمكن اعتبار هذه قمّة عربية أم سرادق عزاء على بعض خطواتٍ من المسرح ذاته الذي انتفض فيه بيّومي فؤاد دفاعًا عن شرف الفن؟

نقلا عن العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر