ملاحظة من واقع ما اسفرت عنه التطورات الناشئة عن التفاهمات التي تتم مع المليشيات الحوثية بخصوص تشغيل الموانئ التجارية ، سيكون من المهم إضافة فقرة تمنع السلطات المختصة من التدخل بالضغط على التجار وملاك السفن باستخدام هذا الميناء أو ذاك ، وترك ذلك لحرية التجار بناء على المصلحة التجارية ، والمصلحة العامة المترتبة على استخدام أيٍّ من موانئ الجمهورية .
 
لقد رأينا كيف أن الحوثيين أجبروا التجار فور تشغيل ميناء الحديدة على التحول الى هذا الميناء ضاربين عرض الحائط بحرية التجارة ، مستخدمين هذا الضغط كجزء من المعركة ضد ميناء عدن ، وكوسيلة لتشديد المعركة الاقتصادية بتوافق مع إقدامهم على تفجير موانئ تصدير النفط .
 
إن حل أي مشكلة في السياق العام لتهيئة المناخ من أجل السلام يجب أن لا تتحول إلى وسيلة بيد الحوثيين لاستخدامها في معاركها التي لن تتوقف إلا بترشيد الحلول برؤية متوازنة .
 
قد يقول البعض إن المشكلة أكبر من هذه الجزئية التي تتكلم عنها ، أقول نعم هي أكبر ، ولكن الحقيقة هي إن الحوثي لم يكبر ، ولم تكبر معه وبه المشكلة إلا لأنه كان المستفيد الأعظم من هذه الجزئيات التي استصغرناها غير مبالين بحقيقة أن "معظم النار من مستصغر الشرر ".
 
الجزئية الأكثر خطورة التي كبر بها الحوثي ، وكبرت معها المشكلة ، هي أنه بدلاً من الضغط على الحوثي ومطالبته بتنفيذ اتفاق استوكهولم بخصوص ايداع الموارد المالية المتحصلة من الجمارك في حساب حكومي لدفع رواتب الموظفين العموميين ضمن نظام الخدمة المدنية وفضح اختلاسه لها أو انفاقها لمحتسبيه ، رحنا نطالبه بدفع الرواتب مباشرة متجاهلين حقيقة أن مثل هذه المطالبة تكسبه مشروعية تتناقض موضوعياً مع الدستور والقانون باعتباره مغتصب لشرعية الدولة ولا يجوز له التصرف بالمال العام .
 
إن هذه المطالبات ، التي ربما أرادت إحراج الحوثي ودفعه للصدام مع الالاف من الموظفيين العموميين ( خدمة مدنية وعسكرية) لم تحقق غايتها ، وإنما سجلت اعترافاً بمشروعية الانقلاب على الرغم من أن الحوثي لم يستجب لها ، واكتفى بما حققه من مكاسب سياسية بسبب هذا الاعتراف ، على عكس لو أن المطالبات كانت قد أدانته لعدم تنفيذ ما تم التوصل اليه من اتفاق يلزمه بتوريد الموارد المالية فقط دون أن يمنحه ذلك مشروعية دفع الرواتب التي هي من مسئولية الدولة .
 
الجزئية الثالثة التي كبر بها الحوثي ، وكبرت بها المشكلة ، هي أنه بعد ٧ ابريل ٢٠٢٢ أعيد رسم خارطة المواجهة مع الانقلاب الحوثي على قاعدة كل شيء من أجل السلام .
 
وفي " كل شيء " هذه تكمن تفاصيل كثيرة يخشى أن تكون قد تغيرت معها معادلة تحقيق السلام بإنهاء الانقلاب ، إلى تحقيق السلام بشروط الانقلاب .
 
وإذا ما سارت هذا العملية في هذا المسار ، بعد كل ما قُدم للحوثيين من تنازلات ، فلا بد أن يكون السؤال : لماذا حاربنا وقدّم اليمنيون والأشقاء في التحالف كل تلك التضحيات الضخمة ، سؤالاً مبرراً .
 
-فتحت المطارات وأعطي الحوثي حق اصدار الجوازات وهو حق سيادي ، وكان ذلك من أجل السلام .
-فتحت الموانئ وأقدم الحوثي على الزام التجار باستخدام الموانئ التي تقع تحت سيطرته ومعاقبة كل من يستخدم ميناء عدن، وصمت الجميع من أجل السلام .
 
-استمر في نهب موارد البلاد رافضاً الاسهام بدفع رواتب الموظفين العموميين وفقاً لاتفاقات سابقة ، وتم استرضاؤه بوضع بدائل أخرى رفضها جميعاً ، ولا يزال البحث جارياً بما يرضيه ، وذلك من أجل السلام .
-تم تجاهل رفضه تنفيذ التزاماته في الهدنة الأولى والثانية ورفضه الهدنة الثالثة ، من أجل السلام .
 
-صمتُ المبعوثين الأممين عن جرائم الحوثي ورفضه لكل مبادرات السلام في إحاطاتهم لمجلس الأمن ، كان أيضاً من أجل السلام .
-رفضه التفاوض مع الحكومة الشرعية، مستفيداً وموظفاً قنوات التفاوض الأخرى التي أبقته حاضراً بقوة في المشهد ، من أجل السلام.
-هدد بضرب موانئ تصدير النفط والسفن الناقلة للنفط ، وقام بذلك بكل جرأة واستهتار ، وصمت الجميع ازاء هذه الجرائم، من أجل السلام .
 
-وفي حين اخذت الشرعية تطلق مآذن السلم والسلام ، وترتب حالها بايقاعات سلام "لا مفر منه"، كان الحوثي يهدد ويتوعد ويستعرض مليشياته واسلحته ، ويهاجم في أكثر من جبهة ، الأمر الذي نتج عنه حالة من الاسترخاء هنا ، وحالة من التعبئة هناك ، وعبرت الحالتان عن موقفين متضادين : الأولى تبحث عن السلام بأدوات سياسية تم اختبارها في أكثر من تجربة وفشلت ، والثانية : ترى أن التمسك بالحرب خياره الوحيد في حماية نفسه ، وأن مجرد التفكير في السلام إنما يضعضع كيانه الذي لم يتشكل ولن يبقى الا بالحرب وأدواته .
 
 لم يبحث أحد عن فرص السلام في ظل هذه المقاربات المتناقضة سوى أن هناك من وجد أن الطريق الى ذلك لن يتحقق سوى من خلال مواصلة الضغط على الشرعية باستخدام الأدوات السياسية ، وتقديم التنازلات للحوثي للتخلي عن تمسكه بالحرب ، فكبر الحوثي وصغرت فرص السلام .
 
-استقبل الحوثي الوفود في صنعاء في مشهد أخذ يسوقه في مناطق سيطرته وعموم اليمن والعالم بأنه انتصر على "العدوان"، والحقيقة أن تلك الزيارات جاءت في غير أوانها تماماً مثلما هو حال الحديث عن سلام بلا محتوى حقيقي يعكس تضحيات اليمنيين والاشقاء في التحالف في مواجهة الانقلاب ، ومَن وراءه ، وأبعاده الخطيرة على المنطقة .
كل هذا والحوثي يكبر داخل ذاته المتشربة بحقه الالهي في الحكم ، وتكبر معه المشكلة ويتعقد الحل ؛
ثم ...
-اصمتْ كي لا تصنف بأنك ضد السلام .
-اصمتْ حتى لا يتكدر صفو السلام ، وتصفو مشاربه .
-اصمتْ فالبند السابع يحيط بك من كل اتجاه، تاركاً للحوثي مزيداً من الوقت للعبث بهذا البلد .
 
-التناقض الخطير بين الخطاب الذي يحمل مشروع السلام إعلامياً والمتمسك بالمرجعيات الثلاث ، وبين ما يجري على أرض الواقع من استرضاء للحوثي على نحو لا يفهمه إلا بأنه اعتراف بانقلابه ، من خلال سياسة الاسترضاء، والتنازلات التي تقدم له يومياً، وتجعله يتمسك بموقفه من أن السلام لن يكون سوى الاعتراف بانقلابه وأنه لن يقبل بذلك بديلا ، عدا ربما بعض التعديلات التي لا تغير من المعادلة كثيراً ، وهو ما يصبح معه السلام ، فيما لو تم على هذا الاساس ، أشبه بسد درنة الذي بني لحماية المدينة لكنه أغرقها في مياهه وطميه .
ثقتنا عالية أن خيار "الحياة" لهذا البلد العظيم هو الذي سترسو عنده سفينة السلام.

(من صفحة الكاتب)

(من صفحة الكاتب)
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر