شهدت مدينة سيئون، كبرى مدن وادي حضرموت، الجمعة، تجمعاً متواضعاً لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، خُصص في ظاهره لإحياء ذكرى السابع من تموز/ يوليو 1994، وهو اليوم الذي انتهت فيه حرب صيف ذلك العام، وفقد الحزب الاشتراكي اليمني على إثرها نفوذه وسيطرته على الجنوب لحساب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وقواته المدعومة آنذاك من قطاعات جهوية جنوبية مهمة.
 
تعمَّد المجلس الانتقالي إحياء هذه المناسبة في سيئون في ستة مدن أخرى من محافظة حضرموت، ولم يُحيِ ذكرى هذه المناسبة في أي من المناطق الواقعة تحت سيطرته الكاملة في جنوب غرب اليمن، في خطوة راهن من خلالها على اختبار نفوذه وتوجيه رسالة قوية لمجلس حضرموت الوطني الذي تشكل أخيراً، ووضعت السعودية كل ثقلها خلف نجاحه وتمكينه، في تحول أفقد الانتقالي توازنه وأجهض طموحه لاستعادة الدولة الجنوبية المزعومة، وربما كشف بصورة غير مسبوقة عن تناقض حاد وخطير في موقف دولتي التحالف.
 
أقل ما يقال حول الجلبة التي أحدثها تجمع أنصار الانتقالي في محيط قصر الكثيري في مدينة سيئون، أنها تؤذن بإمكانية تطور حالة الاحتقان الراهنة إلى حرب أهلية جنوبية، تتغير معها سردية الصراع من مواجهة مع "قوى الاحتلال اليمني" المزعومة، إلى مواجهة مع شريك جنوبي يمتلك إمكانيات هائلة لفرض النفوذ في محافظة حضرموت وربما في إقليم حضرموت الذي يضم أيضاً محافظتي المهرة وأرخبيل سقطرى، وإن كنت لا أظن مطلقاً أن لدى الانتقالي رصيدا كافيا من التأييد المبدئي الذي قد يتحول إلى مصدر تعزيز معركة أهلية طويلة الأمد على النفوذ.
 
أقول ذلك لأن المجلس الانتقالي مكون جهوي وظيفي اعتمد في وجوده على الدعم المالي والمادي والتسليحي والسياسي المقدم من دولتي التحالف، وخضع في كل القرارات والتحولات لأجندة دولتي التحالف، ويستمد وجوده المعنوي من الخطاب الإعلامي المشحون بالهوية المناطقية التي تتغذى بدورها من الدور الممنوح للذباب الإلكتروني وللغرف الأمنية التي تدربت في الأمن القومي السابق، ومن وقت الفراغ المسائي الذي يملأه جنوبيو الشتات بالصراخ المدوي عن الجنوب الموعود.
 
لقد تحول المجلس الانتقالي اليوم إلى قوة سياسية وعسكرية مشلولة تماماً، وفاقدة للخيارات، على نحو يذكرنا بمعسكر الشرعية الذي وجد نفسه منذ وقت مبكر شريكاً منبوذاً في معركة تمضي قدماً، لا لطرد الحوثيين وإلحاق الهزيمة بهم، بل لإفراغ المناطق المحررة من نفوذ هذا المعسكر، وإغراقه في التحديات والصراعات والانقسامات، إلى درجة فقد معها اليقين بالنهاية المشرفة للمعركة التي يقودها التحالف ويعيد توجيهها على الساحة اليمنية وفقاً لأولوياته المرتهنة بالأساس للمؤثرات الإقليمية والدولية شديدة القوة، في سير هذه المعركة.
 
وعليه، فإن على المجلس الانتقالي الجنوبي أن يدرك بأن مجلس حضرموت الوطني، إن لم يكن قوة على الأرض يمكنها أن تخلق قوة ردع مكافئة للقوة التي وفّرها التحالف للانتقالي طيلة السنوات الماضية، فإنه مؤشر على تحول قد حدث، وأن هذا التحول يسحب حضرموت بقوة من تحت أقدام المجلس الانتقالي التي كانت شبه راسخة على الأقل في ساحل حضرموت، حيث تتوفر القوات وخلية الدعم الإماراتية العسكرية والأمنية في مطار المكلا (الريان).
 
طيلة سنوات الحرب الماضية، بقي جنوب اليمن ساحةً مفتوحةً على تحولات في غاية العبثية، أسوأ ما فيها أنها أفرغت الإنجاز العسكري المتمثل في طرد جماعة الحوثي الانقلابية من مضمونه، إذ شهد موقفُ التحالف تحولاً جوهرياً، من أولوية إقصاء قوى الربيع العربي في اليمن، إلى إعادة إنتاج قوى جديدة، بمحمولات سياسية تتصادم حتى مع التزامات التحالف تجاه الدولة اليمنية، ليبدأ عملية إحياء المشروع الانفصالي الذي كان قد بلغ ذروته في صيف العام 1994 لولا هزيمة الحزب الاشتراكي اليمني، آنذاك، وباشر في إعادة تأهيل الجماعات الحراكية التي كانت قد ارتبطت بقوة بالمشروع الإيراني، وتحالفت مع الانقلابيين في شمال اليمن، فجرى تحييد بعضها، وجرى دمج بعضها في تشكيلٍ عُهد إلى عيدروس الزُّبيدي مهمة تأسيسه وقيادته منذ أيار/ مايو 2017 تحت مسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تحول شيئاً فشيئاً إلى عهدةٍ إماراتية، وحظي كذلك بالتزام إقليمي ثنائي بالدعم العسكري والسياسي.
 
تَتَبَّعَ ثنائيُ التحالف خطوطَ الصدع الجنوبي بدقة متناهية، فأعاد ترميم مركز النفوذ الجهوي ذاته الذي كان سائداً في السلطة الجنوبية المنحلة، إثر إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، على نحو ما يراه الجنوبيون بوضوح من خلال القيادة السياسية والعسكرية للمجلس الانتقالي التي ينتمي معظم عناصرها إلى المثلث الجنوبي الغربي، لتُشكل لوحدها مصدرَ امتعاضٍ واستفزاز، للواقفين على حافة الصدع الجنوبي المقابلة، والتي تكاد تشمل المحافظات الواقعة إلى الشرق من عدن، بدءا من أبين وانتهاء بالمهرة.
 
وما يحدث اليوم هو أن أبناء حضرموت ومعهم أبناء المحافظات التي كنت تشكل جمهورية اليمن الديمقراطية السابقة، متحمسون للانخراط في أي مشروع سياسي يمكن أن يعيد الاعتبار لمكوناتهم الجهوية ويضمن التوازن في لعبة النفوذ التي يجري التحكم بها بشكل كامل من الخارج.
 
وهذا من شأنه أن يبدد في نهاية المطاف المشروع الانفصالي، ويحرر اليمن من عبئه الثقيل، حيث يتم ذلك على يد من دعموه ووضعوا بين يديه كل الإمكانيات وأطّروه باتفاقات باركها المجتمع الدولي، الذي بقي ينظر إلى اتفاق الرياض مثلاً على أنه إجراء من شأنه أن يحفظ الاستقرار في المحافظات الجنوبية ويصرف الجهود لإنجاز عملية التسوية السياسية بين السلطة الشرعية والجماعة المسلحة المنقلبة عليها في شمال البلاد، وصولاً إلى مرحلة استعادة الاستقرار والسلام في اليمن.

*عربي 21

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر