من بين أسوأ النتائج التي أسفرت عنها زيارة السفير السعودي محمد آل جابر إلى صنعاء، أنها أضفت شيئاً من المصداقية على ادعاءات الحوثيين في أحقية حكم اليمن، في خاتمة معركة كانوا فيها في موقع المدافع عنه في مواجهة التدخل الخارجي، في وقت عمدت فيه السعودية والإمارات إلى مصادرة كل الفرص المتاحة أمام القوى المدافعة عن الدولة اليمنية لإلحاق الهزيمة بجماعة الحوثي.
 
وكمحصلة لهذا التحرك السعودي، الذي قوّض عملياً الصلاحيات الدستورية للسلطة الشرعية بهيئتها الجديدة المتمثلة في مجلس القيادة الرئاسي، يجري اليوم التسويق لمعادلة صراع جديدة تتأسس على حيثيات غير واقعية وغير صادقة، وهي أن اليمنيين في شمال البلاد عجزوا عن هزيمة الحوثيين واستعادة صنعاء، رغم الدعم السخي من التحالف، لذا يتعين المضي نحو التسوية مع الوجود الحتمي لهذه الجماعة الانقلابية.
 
وهذا الواقع يقتضي بالضرورة القبول بمطالب الجنوبيين في الانفصال، إذ لا معنى لبقاء الوحدة مع شمال يهمن عليه الحوثيون، لذلك وجب دعم المجلس الانتقالي وتكريس سلطته على الجنوب، وتقويته عسكرياً لمواجهة عدوانٍ محتملٍ من جماعة الحوثي المهيمنة على شمال البلاد.
 
وبالطبع هذه المعادلة مرفوضة جملة وتفصيلاً، إذ ليس هناك أسهل من التحشيد لإلحاق الهزيمة بجماعة الحوثي، وقد كانت هذه الفرصة متاحة منذ بداية تدخل التحالف العربي، ولا تزال متاحة حتى اللحظة. وثمة مبرر قوي لخوض معركة حاسمة تُنهي السطوة السياسية والعسكرية للحوثيين وتعيدهم إلى طاولة المفاوضات، دونما قدرة على إعادة فرض خيار الحرب كما فعلت في صيف 2014.
 
السعودية تحديداً معنية بتأكيد التزامها تجاه وحدة اليمن ودعم السلطة الشرعية في مواجهة القوة المهددة لها من حوثيين وانفصالين، على الأقل بما يتفق مع المبررات التي وُضعت من أجل فرض عملية نقل السلطة من الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي؛ إلى مجلس قيادة رئاسي تتمثل فيه قوى الأمر الواقع التي أنتجها التحالف.
 
فهذا المجلس مهمته الوطنية السهلة تقريبا هي أن يحتوي النزعة الانفصالية المفتعلة، وأن يوحّد القوى العسكرية لخوض النزال الحاسم مع جماعة الحوثي وإجبارها على تسليم صنعاء، والدخول في عملية تسوية تعيد الدولة اليمنية إلى سابق عهدها وتجبر الأطراف السياسية على الدخول في عملية سياسية متكافئة.
 
لكن مجلس القيادة الرئاسي فقدَ حتى صلاحيته كوفد تفاوضي سياسي عالي المستوى مع الانقلابيين، فقد أصبحت هذه المهمة من اختصاص السفير السعودي، وشُلتْ قدرة مجلس القيادة الرئاسي أيضاً على التصرف الجماعي، ولم يعد يعقد اجتماعاته الروتينية، وانحاز اثنان من أعضائه إلى المشروع الانفصالي، ليصبح عدد أعضاء المجلس الذين يسعون إلى تدمير الدولة اليمنية ثلاثة أعضاء هم: عيدروس الزبيدي، وفرج البَحْسَني، عبد الرحمن المحرَّمِي، وثلاثتهم يشكلون القيادة الجماعية للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي بعد ضم العضوين الأخيرين في مجلس القيادة كنائبين لرئيس المجلس الانتقالي.
 
وهذا يعني أن المجلس الانتقالي ماضٍ على ما يبدو في إتمام مهمته المرسومة، كأداة موجهة بيد التحالف، وما أسهل أن يدعي هذا المجلس أنه يحظى بتمثيل واسع لتحقيق مطلب الانفصال، وهو ادعاء إعلامي لا يتفق مع قناعة الناس على الأرض.
 
وفيما يواصل الجيش الوطني مسنوداً بالمقاومة الشعبية، مواجهة جماعة الحوثي عسكرياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً، تتجه الأنظار لحلفاء الجماعة الانقلابية السابقين الذين باتوا جزءا نظرياً من الشرعية، وأعني بهم ورثة الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وهنا يتعين أن نتوقف قليلاً أمام الخيارات المتاحة أمام هذه القوة السياسية والعسكرية التي تعسكر في الساحل الغربي لمحافظة تعز بجنوب البحر الأحمر.
 
فهم وحدهم القادرون على أن يغيروا من نظرة اليمنيين السلبية إلى القوى التي أنتجها التحالف. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هؤلاء مستعدون بالفعل للقبول بصفقة لتميكن جماعة الحوثي في الوقت الذي يتمسكون فيه بقوة بمرجعيتهم الجمهورية؟
 
لأنه في الحقيقة يصعب توقع أن الجماعة الحوثية الانقلابية يمكن أن تذهب إلى شراكة مع أي طرف، ذلك أن ورثة صالح قوة سياسية وعسكرية يصعب هضمها من جانب الحوثيين، خصوصاً إذا اقترنت المسألة بمكاسب سياسية وأمنية أو تحالف قابل للاستدامة يمكن أن يهيمن على المناطق الواقعة تحست سيطرة الحوثيين الحالية.
 
وفي هذه الحالة لن يكون أمام ورثة صالح سوى الاندماج بالمشروع الوطني بدون تحفظات، والقبول بفكرة الذهاب إلى نضال يقوم على مبدأ التضحية قبل أي شيء آخر، على أن يسبقه استعدادٌ لتحمّل فقدان الدعم السخي الذي يحصلون عليه من دولتي التحالف، خصوصاً إذا قررتا بالفعل الذهاب لتسوية تمنح الحوثيين ما لا يستحقونه من مكاسب سياسية وجغرافية تكرّس هيمنتهم المرفوضة على اليمن.
 
وفيما تمضي دولتا التحالف نحو رسم خارطة جديدة لليمن تقر للقوى المهيمنة الحالية سيطرتها على جغرافيا ممزقة ومتصارعة دون مشروعية وطنية أو دولية حاسمة، سيكون بوسع ورثة صالح الاحتفاظ بمكانتهم ووظيفتهم وبالدعم الذي يحصلون عليه، لكن ضمن واقع يهيمن عليه الصراع والدماء.
 
وهنا سيتضح ما إذا كانوا أمراء حرب أم مقاتلين وطنيين، يتعين عليهم الانخراط في مهمة إنقاذ الوطن، عبر بناء جبهة عريضة تتخطى وصاية اللاعبين الإقليميين. ودون ذلك صعوبات، أخطرها قدرتهم بالفعل على الانزياح من المكانة المريحة التي يتمتعون بها اليوم إلى خندق التضحية المفتوحة من أجل استعادة اليمن.

*نقلا عن عربي 21

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر