تدليل المشروع الانفصالي!


علي العمراني

البيان الصحفي الذي صدر من مكتب الرئيس العليمي، وتحدث عن حق تقرير "المكانة السياسية للجنوب *"،  يعد استمراراً في تدليل المشروع الانفصالي والخضوع له والتماهي معه؛ مع أن المشروع الانفصالي حري بالتنديد الحازم والرفض القاطع والمواجهة المستمرة، وليس المداراة والتدليل الذي  يحظى به، وكان يجب أن لا يأتي ذلك البيان وكأنه اعتذار مذل، ويتحدث عن سوء تفسير لتصريحات الرئيس التي لم تقل شيئاً ذي أهمية؛ فيما يخص التمسك بوحدة اليمن والتصدي للمشروع الانفصالي؛ الذي لا يقل خطرا عن الحوثي بل إنه يفوق عليه في المدى المتوسط والبعيد.
 
وقد بدأ تدليل المشروع الانفصالي، منذ مؤتمر الحوار الوطني، وفُتِح الباب للمشروع الانفصالي على مصراعيه، ليقول ويفعل ما يشاء، ونال كل من الحوثيين والانفصاليين نصيبًا وافراً من التدليل والمحاباة في ذلك المؤتمر؛ وكان المسؤولون عن ذلك المؤتمر يظنون حينذاك أنهم أهل دراية وبعد نظر وحكمة، ولكن قد تكون مشكلتهم في النوايا تجاه اليمن الموحد. وكانت نتيجة جهدهم، هي سيطرة الحوثيين على صنعاء وسيطرة الانفصاليين على عدن.
 
وبعيداً الآن، عن نقاش القرارات الخطيرة التي اتخذت في شبوة وسقطرى وحضرموت، وفي السلطة القضائية، وغير ذلك، لصالح الانفصاليين ومشروعهم، فإن تمادى التدليل، أو في الحقيقة؛ الخضوع للانتقالي ومشروعه الانفصالي، يمضي على قدم وساق، حتى أن مجلس الرئاسة أعترض على بيان الإتحاد الأوروبي، الذي ندد بالانتقالي على قدم المساواة مع الحوثي، وعبر عن موقف الإتحاد الأوروبي في دعم وحدة اليمن واستقراره وسلامة أراضيه، وقال مجلس الرئاسة  في بيانه التعقيبي على بيان الإتحاد الأوروبي، حينذاك، إنه يحترم تطلعات "مكونات المجلس" ونفهم إن تطلعات الانتقالي هي الانفصال وتقسيم اليمن.
 
ومثل ذلك التطلع حري بالمواجهة وليس الاحترام، وفق ما صدر في بيان مجلس الرئاسة. ولم يكن الإتحاد الأوروبي مصيباً ومحقاً في كل ما يأتي منه منذ بداية الأزمة اليمنية، أكثر مما ورد في بيانه المشار إليه أعلاه تجاه الحوثي والانتقالي.
 
 وفيما لا تزال بيانات مجلس الأمن ومواقف دول مثل الولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي، تؤكد على وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، فإن القيادات اليمنية، الجديدة، بمختلف مستوياتها، لم تعد تتمسك صراحةً وعلناً، أو تتحدث عن هذا المبدأ الثابت، الخالد، وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه حتى أثناء زيارات المسؤولين اليمنيين للدول الأخرى، أو لقاءاتهم بالأجانب في كل المناسبات. وقد يتحدث المسؤولون اليمنيون، في كل شيء وأي شيء إلا وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه؛ مماهاةَ ومجاراةَ للانتقالي الانفصالي، وخضوعاً وإذعاناً لمن يموله ويتبناه، ويدعم المشروع الانفصالي.
 
وقد يعبر مسؤول أجنبي، مثل وزير الخارجية الأمريكية بلينكن، في لقاء جدة، عن استمرار موقف أمريكا في دعم وحدة اليمن، واستقلاله، فيما أن المسؤول اليمني، لا يقدم حتى الشكر للمسؤول الأمريكي على ذلك الموقف، وللأجانب المتمسكين بوحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، فضلاً عن التعبير عن هذا الموقف الذي لا يفوقه في الأهمية سواه، أو طرحه على الدول الأخرى، خصوصاً ذات العلاقة والأهمية الخاصة لليمن، لتدعمه وتتبناه.
 
وبقدر أن ما يحدث في هذا الصدد، بما في ذلك البيان الأخير لمكتب الرئيس صادم جداً، وخطير جداً، فإني سأحاول أن أكون هادئا، هنا، مع المعنيين في قيادة الدولة (ربما كوني ما زلت حديث عهد بالعمل الدبلوماسي!) وسأتحاشى الان توصيف مثل تلك المواقف الخطيرة، دستوريا وقانونيا ووطنياً؛ بانتظار أن ينفع ويشفع مثل هذا التذكير لمن يعنيه الأمر وتخصه المسؤولية.
 
وحيث لا تقبل أي قيادة في الوطن العربي، أو غيره،  تقسيم وطنها، أو تتبنى موقفاً مائعاً أو خانعاً تجاه ذلك، أو التساهل أو الوعد بما يغري بذلك أو يؤدي إليه، فإن ذلك، أي إعلان التمسك بوحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه،  هو الموقف الطبيعي، المتوقع والصحيح من الدكتور  العليمي تحديدا، ومن كل من لا يتبنى المشروع الانفصالي في مجلس الرئاسة، وفي الحكومة وفي قيادات الأحزاب، الذي صار وما يزال صمتها مخجلاً ومريباً إزاء مخاطر المشروع الانفصالي، وبدا وكأن همها منصبا على حصتها من أي سلطة ولو بلا قيمة وطنية أو معنى أخلاقي. ومن المفارقات، والمهازل التي لا تحدث إلا في اليمن، أن يُمَثَّل الانفصاليون في مجلس الرئاسة أو الحكومة وهم ما يزالون متمسكين بمشروع الانفصال! وقد قلنا بخطر ذلك وخطأه منذ تشكيل الحكومة.
 
 كان الواجب ألا تُقبل مشاركة الانتقالي في الحكومة والرئاسة إلا بعد التخلي عن مشروع الانفصال على نحو واضح وجلي.
 
وفي كل الأحوال لا بد من الصدع بالموقف من وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، من قبل القيادة السياسية، بلا تردد أو لعثمة أو إخفاء، ولا ينتظر منها أو يتوقع منها أو يقبل منها أدنى من ذلك. والملاحظ أن دولا كثيرة بما في ذلك قيادات التحالف العربي، ظلت تؤكد في خطابها، في كل مناسبة، على موقفها الداعم لوحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، ولكنها وقد سكت المسؤولون اليمنيون المعنيون بذلك، صارت هي - أي القيادات العربية- والدول العربية، كثيراً ما تتجاهل الحديث عن هذا الموقف المبدأي الهام جداً. وقد تتحدث دول كثيرة عن موقفها الداعم لوحدة سوريا وليبيا والعراق، وتتجاهل التعبير عن الموقف من وحدة اليمن، وقد لا يُلام أحد من العرب أو الأجانب إذا كان رب البيت بالدف ضارب!
——————————
هامش: * وردت العبارة في وثيقة الحوار الوطني ويكررها أحد السفراء في كتاباته، باعتبارها في مفهومه مناظرة لحق تقرير المصير! ويبدو أنها من بنات أفكاره عندما كان في مؤتمر الحوار.
 

المقال نقلاً من صفحة الكاتب على فيسبوك

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر