يبدو أن رئيس مجلس القيادة الدكتور رشاد العليمي، يواجه صعوبة حقيقية في أن يقوم بدوره كرئيس، فعلي بما يقتضيه ذلك من قدرة على إدارة شؤون الدولة والمناطق المحررة من قصر معاشيق الجمهوري في العاصمة المؤقتة عدن، وتوجيه دفعة القيادة نحو تحقيق أولويات الشعب اليمني الملحة وفي المقدمة منها إنهاء الانقلاب وتحقيق السلام، وانتشال اليمنيين من قعر أسوأ أزمة إنسانية على وجه الأرض. 

  

الأمر بكل بساطة يحال إلى الصعوبات الكثيرة التي زرعتها السعودية والإمارات أمام مجلس القيادة الجديد، وأدت إلى انفراط عقده مبكراً، ليضطر رئيسه إلى مغادرة عدن بطريقة صُمِّمتْ بدقة لكي يبدو خروجه جزءا من مهمة استثنائية في سياق أزمة اقتصادية تقتضي تدخل دول التحالف. 

  

والحقيقة أن الرئيس العليمي، اضطر إلى مغادرة عدن مجبراً وعلى وقع تطورات سيئة أفقدته شخصياً الشعور بالأمان كرئيس، وهو يشاهد المليشيات تُسقط علم الدولة اليمنية في القصر حيث يتواجد، وتسقطه في شبوة إثر قتال تدخل فيه طيران التحالف، لكي تتمكن القوات الانفصالية من السيطرة على المنشآت النفطية وفرض المنطق الجهوي البغيض وتكريس الانفصال، وسط تصفيق المعلقين الإماراتيين والسعوديين وبعض المتخادمين معهم من تركة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبعض اليساريين والقوميين ممن يعتقدون أن الحرب الدائرة في بلدهم لا تزال حتى اليوم عبارة عن مواجهة مستمرة مع الإخوان المسلمين وليس أي شيء آخر. 

  

لم يستطع العليمي أن يثبت للرأي العام أن زيارة "العمل غير الرسمية" كما وصفتها وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) الحكومية، قد أتاحت له فرصة لقاء أحد القادة البارزين في الدولتين، لم يحدث ذلك تقريباً وإلا لما تم الإعلان عن هذا اللقاء. 

  

وها هي الرياض تتحول للأسف ولأمد مفتوح إلى منفى لأحدث رئيس صنع على أعين المملكة، كما انتهى الحال بسلفه الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي خان شعبه وأسلمه لقمةً سائغةً للتحالف وللانقلابيين وللانفصاليين، قبل أن يُجبر على تسليم السلطة في ظروف مهينة، فيما يفقد الدكتور رشاد العليمي، في ظل وضعية المنفى هذه، دوره شيئاً فشيئاً لصالح ترتيبات جديدة، يبدو من ملامحها أن من حملوا السلاح ضد الدولة سيزداد نفوذهم، وستشتد قبضتهم على القرار السيادي تماماً كما يفعل اليوم نائبه عيدروس الزبيدي، وهو أيضاً رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي. 

  

وفي مقابل التعطيل المتعمد لدور مجلس القيادة الرئاسي ورئيسه على وجه التحديد، فإن هناك من يرفع صوته منادياً بعودة الرئيس هادي إلى ممارسة صلاحياته كرئيس شرعي، بعد أن فقد مجلس القيادة الرئاسي الذي فوضه هادي مبررات وجوده. وفي الجانب الآخر هناك حملة مناصرة للرئيس رشاد العليمي ومجلسه؛ يديرها التحالف وتسترشد بقائمة من الإنجازات الوهمية التي حققها هذا المجلس منذ نيسان/ أبريل المنصرم وحتى اليوم. 

  

هذه الحملات المتبادلة، تنبئ بكل تأكيد عن بوادر أزمة إقليمية تنهي الوفاق الظاهري حول مسار الحرب اليمنية ومآلات الحل، ومنشأ هذه الأزمة في تقديري هو شعور بعض دول المنطقة بأن مجلس القيادة الرئاسي قد شكل بالفعل بداية مسار كارثي، سيمضي عبره اليمن نحو وضعية جيوسياسية شديدة التعقيد قد تؤثر على المنطقة برمتها. 

  

وثمة دلائل عديدة على هذا المنحى الكارثي، ومنها أن قبضة قوى الأمر الواقع تتعزز على حساب الوفاق الوطني، ويجري استدعاء الإرهاب بشكل مكشوف لخوض معركة التغيير الجيوسياسي الذي ستتولد معه مخاوف حقيقية خصوصاً لدى دول جوار اليمن، التي ترى دولتي التحالف تُحكمان سيطرتهما على جزء كبير من البلاد، عبر تشكيلات عسكرية لديها قابلية كبيرة للعمل خارج الالتزامات الوطنية، والتماهي مع الخدع التي يصممها التحالف؛ ومنها على سبيل المثال مكافحة الإرهاب والوعود باستعادة الدولة الجنوبية السابقة. 

  

ما من أحد يغيب عنه الدور السيئ والخطير الذي تؤديه السعودية، فيما تحاول أن تختبئ خلف الدور المكشوف لإيران التي تدعم الحوثيين بكل الإمكانيات، وخلف السلوك الجريء والمغامر للإمارات، وهي تدعم مجلساً سياسياً وتشكيلات مسلحة انفصالية تعمل ضد الدولة اليمنية، وتستند إلى عقيدة راسخة بضرورة إعادة فرض الانفصال. 

  

والمفارقة أن اليمنيين يتمتعون بالنضج السياسي والتمييز الاستراتيجي، رغم هذه الصدمة الشديدة التي أحدثتها الحرب والفوضى الملحقة، وبالتحديد الترتيبات العدائية التي عطلت دولتهم وأضعفت سلطتهم الشرعية وقامت بتغييرات جذرية أفقدتها هويتها الوطنية والسياسية. 

السعودية فرضت على الدكتور رشاد العليمي ما فرضته على سلفه من إقامة مفتوحة في الرياض، من أهم أهدافها تحييد دوره الدستوري لحساب قوى الأمر الواقع، وإتاحة الفرصة لأحد نوابه ليمضي في تكريس الانفصال ومأسسته 

  

لقد كانت السعودية غرفة العمليات التي أعطت المخططات الإماراتية بعدها القانوني والدستوري، إذا جاز التعبير، فلقد استفادت كثيراً من وضعيتها كمكب للنفايات السياسية. وأنا هنا أشير إلى كل شخص خان أمانة المسؤولية من أي موقع شغله في الدولة اليمنية، وأولئك الذين تحركهم أطماعهم وأنانيتهم وذهبوا الى الرياض منقادين دون إرادة أو كرامة أو مخرج طوارئ. 

  

لهذا لم تواجه الرياض مشكلة في إعادة تدوير هذه النفايات ضمن أنساق سلطوية أنتجتها الاتفاقات التي أجبرت الأطراف اليمنية المتصارعة على القبول بها، بعد أن وفرت قبلاً كل إمكانيات ومستلزمات الصراعات التي اندلعت طوال السنوات السبع الماضية. 

  

وخلاصة القول إن السعودية فرضت على الدكتور رشاد العليمي ما فرضته على سلفه من إقامة مفتوحة في الرياض، من أهم أهدافها تحييد دوره الدستوري لحساب قوى الأمر الواقع، وإتاحة الفرصة لأحد نوابه ليمضي في تكريس الانفصال ومأسسته، وبهذا تضمن بلوغ أهداف تدمير اليمن دونما حاجة لخوض معركة جديدة تكلفها الكثير في ظل تحولات دولية غير مواتية. 

  

لكنني على يقين بأن المشاكل السعودية ستبدأ منذ اللحظة التي تعتقد معها أنها قد طوت صفحة التهديدات الآتية من اليمن، لأنه ما من ضمانات لاستقرار السعودية والمنطقة عموماً، في زمن الفوضى وانعدام اليقين. 

 

*نقلاً عن عربي21

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر