صنعاء وبذور التشيع 


جمال أنعم

 ثمة امر يكاد يفوت كثيرين وهو أن بذور التشيع بدأت في قلب صنعاء داخل بيئة الأبناء، وانتشرت منها الى همدان، والتى كانت قد دخلت في حلف مع الفرس قبل الأسلام، وهمدان من  القبائل التى واجهت الفرس في البدايات، لكنها مالبثت أن شعرت بالإنهاك، ثم ولتعويض ضعف صلتهم بالسلطة المركزية، لجأ الفرس بقيادة باذان للبحث عن حليف محلي قوي، فكانت همدان..
 
 ويعرف هذا الحلف بحلف الفرس وهمدان، ويرد ضمن الوثائق السياسية اليمنية للقاضي محمد علي الأكوع. ومثّل حاشد وبكيل زعيماها آنذاك، ويذكران بأسميهما في الحلف. وهذا التحالف جعل همدان تقف في مواجهة كل القبائل اليمنية، وكانت معركة "الرزم" من نتائج ذلك الحلف على الأرجح.
 
ولقد دخلت  همدان في مصاهرة مع الأبناء، تجاوزت الشرط الذي وضعه ملك الفرس على "سيف بن ذي يزن"،  بعد الخراج، مقابل دعمه؛ وهو أن يتزوج الفرس من اليمنيين، في حين يمنع تزويج اليمنيين منهم. والثابت أن مصاهرات حدثت بينهم وهمدان فيما بعد، متجاوزة ذلك الشرط..
 
اذ يروي الرازي في كتابه تاريخ صنعاء، أن أحد وجهاء الأبناء- يذكر اسمه في كتابه- خطب ابنته أحد الأبناء، وكان ثريا لكنه لم يكن مرضي السلوك، وتقدم لها شاب فقير من همدان من "آل لعوة"، وقد استشار الأب وهب بن منبه، فأشار عليه بتزويجها الشاب من "آل لعوه" لحكمة ذكرها الرازي (يمكن العودة اليها في الكتاب). وهو ما يدل أنهم كانوا قد دخلوا مع همدان في علاقة مصاهرة حقيقية.
 
وفيما يخص التاثيرات الشيعية، فقد بدأ الأمر أولا بوصول الحرورية، أصحاب حروراء، وهم الروافض. واذا تجاوزنا هذه الحركة الرافضة الى الحضرمي الأعور، وكان أباضيا دخل صنعاء في منتصف القرن الثاني للهجرة وارتكب مجازر. ثم يجيء العنصر الأهم، وهو ارسال ابن طباطبا الجد إبنه ابراهيم العلوي، والذي سمي بالجزار الى صنعاء، والذي وصلها في نهاية القرن الثاني للهجرة، لكنه سرعان ما أُخرج منها..
 
 ونحن اذ نذكر بدايات دخول الرسي الى صعدة المرة الأولى في العام 282، ننسى دخول ابراهيم العلوي الجزار قبل أكثر من 85 سنة من دخوله..
 
ثم تبقى اشارة أراها مهمة، وهي أنك تجد في كتاب الرازي ترجمة لأحد شيوخ الأبناء، يشير اليه على أنه جد أولاد الشيعي. ويقيني أنه جد أبي عبدالله الشيعي، والذي أرسله أبو الحسن منصور بن حوشب، داعيا لأبي عبيد الله المهدي في بلاد المغرب، وهو الذي مهد لقيام الدولة الفاطمية هناك كما نعرف..
 
وأضيف أمرين يكرسان فرضية أن بيئة الأبناء في صنعاء كانت مهاد التشيع، بشقيه العلوي والإسماعيلي. وهي من أسباب انتشارهما وسط همدان، والتى شكلت الحاضنة الأم للفصيلين.
  
وما أود اضافته، هنا، يتعلق أولا بالأمير عبد الله بن قحطان بن يعفر، وهو ابن معاذة بنت علي بن الفضل. فكما هو ثابت أن اسعد بن يعفر، حين دخل المذيخرة في 303 هـ، كان لعلي بن الفضل بنتان، ويقال ثلاث، وولد اسمه "الفأفاء" لعيب في نطقه، خلف والده بعد مقتله، وكانت أكبر بناته معاذة زوّجها أسعد لإبن عمه قحطان، والأخرى لأحد قادته من بعدان..
 
معاذة هذه، ولدت لقحطان الأمير عبدالله، وقد عمر طويلا، وكان حكم آل يعفر، وهم سنة شافعية، قد تراجع في منتصف القرن الرابع للهجرة، لكن عبد الله هذا استعاد الكثير مما كانوا قد فقدوه. فقد استعاد صنعاء، والتى سلمت اليه من بني حاتم حينها، ثم استعاد زبيد وتعز ومخلاف جعفر.
 
والملفت أن عبدالله هذا، منع الخطبة للخليفة العباسي، واقر الخطبة للمعز لدين الله الفاطمي. وفيما يشبه الحنين لميراث جده لأمه علي بن الفضل، قام بحماية الاسماعليين ورعاهم، وقد كانوا دخلوا دائرة الاستتار، بعد عقود من مطاردة ابن عبد الحميد والزيدية والحكام المحليين لهم. وفي عهد عبدالله بن قحطان هذا، شهدوا فترة رخاء عاودوا خلالها الظهور والنشاط.
 
الأمر الأخر، المتعلق بشيوع التشيع في البيئة الصنعانية، بقسميه العلوي والفاطمي، يمكن الاشارة اليه من خلال قرينة هامة للغاية، وهي تحول القائد التركي "بردسار"، والذي خلف اسماعيل بن طغتكين في صنعاء في اواخر القرن السادس، تحوله للإسماعيلية. وقد كانت فترة ولايته على صنعاء من أسوأ الفترات، وعدّوه من اسوأ قادة الإيوبيين عموما.
 
ويؤكد تحوله للاسماعلية في صنعاء، أثناء توليه لها، بقاء بؤرة اسماعلية نشطة في قلب صنعاء، استمرت في الدعوة  بعد انتهاء الدولة الصليحية بموت السيدة في 532 هـ، ثم انتهاء حكم "آل زريع" في الجنوب، ومناطق من الشمال، على يد "توران شاه الأيوبي"، الذي وصل زبيد سنة 569، وشنق عبدالنبي ابن  مهدي، ثم اتجه صوب عدن وسيطرعليها، وواصل جيشه الزحف الى أكثر مناطق اليمن.

- من صفحة الكاتب في الفيسبوك
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر