بالنسبة لجماعة تعشق الحروب، مثل الحوثيين، لم ينته العدوان الإسرائيلي على فلسطين بعد، وحتى لو أن القتال قد توقف فعلاً وعاد الغزّيون إلى ممارسة حياتهم كما تنقل شاشات التلفزة. "لا بد من جولات قادمة تستوجب استمرار حملة التبرعات المالية" في صنعاء وباقي محافظات اليمن، وفقاً لزعيم جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، عبدالملك الحوثي.
 
من حسن الحظ أن الحوثيين لا يسيطرون على أراضٍ لها حدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلا لما صمد قرار وقف إطلاق النار يوماً كاملاً. وبما أن الجغرافيا لا تسمح بذلك، فلا مانع من الاستمرار في حشد التبرعات من سكان مديريات وقرى، تصنفهم الأمم المتحدة بأنهم يعيشون أسوأ أزمة إنسانية في العالم، لجولات قتال علمها عند الغيب.
 
استثمرت الجماعة القضية الفلسطينية منذ سنوات في إيجاد بوصلة وهمية لمعاركها ضد اليمنيين. واستقطبت آلاف المقاتلين تحت لافتة صرخة خمينية تزعم محاربة إسرائيل. وما إن اندلعت الجولة الأخيرة من القتال في فلسطين، حتى بدأت بتوسيع عملية الاتجار بالقضية، بإطلاق حملة تبرعات للمقاومة الفلسطينية، ودغدغة عواطف اليمنيين بالقول إن "كل الخيارات مفتوحة للتعامل مع الاحتلال".
 
يتقن الحوثي الدور، ويمتلك قدرات خارقة في حلب أموال اليمنيين في أي مناسبة، وتحت أي مسمى. وكما ابتكر اسم "أنصار الله" لجماعة ترتكب أبشع الانتهاكات، أطلق على اليمنيين هذه المرة مسمى "شعب الأنصار". وقال إن هذا الشعب "حاضر لاقتسام اللقمة مع الفلسطينيين، وسيؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة". تقف فلسطين في ناصية قلب كل يمني منذ عقود مضت. وخلال الأيام الماضية، خرجت كل المدن تضامناً مع الشعب الفلسطيني. لكن كما كانت توجعهم الضربات الغاشمة التي تستهدف غزة وتحيل منازلها إلى أكوام فوق رؤوس قاطنيها، تزعجهم أيضاً عملية المتاجرة المفضوحة بالقضية الفلسطينية.
 
 استغل الحوثيون عاطفة اليمنيين تجاه الشعب الفلسطيني في تمرير مخططاتهم منذ بدء الحرب. وعملت الجماعة على غسل أدمغة المجتمعات الفقيرة، وأوهمتها بضرورة التحرك لقتال أميركا وإسرائيل داخل الأراضي اليمنية. وحتى أن قادتها، ومنهم محمد البخيتي، لم يجد حرجاً وهو يعلن، أواخر فبراير/شباط الماضي، أنه "لكي يتم تحرير القدس لا بد أولاً من استعادة مأرب"، وأن السعودية تقصفهم بالطائرات لأنهم جعلوا من فلسطين قضيتهم الأولى فقط، فيما ذهبت وسائل إعلام موالية لهم للقول إن تحرير مأرب سيكون مؤلماً لأميركا والسعودية مثل تحرير القدس.
 
وبما أنه تم استغلال اليمنيين طيلة السنوات الماضية كوقود لمعركة وهمية، فكيف سيثق الناس بجماعة لجأت هذه المرة لنهب أموالهم وممتلكاتهم تحت مسمى "حملة القدس أقرب". وخلال أيام، حصدت الحملة عشرات الملايين وفقاً لوسائل إعلام تابعة للجماعة. نزل الحوثيون لجمع التبرعات من مديريات الحديدة التي يعاني سكانها من مجاعة مزمنة، ومن لا يملك المال طلبوا منهم قطعة أرض قالوا إنهم سيقومون ببيعها لصالح المقاومة الفلسطينية، كما حصل مع مشايخ بني الحارث. أما وزارة الخدمة المدنية وهيئاتها، التي تدفع لموظفي الدولة نصف راتب كل 6 أشهر، فقد تبرعت بـ55 ألف دولار. سيقدّم اليمنيون أموالهم وممتلكاتهم بنية الوصول إلى فلسطين، رغم أن من ابتكر "حملة القدس أقرب"، يسير على ذات خطى من أسس مليشيات تحت مسمى "فيلق القدس"، تقاتل في سورية واليمن، ولا تعرف القدس.
 

*نقلا عن صحيفة العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر