المقاومة بأضعف الإيمان


سعدية مفرح

 ماذا نفعل؟ ما الذي يمكننا القيام به، نحن الأفراد، غير الدعاء، ونحن نراقب ما يحدث في القدس وفي غزة وفي كل المدن الفلسطينية تقريبا؟ كيف يمكننا المساهمة معهم في الدفاع عن فلسطين ومقاومة المحتل الصهيوني؟ كان هذا السؤال الأشهر في منصّات التواصل الاجتماعي عبر حسابات كل العرب تقريبا، في ظل شعور الجميع بالعجز تجاه ما يرونه أمامهم على الشاشات، وهو شعور ناتج عن حالة الحرمان من المساهمة في اتخاذ أي قرار حكومي أو رسمي، خارجي أو داخلي، فيشعر بها معظم المواطنين العرب في معظم الدول العربية للأسف.
 
والحالة حقيقية، وليست وهما، لكن الانغماس بها لن يؤدّي إلى مزيد من العجز والخذلان تجاه قضية فلسطين، وغيرها من القضايا المستحقة، والتي تتطلب المساهمة الشعبية من الجميع. ولهذا، علينا دائما التفكير في حلول سريعة وصغيرة في وسط الممكن المتاح لنا، كل وظروفه في البيئة التي يتحرّك فيها ومن خلالها.
 
في الكويت على سبيل المثال، رصدت خلال هذا الأسبوع فقط مبادرات صغيرة في شكلها، كبيرة في معناها، وفي ما يمكن أن تؤثر فيه على المديين القريب والبعيد، بالإضافة إلى الوسائل التقليدية من الوقفات والاعتصامات والتظاهرات. أحاول هنا أن أسرد بعضها، باعتبارها نموذجا لما يمكن أن يبادر إليه أي مواطن غارق في أسى الشعور بالعجز، حتى لا يتآكل تحت وطأة هذا الشعور أولا، وحتى تكون مثل تلك المبادرات الصغيرة مفتاحه إلى ما يمكن أن يفكر فيه دائما، فإدامة التفكير في أي قضية من القضايا لا بد أنه سيحيل إلى ابتكار حلول مناسبة لها، أو على الأقل تؤدّي إلى تعزيزها، حتى لا تموت أو تتضاءل نتيجة الصدّ عنها ولو مؤقتا.
 
 
ومن تلك الأفكار التي أصبح الجميع تقريبا يتسابقون في ابتكارها للتضامن مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، على سبيل المساهمة في تعزيز روح المقاومة المشتركة ولو بأضعف الإيمان، معلمة وضعت كل أسئلة امتحان طالباتها في مادة اللغة العربية من وحي ما يجري في فلسطين، حتى تحولت ورقة الامتحان التي نشرتها لاحقا على حسابها في "تويتر" درسا مكثفا وسريعا تلقته الطالبات بروح التحدّي والرغبة في النجاح بكل شيءٍ يتعلق بحي الشيخ جرّاح ومقاومة غزة.
 
معلمة أخرى أعلنت أنها خصّصت دقيقة واحدة في بداية كل حصة دراسية من حصصها لتحدّث طالباتها فيها عن فلسطين ومدنها وقراها وأقصاها. معلمة ثالثة اقترحت على أمهات تلميذاتها الصغيرات أن تكون حكايات ما قبل النوم مستمدّة من التراث الفلسطيني وحكاياته وأغنياته الشعبية. مجموعة من الشبان والشابات بادرت إلى توزيع قناني المياه الباردة يوميا على عابري السبيل والعمال في شوارع الكويت الساخنة، سبيلا على روح شهداء فلسطين، بعدما ألصقت على تلك القناني معلومات متعلقة بأولئك الشهداء رحمهم الله. درّاجات نارية مخصّصة لتوصيل طلبات المطاعم شوهدت في شوارع الكويت، وقد ألصق أصحابها على صناديق الطعام الملحقة بها صورا للأقصى، مع عبارة "القدس لنا".
 
شبان شوهدوا وهم يؤدّون صلاة عيد الفطر معتمرين الكوفية الفلسطينية في مشهدٍ لافت كانوا قد دعوا إليه في حساباتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فنان مسرحي صور لافتةً كان قد وضعها للتو في مدخل الحي الذي يسكنه مكتوب عليها "حي الشيخ جرّاح". مواطنون وضعوا على أبواب بيوتهم لوحاتٍ صغيرة تحمل كل منها اسم صاحب المنزل وعدد الكيلومترات التي تمثل المسافة ما بين ذلك المنزل في الكويت والمسجد الأقصى في القدس. آخرون ثبتوا لافتاتٍ في الشوارع، مكتوب عليها: "علموا أولادكم أن فلسطين محتلة، وأن المسجد الأقصى أسير، وأن الكيان الصهيوني عدو، وأن المقاومة شرف، وأنه لا توجد دولة اسمها إسرائيل، وأن التطبيع خيانة.."..
 
رصدت تلك المبادرات في الكويت خلال أسبوع فقط، وهي وإن بدت صغيرة ورمزية، إلا أنها جيدة على سبيل إبقاء القضية في حيز الوجدان الكويتي دائما، ولو من باب أضعف الإيمان.
 
 
*نقلا عن صحيفة العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر