انهيار هدنة كورونا


زكريا الكمالي

كل شيء يغلي في اليمن، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. حتى يبدو أن الهدنة الأحادية التي أبرمها فيروس كورونا مع اليمنيين خلال العام الماضي، قد انهارت، وبدأ الوباء يمارس مهماته في تأجيج الوضع وخلط الأوراق، كما تفعل باقي الفيروسات المتكاثرة داخل البلد الموبوء. في العام الماضي، توقعت المنظمات الدولية إصابة مليون يمني، غير أن عدد الإصابات المعلنة بلغ نحو ألفي إصابة فقط. عجز الأطباء ومراكز الأبحاث بداية عن تفسير قلة عدد الإصابات، على الرغم من عدم التزام الناس بأي إجراء احترازي، ولم يعترفوا بالوباء أصلاً.
 
وعلى الرغم من كل التفسيرات التي رجحت أن الشعب اليمني الذي يعشق الزحام قد اكتسب مناعة القطيع، إلا أن الأمر تبدل أخيراً، إذ سُجّلت أكثر من ألف إصابة في عدن في الأيام الـ20 الأخيرة، وفقاً لوزارة الصحة. كما أخذت أرقام الوفيات والإصابات تتصاعد بشكل مقلق. وفي بلد نفدت فيه أسطوانات الأوكسجين وأجهزة التنفس الصناعي وتجاوزت مراكز العزل طاقتها الاستيعابية، إثر بلوغ المعدل اليومي المائة إصابة يومياً، فمن المتوقع حدوث كارثة حقيقية، خصوصا مع حلول شهر رمضان (يبدأ في الأسبوع الثاني من شهر إبريل/نيسان المقبل).
 
وقد فتك الفيروس بوزير النقل في حكومة الحوثيين زكريا الشامي، يوم الأحد الماضي، فيما يقبع والده، العسكري البارز في الجماعة، يحيى الشامي في غرفة العناية المركزة، أما رئيس هذه الحكومة، غير المعترف بها دولياً، عبد العزيز بن حبتور، فلا يزال تحت رحمة الوباء، مصاباً منذ أسابيع.
 
 
ويشير ذلك إلى عجز اليمنيين عن مواجهة كوارث مختلفة في وقت واحد، بل على أطراف النزاع أن تخلّص الناس من إحدى مصيبتين: الحرب أو الوباء. وإن عودة الفيروس فرصة موآتية لأطراف النزاع من أجل وقف الحرب، ولا بد من التقاط الفرصة، لو أن حس المسؤولية لا يزال حاضراً لديهم. سيُنهك الفيروس الشعب اقتصادياً وصحياً، ويتسلل إلى معتقلات وسجون تكتظ بآلاف اليمنيين الأبرياء، ولا بد من إنقاذهم قبل أن تحلّ الكارثة، وتوحيد الجهود لمواجهة الفيروس، مادياً وصحياً.
 
ولا يتعلق الأمر بمبادرة أممية أو تقمص لدور المبعوث مارتن غريفيث، بل يمكن القول إنه الوقت المناسب لاكتشاف قيمة البشر لدى أطراف النزاع، وإطلاق المبادرات الإيجابية. بالتالي سيكون من المناسب أن تقوم السعودية بعكس وجهة مبلغ الـ20 مليون دولار، الذي رصدته سابقاً لقتل القيادي الحوثي، زكريا الشامي، لصالح مواجهة كورونا في اليمن، وأن تقوم إيران بتهريب شحنة أجهزة تنفس صناعي عظيمة المدى بدلاً عن صواريخ "قدس 2" و"ذو الفقار"، وأن تقصف جماعة الحوثيين مدينة تعز بوابل من الكمامات العشوائية، ولا يهم هذه المرة إن سقطت في حي سكني أو فناء حرم جامعي.
 
سيكون ملائماً أيضاً، أن تسخّر الحكومة الشرعية جزءا بسيطا من أرباح الفساد الفاحش، لشراء كمية لقاحات، خصوصاً أنها مهددة أكثر من الشعب، وقصرها العريق في عدن، بات مستباحاً لكافة شرائح المجتمع، فكيف سيصنع مع فيروس فتاك، تمكن من اقتحام أسوار البيت الأبيض، ولن تشكل له قلعة اسمها "معاشيق" أي تحدٍ يذكر.
 
 
*نقلا عن "العربي الجديد"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر