الرقعة السامة


مروان الغفوري

استطاع الحوثي، القادم من الجبال، اختراق المجال السياسي في صنعاء وتفكيك منظومة عمله. كما استطاع، من خلال تكتيكات بسيطة، إشعال الصراع بين الأحزاب والنخب. وقبل اقتحامه العاصمة كانت مدينة اليمنيين قد غرقت في صراع الكل ضد الكل.
 
وكنمر يعرف ما يريد فقد مكث في مكانه وخرجوا إليه فرادى في الظلام، عرضوا عليه تبادل المنفعة، أن يغضوا الطرف عنه لقاء أن يبطش بخصومهم. آنذاك كتب المتحررون من عقدتي الثأر والغنيمة محذرين. غير أن النمر مضى في طريقه ثم أخرجهم، جميعهم، من ديارهم وممتلكاتهم وشردهم في الأرض.
 
ها هو يمشي في صنعاء منتصرا، لا سبيل لهزيمته. لقد انتصر الفاشي وكسب معاركه كلها، وذهبت النخب الهاربة والمهزومة لتكمل صراعاتها وتفرغ عقدها في مدن أخرى، مثل عدن وتعز ومأرب. ستتقاتل هناك، وسيحاول كل عنصر في تلك المنظومة ركوب ظهر نمر جديد إلى أن يجيء الحوثي ويشردهم مرة أخرى. لا يستحقون تلك الجمهورية، فهم يريدونها على مقاس عقدهم النفسية والتاريخية.
 
وأنا أتأمل ما يكتب ويقال حول مقتل الحمادي يتخايل لي أن عبد الملك الحوثي هو الحاكم الأنسب لهذه الفجوة الزمنية.
 
الجمهورية التي يتحدثون عنها مجرد واحدة من التمظهرات الزائفة لفكرة خيرة لم نعرف الطريق إليها قط، ولدى الحوثي في صنعاء نسخة منها ليست بأسوأ من جمهورية الأحزاب ولا من دولة الجنوب. فلول الأوتوقراطية المؤتمرية، كليبتوكراسي الجنوب، الفاشية الدينية الإصلاحية، الفاشية التشا?يزية الاشتراكية، السلفية الناصرية الأرثوذكسية، وعشرات آلاف المنظمات والمدومنين والدوشجيين ممن وزعوا أنفسهم أفقيا فوق تلك الرقعة السامة..
 
كل هذا يجعلنا نعتقد أن انتصار الحوثي سيدخل طور الاستقرار، وإذا حالفهم الحظ فسيقبل سلاما يضع هو شروطه وحدوده وعلاقاته الرياضية التكوينية. حملوا حقائبهم وذهبوا ليكملوا الصراع قي تعز، وإلى الحقل جلبوا كل شيء بما في ذلك فرق الاغتيالات والكمائن والتنظيمات السلفية المسلحة وخلايا أبو ظبي السامة.
 
كان عدنان الحمادي مقاتلا مفردا، جمهوريا مهزوما وشجاعا. أذابوه في كسارة الصراع، وأقنعوه بصداقة خطرة مع جهات مستعدة لنحر أصدقائها لإرباك خصومها. لا يوجد في هذه البلدة من يستحق الاحترام، وعليه فإن الأمل في جمهورية تخص الناس أصبح ضربا من الوهم المر.
 
 وفي المهجر يعيش رئيس الجمهورية في زي مهرب نفط بائس، لن يعود إلى بلده وسينفق في حارة حجازية في ليلة مقمرة، كما تنفق طيور المحيط. وفي الأسفل، على المستوى الشعبي وعند القاع الاجتماعي، يتمنى الناس لو أن الجزء الذي لقي حتفه من اللصوص والمجرمين كان لا يزال على قيد الحياة. إنها مغارة على شكل هايدرا بألف رأس، ومن تلك الهايدرا المذهلة يصعب بناء قرية واحدة آمنة ناهيك عن جمهورية عادلة.
 
لنواصل حفلتنا القديمة، ولنرقص في ذلك الممر الطويل المعتم، كما لو أن الحكايات التي نسمعها الآن لم يحدث أن سمعناها من قبل ألف مرة، وكما لو أننا وصلنا للتو، بلا ماض ولا أمثلة. تباركت عقدنا النفسية، فهي نصيبنا من هذه الدنيا.
 

*من صفحة الكاتب على فيسبوك "العنوان اجتهاد المحرر"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر