الرئيس هادي والسبع العجاف


ياسين التميمي

سبعة أعوام مضت على انتخاب الرئيس عبد ربه منصور هادي، رئيساً توافقياً لليمن، في استفتاء لم يكن هذا الرئيس يمثل فيه شيئاً جوهرياً، سوى أن وجوده شكل فاصلاً تاريخياً قسرياً بين حقبة صالح السيئة، وبين المستقبل الذي يقاتل اليمنيون حتى اليوم في معركة طاحنة وكارثية، من أجل بلوغ ذلك المستقبل، تحت القيادة الرخوة لهذا الرئيس.
 
ففي 21 شباط/ فبراير 2012، انتخب أكثر من ستة ملايين يمني الرئيس هادي رئيساً انتقالياً، ولم يكن ينافسه في هذه الانتخابات (الاستفتاء)، أحدٌ من المرشحين، ليحظى بأعلى نسبة تصويت من بين رؤساء اليمن جميعاً.
 
والسر في ذلك، أن الجميع كان يريد ان يؤكد لصالح أن الإطاحة به من السلطة لم تكن فقط أحد مطالب ثورة 11 شباط/ فبراير2011 الشبابية الشعبية السلمية، بل أيضاً مطلباً وطنياً ورغبة ملحةً في طي صفحة الماضي المليء بالصعوبات والتحديات، ورغبة في الانتقال نحو واقع جديد أكثر استقراراً وازدهاراً.
 
 
ومن بين تحديات وعوامل عديدة ساهمت في صياغة السبع السنوات العجاف التي مضت من حكم الرئيس هادي، يبقى هذا الرئيس أحد أهم الأسباب التي ساهمت في انتكاسة البلاد مجدداً، وعودتها إلى حرب أهلية لطالما تباهى هو نفسه في أنه استطاع انقاذ البلاد منها، معيداً إلى الأذهان المواجهات المسلحة التي شهدتها صنعاء خلال العام 2011 والانقسام الحاد الذي شطر المدينة إلى منطقتي نفوذ عسكريتين بين صالح ومعارضيه.
 
كنت أحد المراقبين السياسيين السذج، الذين ظلوا يستبعدون فكرة تورط رئيس جنوبي أعزل مثل هادي، يحكم البلاد من عاصمة محاطة ملغمة بالمنافسين ومحاطة بالمتربصين من ذوي الإمكانيات المادية والعسكرية الهائلة، في استدعاء الحوثيين إلى صنعاء ضمن مهمة قُصد منها تصفية مراكز النفوذ القبلية والحزبية التي انحازت لثورة شباط/ فبراير، وشكلت أحد عواملها الأساسية.
 
فما من رئيس يمكن له أن يستدعي عصابة مسلحة طائفية إلى العاصمة لتلتقي بظهيرها الذي يمثله نظام صالح ودولته العميقة، دون أن يمسك بيديه الضمانات السياسية والعسكرية والأمنية والأخلاقية الكافية، التي تجعل منصبه الأهم في البلاد محصناً من التهديدات، وموقعه الرئاسي في مستوى من النفوذ لا يمكن تقويضه.
 
فقد كان أعلم من غيره بأن صنعاء ملغمة بأعداء أقوياء للغاية يتقدمهم صالح وكتائب جيدة التدريب من الجيش المناطقي الموالي له، والذي تتولى شخصياتٌ مواليةٌ للحوثيين قيادة معظم ألويته وكتائبه.
 
لم تكن الوعود السعودية والإماراتية لتشكل ضمانات كافية لبقائه في السلطة في مهمة رئاسية تاريخية؛ تهدف إلى الانتقال بالبلاد إلى مرحلة الاستقرار والشرعية الديمقراطية، مقابل أن يسمح بتصفية ربيع اليمن ومنتجه السياسي الأهم، وهي السلطة الانتقالية التي شكل الرئيس عمود الرحى فيها.
 
لقد تواطأ هذا الرئيس ضد نفسه وفرط بكل شيء، وخذل مؤيديه المخلصين، وخيب آمال الملايين من الذين انتخبوه. فعل كل ذلك بإرادة شخصية كاملة، جعلته يتخلى عن اللحظة التاريخية التي توفرت له خصوصاً عندما خرجت صنعاء عن بكرة أبيها في مسيرة لم يشهد اليمن مثيلاً لها من قبل، عُرفت بمسيرة الاصطفاف الوطني في 24 آب/ أغسطس 2014، مطالبة الرئيس بإيقاف تقدم الحوثيين باتجاه صنعاء وتقويض السلطة الانتقالية.
 
لم يكن هادي في الواقع يفتقد إلى القوة العسكرية التي تستطيع حفظ التوازن في مدينة هشة كصنعاء، فالثوار الذين أسقطوا صالح كانوا يستطيعون الادعاء بأن لديهم قوة عسكرية نظامية تستطيع حماية ثورتهم في وجه التحديات الخطيرة التي تتهددها، لكن الرئيس فرط في هذه القوات وتآمر عليها وشتت شملها وأفرغ مخازنها من الأسلحة، وعيّن قادة مناطقيين موالين لصالح والحوثيين على رأس أكثر وحداتها تأثيراً، ووفر كافة الظروف التي جعلت من دخول صنعاء الصعب المنال، مسرحيةً استعراضيةً مريحة.
 
في صيف العام 1994، شهد اليمن حرباً أهلية انتصر فيها علي عبد الله صالح الشمالي، على قادة الحزب الاشتراكي اليمني الجنوبيين، بعد ثلاثة أعوام ونصف على تحقيق الوحدة اليمنية في 22 أيار/ مايو 1990، نتجت عنها ما بات يعرف بـ"القضية الجنوبية"، علماً بأن تلك الحرب كانت في إحدى تجلياتها فصلاً من فصول الصراع الجنوبي-الجنوبي.
 
فقد كان عبد ربه منصور هادي أحد القادة العسكريين الذين قذفت بهم حرب 13 كانون الثاني/ يناير 1986 الأهلية إلى شمال الوطن، وهي الحرب التي كان مسرحها الأهم مدينة عدن، وتسببت في مقتل أكثر من عشرين ألف إنسان.
 
وبعد أحد عشر عاماً من تلك الحرب، انخرط هادي ومعه المئات من القوات النازحة إلى الشمال، وقاتلوا جميعاً تحت قيادة صالح للوصول إلى عدن بهدف تصفية ثأر قديم مع شركاء الوطن الجنوبي الجهويين، ومعظمهم من ينتمون إلى منطقتي الضالع ويافع، من الذين استحوذوا على السلطة بعدن في أعقاب تلك الحرب الأهلية، وهم أنفسهم من تعيد الإمارات اليوم توظفيهم في مخطط الاستحواذ والهيمنة على الجنوب، إذ يشكلون معظم الألوية التي تتشكل منها الأحزمة الأمنية والجيش والشرطة والأجهزة الأمنية المختلفة.
 
شكل هادي وقواته التي ينتمي معظمها إلى محافظتي أبين وشبوة، إذاً، رأس حربة في الجيش الذي اقتحم مدينة عدن ودخل منتصراً في السابع من شهر تموز/ يوليو 1994، وتم خلالها ترقية هادي إلى منصب وزير الدفاع، ولم يمض وقتٌ طويلٌ بعد انتهاء الحرب التي استمرت 70 يوماً حتى عينه صالح نائباً له، حيث شكل هذا التعيين في نظر القوى المهيمنة على القرار السياسي، نوع من الركل إلى الأمام، ليصل هادي وعبر طريق مختصر جداً إلى موقع الرئاسة، ويصبح ثاني أكثر الرؤساء اليمنيين سوءا بعد ولي نعمته علي عبد الله صالح.
 
ثمة قاسم مشترك يجمع الرئيس هادي بالحوثيين، فكلاهما وصل إلى سدة الحكم في صنعاء، نتيجة ظروف مواتية ساهم الجميع في توفيرها، وكل له هدفه ومراميه، لكن الفرق بينهما، أن الحوثيين لم يفرطوا في الفرصة التي أتيحت لهم، فقد عملوا سريعاً على تحقيق كامل أهدافهم بمن فيها الاستحواذ على صنعاء والدولة والجغرافيا والإمكانيات، والاتصال الاستراتيجي بالحليف الإيراني الوثيق، في حين أن هادي فرط في الفرصة الثمينة التي كان بالإمكان أن تكرسه كأهم وأكثر الرؤساء تأثيراً في صياغة مجد اليمن الحديث، وحفظ كيان الدولة، وشغل المكانة اللائقة في تاريخ هذا البلد والإنسانية.
 
لكن حقده المفرط على الأشخاص والمناطق، غذت دوره المتواطئ، ليصل به الحال حد تسليم صنعاء للحوثيين والادعاء بأنها لم تسقط، فدفع بسبب ذلك ثمناً شخصياً باهضاً، فكان الهروب المهين ومتعدد المسارات أهم محطاته الرئاسية، حتى أن الهروب تحول إلى نهج أصيل في أدائه المحبط والكارثي.
 
فهذا الرئيس، يقبع اليوم في الرياض بلا صلاحيات رئاسية فعلية، وتحول في وضعيته هذه (إن جاز التشبيه) إلى ما يشبه ظل الخيال لأضعف وآخر الخلفاء العباسيين، الذين كانوا ضمن المقتنيات التي تسلمها السلطان العثماني سليم الأول من آخر سلاطين الدولة المملوكية، لينال لقب الخليفة ويدشن مرحلة الخلافة العثمانية.
 

*عربي 21

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر