ثمة تطور خطير يتنامى؛ مهدداً المسار الحالي للمعركة الدائرة في اليمن بتغيرات قد تبدو مؤثرة وخطيرة خلال المرحلة المقبلة. هذا التطور ينعكس في شكل تنامي مضطرد للمواقف المناوئة للحرب من قبل دول كانت إلى الأمس القريب؛ رديفاً كاملاً للتحالف في مواقفه السياسية والعسكرية، من منطلق حرصها على أن ما يجري هو إعادة تصويب للأوضاع الخاطئة، وإنهاء المهددات التي اعترضت مسيرة الانتقال السياسي في هذا البلد.
 
فقد بدأ الإعلام الإماراتي والسعودي يلفت النظر إلى ما يعتبره تحولاً في الخطاب الإعلامي في دولة مثل ماليزيا. وكالعادة، يستمر هذا الإعلام ومن يحدد أهدافه السياسية؛ في ارتكاب الحماقات ذاتها، عبر كيل الاتهامات للحكومة الحالية في ماليزيا، ونعتها بأنها جزء من "الإسلام السياسي" ومحسوبة بشكل خاص على "الإخوان المسلمين".
 
كادت ماليزيا أن تسقط بشكل نهائي في براثن الفوضى والفساد، في ظل الحكومة السابقة التي طورت علاقاتها مع كل من السعودية والإمارات إلى مستوى الشريك التابع، حيث سهّل رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق لهاتين الدولتين مهمة تقويض التجربة السياسية الناجحة لبلاده، وربطها بالمشروع الدكتاتوري منعدم الهوية الذي تكرسه الرياض وأبو ظبي ومن لف لفهما؛ في سياق المواجهة المحتدمة مع القوى الديمقراطية المسنودة من تيار التغيير الواسع الذي ضرب المنطقة، وبلغ ذروته إبان ثورات الربيع العربي.
 
ليست ماليزيا وحدها من بين دول التعافي الإسلامي من تعرضت لآثار السياسات الهدامة لحلف الفوضى والخراب، بل إن دولة أخرى مهمة مثل تركيا واجهت من جانب هذا الحلف قدراً لا يحتمل من المؤامرات والدسائس والاستهداف المباشر؛ كالذي تجلى في تنفيذ عملية قتل سياسي متوحشة لمعارض سعودي مسالم ومسؤول، هو الكاتب البارز جمال خاشقجي، بقنصلية السعودية في مدينة إسطنبول.
 
لم يسبق لأي بلد أن اضطر إلى ممارسة هذا القدر من سياسة ضبط النفس كما فعلت وتفعل تركيا اليوم؛ من أجل حماية ما تبقى من الوحدة الإسلامية الهشة، ولتجنيب المنطقة الوقوع في براثن الصراع العبثي في ظل التهديدات عالية الخطورة التي تتعرض لها على خلفية الصفقات الكبرى التي تهدد المصالح الحيوية للأمة، وتفرط بالحقوق الأصيلة والثوابت المحترمة للأمة.
 
لن أتوقف عند الحصار المفروض على قطر منذ الخامس من شهر حزيران/ يونيو 2017، في الوقت الذي كان فيه الجيش القطري يشارك في الدفاع عن الحد الجنوبي للمملكة، بل سأنتقل إلى التوتر غير المسبوق الذي يسود العلاقات بين الرياض والرباط، والذي تجلى في بعض أسوأ صوره في خذلان المغرب والتصويت ضد مشروعه لاستضافة كأس العام للعام 2026، وفي الانسحاب غير المعلن للمغرب من المشاركة العسكرية في معارك التحالف في اليمن.
 
يأتي ذلك فيما تتواتر المؤشرات على إمكانية مواجهة سياسية وإعلامية علنية بين الرياض والكويت، والرياض ومسقط.. وهذه الأخيرة بدأت ملامحها بالظهور عبر الاتهامات التي يكيلها هذا الحلف لسلطنة عمان بالوقوف خلف التحركات الشعبية الرافضة للوجود العسكري السعودي في محافظة المهرة، المجاورة للسلطنة، وتعمد منع وصول المساعدات العمانية الإنسانية لمتضرري إعصار "لبان" الذي ضرب محافظة المهرة وأجزاء من المنطقة الشرقية للسلطنة، في 16 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
 
حتى هذه اللحظة، لا تزال هذه الدول تتبنى مواقف منضبطة حيال المهمة العسكرية لتحالف الرياض- أبو ظبي في اليمن رغم كلفتها الإنسانية العالية، ورغم الاستبداد الذي يمارسه التحالف ضد اليمنيين، ورغم الخطط المكشوفة للنيل من الدولة اليمنية، والتآمر الفاضح ضد وحدتها الترابية.
 
لكن قد لا يستمر ذلك طويلاً، خصوصاً وأن الخطاب الإعلامي والسياسي السعودي والإماراتي لا يزال يتورط في الإساءة إلى هذه الدول والنيل منها، ومواصلة الربط العبثي بين بعضها وبين تيار الإسلام السياسي، في محاولة مكشوفة للإبقاء على رابط المصلحة المشتركة مع الكيان الصهيوني والغرب، الذي لايزال يعتبر نفسه في حالة مواجهة مستمرة مع ما يسميه "الإرهاب الإسلامي".
 
الانقلابيون الحوثيون يستفيدون كثيراً من هذه السياسات الحمقاء. فالعالم، وليس فقط الدول التي ذكرناها، حينما يوجه انتقاداته لاستمرار الحرب في اليمن، فإنه سيحتسب الحوثيين تلقائياً الطرف الذي يقف في الجانب الآخر من الصراع مدافعاً عن اليمن المظلوم، في مواجهة الآلة العسكرية السعودية والإماراتية التي تحارب دون هدف واضح ومحدد.
 
إنني أرى دائرة استهجان الحرب تتسع لتشمل دول صديقة ومخلصة، فيما هذا التحالف يواصل سياسياته الغاشمة في الساحة اليمنية الملتهبة والمنهكة، ويكرس نفسه حليفاً غير موثوق من قبل الطيف الواسع من اليمنيين الذين باركوا تدخله في بادئ الأمر، قبل أن يتبينوا أنهم أمام آلة غاشمة تستهدفهم، ولا تختلف كثيراً عن الطغمة الانقلابية من مواطنيهم.
 
لقد بات التحالف السعودي الإماراتي مجرداً من الغطاء الشعبي والرسمي كذلك، لذا فإنه يعتمد في تكريس وجوده على عاملين أساسيين هما: الاستخدام المفرط للقوة ضد الجميع، والتحكم الصارم بالمال.
 
وفيما يستمر في تبني استراتجية حرب عبثية، ويمضي في سياسة تخليق الكيانات المسلحة والمتصارعة، وتبني الأجندات الهدامة مثل الانفصال، يواصل هذا التحالف أيضاً ممارسة الابتزاز المالي لليمنيين والتأثير السلبي على اقتصادهم الضعيف ومعيشتهم؛ عبر تورطه بشكل مباشر في إضعاف العملية الوطنية (الريال) امام العملات الأجنبية، وبقاء حالة عدم اليقين هي سيدة الموقف بشأن وضع الريال، رغم التعافي الملحوظ في قيمة الريال.
 

*عربي 21

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر