التراب الوطني أمر شرف


محمود ياسين

خجل الآن من لحظة يأسي البارحة خجل مما ظننته واقعية من نوع ما، وأنا أقول أمس: لا يسعنا الآن فعل شيء مع الإمارات، وأن سقطرى ستظل في قبضتهم لعقدين أو أكثر.
 
المحب ليس واقعيا، وليس من حقه اليأس، ولا استقراء موازين القوة، قوته هي ما يعتمل داخله، وميزان القوة في قلبه، مدى الفعل وخارطة الزمن الحديث تحددها اندفاعتك للدفاع عمن تحب وما تحب وما تنتمي إليه وتؤمن به، ولقد ثبت عمليا وفي كل مروية تاريخية وفي كل حرب أن السلاح يسقط ويضمحل التفوق أمام قوة الناشبين مخالبهم في التراب.
 
تسرد الوثائق والتسجيلات العسكرية أيضا أصوات قادة الحلفاء لحظة الإنزال على النورماندي، أمامهم فيالق هتلر وأبواب الجحيم، وكان القادة الفرنسيين والبريطانيين يتابعون أولا بأول كيف يتم محق الكتائب واحدة تلو الأخرى وكيف تذوب مئات الدبابات بنيران هتلر ويتقدمون لحظة صبغ الدم مياه الأبيض المتوسط، ومن مكتبه في البيت الأبيض كان الرئيس الأمريكي يتابع ويعطي الأوامر ويحتدم وهو لحظتها بصدد تلاطم الفيالق الهائلة على ساحل النورماندي حيث الفولاذ والدم ومن يقرر مستقبل البشرية.
 
أفكر بالمآلات العسكرية الممسوخة من كل الحروب لحظة أن كان البارحة ثمة بن زايد يصلح وضع عقاله ويتابع الإنزال المتماجن على سقطرى، التاريخ يعيد نفسه على هيئة عرض مراهق أسماه التاريخ "أسبرطة الشرق الأوسط" على سبيل تشجيع الفكاهة العسكرية، وطلب من المراهق تقديم عرض إنزال عسكري، فأنزل مجموعة من قدور الأرز التي ترتدي الملابس العسكرية على جزيرة لم يمتلك مواطنيها السلاح يوما ولا يتعاركون في السوق وينامون وأبوابهم مفتوحة.
 
أظنه احتسى نخبا نبيذيا لحظة انتصار فيالقه التهريجية على بضعة صيادين يقفون في الساحل وبعضهم في المطا، ومسح مشفره السفلي الذي يشي بالإسراف في تصديق الترهات، بينما يقترح ضاحي خلفان- بعد تهنئته بالنصر العظيم، هكذا وهو واقف بشخصية مونتجمري عبيط، التقدم لأعماق الجزيرة والتحفظ على حكومة بن دغر.
 
يوما ما وهو قريب ستكتشف أن صناعة التاريخ ليست لعبة مسلية تتطلب فقط تقديم النقود، العقل اليمني سيجد عينيه ويديه، ومهمة لأصابعه ويمسكك من أذنك ويجرك خارجا، لتجد لعروضك التافهة هذه مكانا آخر، إلى أن يحدث ذلك سنتوقع من يوقظكم أولا لكون التراب الوطني أمر شرف وجد، يمني يذيقكم طعم الفولاذ والبارود، ليتوقف التاريخ عن عرض هذه المهزلة.
 
 
*من صفحة الكاتب على فيسبوك "العنوان إجتهاد المحرر"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر