منها تغيير المشهد الجيوسياسي لصالح إيران.. ما أهداف الهجمات الحوثية البحرية؟ (تحليل خاص)

[ التهديدات الحوثية للسفن زادت مع حرب غزة ]

أعلنت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، الثلاثاء استهداف ناقلة نفط نرويجية تُدعى "ستريندا" بصاروخ بحري قبالة السواحل اليمنية في البحر الأحمر، بمبرر أنها لم تستجب لتحذيراتها التي طلبت منها عدم المرور عبر البحر الأحمر إلى العدو الصهيوني، ضمن قرار حوثي إيراني منع السفن المتوجهة إلى دولة الاحتلال بالمرور عبر باب المندب.
 
الهجوم الحوثي على السفينة أدى إلى اشتعال حريق في السفينة، ولم يصب طاقم السفينة بأي أضرار وواصلت السفينة طريقها، رغم الحريق، وقالت الشركة المالكة إن السفينة تتجه إلى ميناء آمن. ووقع الاستهداف ليل الاثنين الثلاثاء على بعد 110 كم شمال باب المندب، أي مقابل سواحل المخا تقريبا، وفق هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية.
 
والهجوم أحد أحدث الهجمات الحوثية التي استهدفت سفنا بعضها تدّعي المليشيا أنها تعود ملكيتها إلى رجال أعمال صهاينة، وإحدى الهجمات التي قام بها الحوثي أدت إلى خطفهم سفينة تدعى "جالاكسي ليدر" نهاية الشهر الماضي، ويقول الحوثي إن تلك الهجمات جزء من تحركهم لمواجهة الاحتلال الصهيوني.
 
طبيعة الهجمات الحوثية وتأثيراتها
 
يزعم الحوثي أنه غير مسار عدد من السفن الصهيونية أو المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية عبر البحر الأحمر، لكن تلك الهجمات حتى الآن، لم توفر أي رد عليه، حتى على المستوى الإعلامي، باستثناء بعض التصريحات الإعلامية التي تطالب بعدم المساس بحرية الملاحة، والمطالبة بإطلاق سراح السفينة "جالاكسي ليدر".
 
هجمات ضعيفة
 
وفق عدد من الخبراء الذين علقوا على الهجمات الحوثية، في البحر الأحمر أو عبر إطلاق الصواريخ باتجاه الاحتلال قالت عدة مواقع صهيونية نشر ترجمتها مركز صنعاء للدراسات، إن التصدي لتلك الهجمات يدل على ضعفها وضعف إيران ومحورها: "يدل اعتراض عمليات الإطلاق من اليمن على محدودية قوة "إيران ومحورها من المليشيات الشيعية"، وخاصة بعد نجاح العملية العسكرية -الإقليمية تحت مظلة القيادة المركزية الأميركية وقدرتها على التعامل مع تهديد الصواريخ والطائرات المسيّرة".
 
بينما قالت الدكتورة مارتا فورلان في مقال لها بأن الهجمات الحوثية استعراضية، ولا تمثل تهديدا خطيرا، حيث إن الحوثيين غير مهتمين بالمشاركة في مواجهة الاحتلال الصهيوني رغم مزاعمهم الدعائية، وهي لا تشكل تهديدا أمنيا خطيرا على الاحتلال الصهيوني. غير أن تلك الهجمات تكشف عن قدرات إيران المتعاظمة في عدة مناطق.
 
سياق الهجمات .. حرب إيران وإسرائيل البحرية
 
بكل تأكيد وبشكل قطعي أن الهجمات الحوثية لها علاقة بإيران ومصالحها في المنطقة العربية وصراعها مع الولايات المتحدة من أجل البرنامج النووي الإيراني ولا علاقة للمقاومة الفلسطينية بها، لكنها تزامنت هذه المرة مع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، ووجدت اسما أو مبررا مقبولا على نطاق واسع للتحرك أكثر.
بين أواخر عام 2019 والربع الأول من عام 2021، أُفيد بأن إسرائيل استهدفت ما لا يقل عن اثنتي عشرة سفينة متجهة إلى سوريا تحمل معظمها النفط الخام الإيراني. وبحسب ما أُفيد، كان الهدف من بعض الهجمات البحرية منع نقل الأسلحة الإيرانية إلى المنطقة، وفق موقع أمواج ميديا المتخصص بالشأن الإيراني.
 
وسرد موقع أمواج ميديا سلسلة من الاستهدافات البحرية المتبادلة بين الاحتلال الإسرائيلي والاحتلال الإيراني عبر الخليج العربي، وخليج عمان، وبحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر.
 
في أبريل/نيسان 2021، ضُربت سفينة ساويز، وهي سفينة شحن إيرانية يقال إنها مرتبطة بالحرس الثوري الإسلامي الإيراني، بلغم لاصق في البحر الأحمر قبالة سواحل إريتريا. وتزامن ذلك التطور بشكل ملحوظ مع بدأ محادثات غير مباشرة بين طهران وواشنطن تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي تعارضه إسرائيل بشدة.
 
• في فبراير/شباط 2021، كانت هيليوس راي، وهي سفينة أخرى مملوكة للملياردير الإسرائيلي أونغار، تعبر بحر عمان بالقرب من الساحل الإيراني عندما هزتها عدة انفجارات أحدثت ثقوبًا في هيكلها. وكانت السفينة في طريقها إلى سنغافورة من ميناء في المملكة العربية السعودية عندما تعرضت للهجوم.
 
• في مارس/آذار 2021، تعرضت السفينة التجارية لوري، التي أُفيد بأن شركة أكس تي مانجمنت الإسرائيلية تديرها، لهجوم في شمال المحيط الهندي، بالقرب من بحر عمان، مما أدى إلى تعرضها لأضرار داخلية جسيمة.
 
• في أبريل/نيسان 2021، أُفيد بأن السفينة التجارية هايبيريون راي، التي يقال إنها تابعة لشركة بي سي سي الإسرائيلية، تم استهدافها بصاروخ مجهول الهوية في بحر عمان. ووقع الحادث على وجه الخصوص بينما كانت السفينة في طريقها إلى الإمارات العربية المتحدة.
 
• في أوائل يوليو/تموز 2021، تعرضت السفينة تيندال المملوكة لشركة زودياك ماريتايم التي يقال إن قطب الشحن الإسرائيلي إيال عوفر يسيطر عليها، للقصف في شمال المحيط الهندي.
 
• في أواخر يوليو/تموز 2021، تم استهداف ميرسر ستريت بطائرة مسيرة يُزعم أنها إيرانية بالقرب من جزيرة مصيرة العمانية، مما أسفر عن مقتل قبطان السفينة الروماني وحارس أمن بريطاني. الشركة التي تدير السفينة كانت أيضًا زودياك ماريتايم.
 
إيران تريد تغييرا جيوسياسيا
 
وتقول شركات الأمن البحري إن هذه الحرب غير جديدة وغير مفاجئة، لكن التطور فيها أن الهجمات هذه المرة جاءت عبر الحوثي.
 
"هذا جزء من حرب متبادلة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيران، ويمكن أن يجذب دولا أخرى إليها. تريد البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني التأثير على المشهد الجيوسياسي وإظهار سيطرتها على مضيق هرمز"، كما يقول ديميتريس مانياتيس، المدير التنفيذي للعمليات في شركة الأمن البحري الخاصة "Seagull Maritime".

ويضيف إن التكتيك الحوثي في السيطرة على السفينة جالكسي ليدر هو نفس تكتيكات الحرس الثوري الإيراني في خليج هرمز ابتداء من 2019 ضد سفن الملاحة.
 
ويقول جون ستاوبيرت من الغرفة الدولية للشحن في تصريح لـ DW: "إن الاستيلاء على سفينة غالاكسي ليدر كانت له دوافع سياسية. ولذلك فإن التهديد الذي يواجه الشحن التجاري ككل منخفض، ومن المرجح أن يظل الأمر كذلك بسبب الطبيعة المحددة للغاية لاستهداف هذه السفن". ويؤكد أن الأخطر ليست هجمات الحوثي التي لها طابع سياسي، بل هجمات القراصنة الإجرامية.
 
اعتراف الحوثي: الهجمات بقرار إيراني
 
في كل خطاب للحوثي نفسه يعترف ويؤكد بأنه تابع لإيران وينسق معها في كل تحركاته، خدمة للمشاريع الإيرانية التي تستهدف اليمن والخليج العربي.
 
وفي أواخر نوفمبر الماضي ظهر عبدالعزيز بن حبتور رئيس حكومة الحوثي غير المعترف بها في مقابلة مع قناة اليمن اليوم المحلية التابعة للمؤتمر الموالي للحوثي يقول صراحة إن الهجمات التي شنتها المليشيا الحوثي جاءت عبر قرار غرفة عمليات تقودها طهران وتشارك فيها المليشيا بالإضافة إلى حكومة سوريا والعراق وحزب الله اللبناني.
 
ماذا عن السفينة غالاكسي ليدر؟
 
يقول موقع أمواج الإيراني: "ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف سفينة مملوكة لشركة أونغار. في فبراير/شباط 2021، كانت سفينة هيليوس راي تعبر بحر عمان عندما هوجمت بعدة انفجارات. وألقي باللوم في هذا الحادث على إيران".
 
وتنقل رويترز في تقرير لها أن أحد مصادرها المقيم في طهران قال إن ممثلي الحوثيين ناقشوا هجماتهم مع المسؤولين الإيرانيين خلال اجتماع في طهران في نوفمبر/تشرين الثاني، واتفقوا على تنفيذ أعمال بطريقة "منضبطة" وقال مصدر آخر إن طهران لا تسعى إلى "حرب شاملة في المنطقة" من شأنها أن تخاطر بجرها مباشرة.
 
وفق وكالة رويترز أعطت إيران تعليمات للحوثي لشن الهجمات في اجتماع لها في نوفمبر الماضي.
 
أهداف الهجمات الحوثية
 
يحاول الحوثي من خلال هجماته الاستعراضية التي يمكن أن تتحول أيضا إلى هجمات خطيرة، إلى تسويق نفسه، كطرف يمني وكيل للغرب وتحديدا الولايات المتحدة في اليمن، وقد صرح عدد من قادة الحوثي بعد هجماتهم لمخاطبة الولايات المتحدة بالقبول بهم، وعلى وجه أكثر دقة الاعتراف بهم كقوة شرعية تمثل الدولة في اليمن، وليس مجرد طرف يمني، وقد ظهرت تلك الأهداف في تصريحات عدة لحسين العزي، ومهدي المشاط.
 
مبرر للحرب ومكاسب في المفاوضات

يريد الحوثي من هجماته الاستعراضية على الملاحة أو على الصهاينة أن يجد مبررا إضافيا لحروبه المتواصلة منذ عشرين سنة تقريبا على اليمنيين، ولتدشين موجة جديدة من التنكيل والقمع بالسكان في مناطق سيطرته. كما يريد مبررات جديدة لهجمات جديدة ضد المناطق المحررة خاصة محافظة مأرب، وبقية المحافظات اليمنية.
 
كما أن الحوثي يخوض مفاوضات متقدمة مع السعودية تركز على تحقيق مطالبه من الإيرادات المالية لليمن، لصالح جماعته، دون أي حل سياسي. ويسعى لانتزاع اعتراف شامل به كممثل لليمن، على حساب الشعب اليمني، وخدمة للمصالح الإيرانية التي تتفق أيضا مع المساعي الأمريكية لإعادة تشكيل المنطقة العربية تحت نفوذ إيران وإسرائيل، ليكونا وكيلين للولايات المتحدة التي تريد التفرغ للحرب ضد الصين.
 
يقول موقع أمواج الإيراني نقلا عن زميل الأبحاث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فابيان هينز بأن "إيران ربما تحاول نقل استراتيجيتها الخاصة بمضيق هرمز المتمثلة في امتلاك القدرة على احتجاز سفن الشحن عبر الممر المائي كرهائن عندما تستدعي الظروف السياسية ذلك إلى مضيق باب المندب". وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من صادرات الطاقة المنقولة بحرًا في العالم تمر عبر هذه الممرات المائية.
 
إنشاء منافس بحري لدول الخليج العربي
 
تنقل صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله أن إيران تهدف إلى إنشاء منافس جدي بحري جنوبي البحر الأحمر لدول الخليج العربي، ونقل القوة إليها، وتهديد دول الخليج العربية.
 
كما يهدف لإنشاء تشكيلات عسكرية تابعة لإيران في القرن الأفريقي تعمل بالتنسيق مع الحوثي، في بحر العرب وخليج عدن وباب المندب، حسب الصحيفة التي قالت: "أيّ اعتداء عليها سيبرّر للحوثي توسيع الاشتباك ليشمل كامل مساحة البحر الأحمر وباب المندب، ونسبيّاً بحر العرب، مباشرة أو بواسطة الأصدقاء. كذلك". 
 
ولهذا نلاحظ أن هناك عدد من الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية لم يتبنها الحوثي، ولا أي فصيل، بما فيها محاولة السيطرة على سفينة في خليج عدن قبل أسبوعين، قالت الولايات المتحدة عن عناصر المحاولة إنهم صوماليو الجنسية.
 
هؤلاء الأصدقاء سبق أن ذكرهم مراسل قناة حزب الله في صنعاء الإعلامي الحوثي خليل العمري بأن هناك عدة جماعات مسلحة تابعة لإيران هي من هاجمت عدة سفن في البحر العربي نهاية نوفمبر الماضي.
 
الحوثي أعلن أيضا في 6 ديسمبر الجاري عن توسيع العمليات البحرية لمليشياته لتشمل أيضا البحر العربي، في رسالة استعراض إيرانية واضحة للقوة والنفوذ الذي تملكه.
 
الموقف الأمريكي من الهجمات
 
رغم مرور أكثر من شهر ونصف على بدء الهجمات الحوثية الإيرانية المحدودة التأثير على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، فإن الموقف الأمريكي لم يتغير من تجاهل تلك الهجمات.
وبحسب المواقع العبرية الصهيونية والأمريكية يفسر تلك المواقف بأنها ببساطة هي نظرا للعلاقات الأمريكية الإيرانية؛ دولة الاحتلال الإسرائيلي تقول إن الهجمات الحوثية عليها وعلى مصالحها ليست خطيرة ولا تستدعي حتى الرد، فضلا عن أن الولايات المتحدة ترفض أي رد على الهجمات الحوثية.
 
حتى مع احتدام الحرب في غزة، واصلت الولايات المتحدة محادثاتها عبر القنوات الخلفية في عمان مع إيران، حسبما صرح مسؤول عربي لموقع ميدل إيست آي.
 
ميدل ايست إي نقل أيضا عن مسؤولين غربيين وعرب القول: "تشعر إدارة بايدن بالقلق من أن الضربات المباشرة على الحوثيين أو إعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية انتقاما يمكن أن تعرض للخطر ليس فقط عملية السلام في اليمن، ولكن أيضا التقارب الأوسع بين إيران والمملكة العربية السعودية".
 
وقد أعفت واشنطن عقوبات على 10 مليارات دولار لصالح إيران من العراق في خضم حرب غزة.
 
بينما تقول صحيفة بوليتيكو الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين: أن الوقت ليس مناسبا للرد على الحوثيين، وأن المفاوضات هي السبيل الوحيد، لحل الصراع في اليمن.
 
في الوقت الراهن، لا يعتقد كبار مسؤولي الدفاع أن ضرب الحوثيين في اليمن هو الخيار المناسب، لأنهم لا يريدون أن يروا الوضع يتصاعد أكثر ولا يملكون حاليًا أدلة على أن الصواريخ التي أطلقها الحوثيون في الأسابيع الأخيرة استهدفت خصيصًا الأصول الأمريكية في المنطقة، حسبما قال مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية لـCNN.
 
ومع ذلك، تبقى جميع الاحتمالات على الطاولة وتحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية بحق الرد في المكان والزمان المناسبين بالنسبة لها، حسبما قال مسؤول في وزارة الدفاع.
 
والسبب الآخر الذي يجعل الولايات المتحدة تخفف من ردها هو أنها تنظر إلى موجة الهجمات على أنها انتهاز للفرص، وليست جزءًا من جهد استراتيجي تبذله طهران لتصعيد الصراع، وفقًا للعديد من المسؤولين الأمريكيين الذين تحدثوا إلى شبكة CNN.
 
وقال نورمان رول، المسؤول السابق عن شؤون إيران في وكالة الاستخبارات المركزية، إن ضرب السفن التي تربطها الجماعة بإسرائيل في دعايتها تسمح لقادة الحوثيين بالادعاء بأنهم يقاتلون ضد إسرائيل، لضمان استمرار تدفق الدعم الإيراني لهم.
 
وأضاف رول: "مشاركة الحوثيين في الهجمات على إسرائيل تسمح لهم بإظهار انخراطهم في لعبة المقاومة، والمساعدة في تحويل الموارد الإسرائيلية من غزة، وإظهار العداء ضد الولايات المتحدة، وإرسال رسالة تحذير لدول الخليج".
 
وأردف رول: "قدرة قادة الحوثيين على التباهي أمام أتباعهم من القبائل بأنهم نفذوا هجمات ضد إسرائيل والولايات المتحدة تعزز مكانتهم داخل الحركة".
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر