3 طرق يستخدمها الإعلام الأمريكي لعسكرة سكان غزة وتبرير القتل الجماعي للمدنيين

مع تزايد العدد المذهل للوفيات بين المدنيين في غزة كل يوم، ومع ظهور تقارير جديدة عن الهجمات الإسرائيلية الوقحة على المساجد والمستشفيات والكنائس ومخيمات اللاجئين وغيرها من الأهداف المدنية.
 
هناك إلحاح متزايد بين المسؤولين الإسرائيليين، والمنظمات المؤيدة للاحتلال في الولايات المتحدة، ووسائل الإعلام الأمريكية والمؤسسة السياسية التي تدعم جرائم الحرب الواضحة هذه للتقليل من أهمية القتل الجماعي المروع للفلسطينيين.
 
وبحسب موقع «The Realnews» الأمريكي، مع إظهار استطلاعات الرأي أن أغلبية الناخبين، بما في ذلك 80% من الديمقراطيين، يؤيدون وقف إطلاق النار - مما يضع الغالبية العظمى من السياسيين الديمقراطيين على خلاف مع ناخبيهم - فإن هناك حاجة إلى أعذار لتبرير التقارير عن المذبحة التي تخرج من غزة كل يوم.
 
ونشر الموقع مقالا ًللكاتب أدم جونسون أشار إلى ثلاث استعارات شائعة تستخدمها عادة وسائل الإعلام والسياسيون والنقاد الأمريكيون المكلفون بدعم الرئيس بايدن ودعمه المستمر لقصف غزة من أجل عسكرة المدنيين، الذين يُقتلون ويشوهون على يد الاحتلال الإسرائيلي بشكل فعال، بأثر رجعي:
 
 
 1. أنفاق غزة
 
خلال الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة نيويورك تايمز ثلاث مقالات مختلفة مليئة بالتوجس حول ما يجب فعله بشأن الواقع المخيف لشبكة أنفاق المقاومة الفلسطينية تحت الأرض في غزة.
 
يقول العديد من الفلسطينيين إنها مجرد شبكة لتهريب البضائع غير الضارة داخل وخارج غزة بسبب الحصار الإسرائيلي الذي يمنع الواردات والصادرات، وليست مخبأ ًمترامي الأطراف ومتطور تحت الأرض يتعاون مع حركة المقاومة حماس.
 
الكاتب اعتبر بأن التغطية اللاهثة لـ "أنفاق الإرهاب" المزعومة تخدم غرضاً رئيسياً وحداً: الا وهو تبرير القتل الجماعي للمدنيين.
 
وركز المراسلون الجادون في صحيفة التايمز، باهتمام على ما يصفوه بقضية "أنفاق الإرهاب"، بما في ذلك زعيم الرأي الليبرالي ديفيد ليوناردت، الذي كتب مقالًا كاملاً حول هذه القضية في رسالته الإخبارية اليومية التي تحظى بشعبية كبيرة، يزعم فيه بأن المعركة على الأنفاق هي السبب الرئيسي وراء ارتفاع عدد القتلى المدنيين في هذه الحرب.

هناك أيضًا ثغرتان كبيرتان في المنطق الرهيب المتمثل في "علينا أن نقتل المدنيين، لأن أنفاق الإرهاب لا تترك أي خيار آخر"، ويبدو أن ليوناردت، ومراسلو التايمز الذين قدموا ضمانات لرسالتهم الإخبارية، غير مهتمون بمعالجة أي من تلك الثغرات.
 


وتساءل الكاتب: "إذا لم يكن أمام الاحتلال الإسرائيلي خيار سوى قتل الآلاف من المدنيين الأبرياء لأن هؤلاء المدنيين موضوعون بين قنابل إسرائيل "المستهدفة" و"أنفاق الإرهاب" التي يسكن فيها عناصر حركة المقاومة حماس"، فلماذا لا تنشر إسرائيل خريطة للأنفاق وتقدم المشورة للمدنيين لتجنب هذه المناطق؟
 
وقد قدمت إسرائيل مثل هذه المعلومات حول ما يسمى بـ "المناطق الآمنة" سابقاً لكنها قصفتها لاحقاً. ومن الناحية النظرية، يمكن لحكومة الاحتلال الإسرائيلي أن تقدم خريطة واضحة لأنفاق الإرهاب، ومن المفترض أنها تعرف مكان الأنفاق.  ومع ذلك، فإنها لا تفعل هذا.
 
وكان "اندماج العدو مع المدنيين" هو نفس المنطق الذي استخدمته الولايات المتحدة لتبرير قتل أكثر من 3 ملايين مدني فيتنامي - أو 10٪ من سكان البلاد - في حربها التي دامت عقدًا من الزمن ضد التمرد الفيتنامي.
 
"هذا هو نفس الهراء الذي فعلناه في فيتنام"، أشار مارك شتاينر هذا الأسبوع في مقال بموقع The Real News، مذكرًا بالطرق التي تم بها تبرير ذبح المدنيين الفيتناميين بالمثل من خلال الشكوك المعلنة مراراً وتكراراً، في أن المقاتلين الأعداء كانوا يختبئون بينهم. 
 
لم تكن هذه الحرب ناجمة عن فشل أخلاقي من جانب الفلسطينيين في غزة، أو الفيتناميين، ولكنها سمة محددة لشعب محتل يخوض حربا غير متكافئة مع قوة عسكرية ذات هيمنة جوية كاملة.
 
ألا يثير هذا أسئلة أكبر حول طبيعة الاحتلال الإسرائيلي، والحصار المفروض على غزة، ودورة العنف التي تديمها؟ على سبيل المثال، لا توجد أنفاق لحماس أو ما تصفه بإرهاب في الضفة الغربية، لكن الجيش الإسرائيلي والمستوطنين يقتلون المئات هناك أيضًا.
 
ويتساءل الكاتب: إذا كان قتل المدنيين بسبب الأضرار الجانبية له علاقة بأنفاق الإرهاب، فلماذا قُتل 144 فلسطينيًا في الضفة الغربية في الأسابيع الأربعة الماضية أيضًا؟
 
في نهاية المطاف، ليس للقصص المرعبة عن أنفاق حماس أي تأثير صحفي عملي سوى عسكرة المجتمع الغزاوي برمته. ففي نهاية المطاف، إذا كانت أنفاق الإرهاب موجودة في كل مكان، وكانت أنفاق الإرهاب أهدافاً عسكرية مشروعة، فإن أي مدني يقف في أي مركز سكاني في غزة لا يعدو كونه مجرد "درع بشري" لحماس.  وهو ما يقودنا إلى مجازنا الثاني:
 

2. الدروع البشرية
 
الكاتب انتقد بشدة التركيز الإعلامي الأمريكي على إثارة الرعب تجاه أنفاق المقاومة، والتي تنطوي على فكرة أن إسرائيل تقتل المدنيين على مضض لأن حماس تستخدمهم "كدروع بشرية". وهذا ما أكدته السيناتور إليزابيث وارن بشكل عرضي يوم الثلاثاء بينما أعربت عن أسفها لمقتل المئات في غارة جوية إسرائيلية استهدفت مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة.
 
ووفق الكاتب، كان "اندماج العدو مع المدنيين" هو نفس المنطق الذي استخدمته الولايات المتحدة لتبرير قتل أكثر من 3 ملايين مدني فيتنامي - أو 10٪ من سكان البلاد - في حربها التي دامت عقدًا من الزمن ضد التمرد الفيتنامي.
 


إن الادعاء بأن حماس "تستخدم دروعًا بشرية" هو تهمة محددة تتطلب معياراً محدداً من الأدلة لإثباتها، ولم يقدم الاحتلال الإسرائيلي أيًا منها علناً، حتى الآن إلى أي وسائل إعلام أو جماعات حقوق إنسان تابعة لجهات خارجية من أي نوع. 
 
لا يمكن ببساطة طرح مسألة "الدروع البشرية" كمبرر بعد حدوث حفرة في الأرض خلفت مئات القتلى من المدنيين الفلسطينيين. ولكن حتى الآن، أفلتت إسرائيل في أغلب الأحيان من القيام بذلك على وجه التحديد.
 

3. معاقل حماس

تنبيه إخباري عاجل نشرته صحيفة نيويورك تايمز يوم الثلاثاء، حول غارة إسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة، والتي أسفرت عن مقتل مئات المدنيين، أحيا مجازاً عنصرياً قديمًا تم استخدامه لعسكرة السكان المدنيين، من خلال الإشارة إليهم على أنهم يعيشون في، أو أنهم جزء من "معقل" الجماعة المسلحة:
 
تم انتقاد هذا الإطار على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي النهاية غيرت صحيفة التايمز عنوانها الرئيسي. بالطبع، لم تكن صحيفة التايمز أبدًا لتضع إطارًا لهجوم داعش في وسط مدينة باريس بعنوان رئيسي مثل "انفجارات مميتة تضرب معقل الناتو في باريس"، لكن الصحيفة ليس لديها مشكلة في القيام بذلك للعرب في لبنان دون سبب واضح سوى الاستشراق التجريد من الإنسانية.
 
إن الإشارة إلى باريس أو لندن أو نيويورك، بعد هجوم داعش على المدنيين، على أنها "معقل للناتو" سوف يُنظر إليها على أنها غريبة، وقاسية، وتقوم فعليًا بدعاية مجانية لداعش.
 
وفي حين أن السياق مختلف بشكل واضح، إلا أنه يتم تحقيق تأثير مماثل غير إنساني عندما تتم الإشارة إلى مواقع الموت الجماعي للمدنيين على أنها "معاقل حماس". إن تبرير الغارات الجوية التي تقتل مئات المدنيين من خلال الادعاء بأن الموقع الذي تم استهدافه كان "معقلًا للعدو".
 
على الرغم من أن إسرائيل لا يمكن أن تكلف نفسها عناء تقديم أدلة على وجود أي أفراد عسكريين أو نشاط عسكري في الموقع، لا يخدم أي غرض آخر سوى عسكرة الرجال القتلى بعد وفاتهم، وتصوير نساء وأطفال مدفونين تحت الأنقاض كمسلحين من حماس يستحقون الموت.
 
وأشار تقرير آخر لصحيفة التايمز بتاريخ 14 تشرين الأول/ أكتوبر، إلى أن مدينة غزة هي في حد ذاتها "معقل حماس وأكبر مركز حضري في القطاع". وكتبت صحيفة "يو إس إيه توداي"، في تقريرها عن الغارة الجوية على مخيم جباليا للاجئين، أن "الغارات الجوية الإسرائيلية أصابت المباني السكنية في مخيم جباليا للاجئين، وهو معقل لحماس بالقرب من مدينة غزة".
 
 في 10 تشرين الأول (أكتوبر)، أخبرتنا وكالة أسوشيتد برس أن "إسرائيل تقصف معقل حماس في منطقة الرمال بغزة". وفي 31 تشرين الأول/أكتوبر، أشار موقع أكسيوس إلى مدينة غزة باعتبارها "معقلًا لحماس".
 
ما هو الغرض الذي يخدمه هذا الإطار الاستشرافي سوى الإيحاء، بشكل غير دقيق، بأن المدنيين الذين قتلوا بشكل أو بآخر قد قضوا لأن الكثير منهم يؤيدون، بطريقة مجردة، أهداف حماس؟
 
إذا كان القرب المكاني من مقاتلي حماس يعني أن القتل الجانبي مبرر بالفعل، فإن إسرائيل لديها بالفعل مبررها الداخلي للقضاء على أو تهجير أي شخص وكل شخص يعيش في السجن المفتوح الذي تبلغ مساحته 22 × 5 أميال والذي يسمى  غزة.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر