"مفاوضات ثنائية وتغييب للشرعية اليمنية".. ما وراء زيارة وفد الحوثيين إلى السعودية؟

وصل وفد رسمي من مليشيات الحوثي المدعومة من إيران إلى السعودية، مساء الخميس 14 سبتمبر 2023، على متن طائرة عمانية، في زيارة هي الأولى من نوعها إلى الرياض، منذ مفاوضات ظهران الجنوب في 2016، وفي خطوة متقدمة ضمن التفاوضي الثنائي بين السعودية والحوثيين.
 
ويضم الوفد الحوثي الذي توجه إلى الرياض رفقة وفد عُماني عشرة أشخاص. أعلنت السعودية انها وجهت دعوة لوفد الحوثيين لاستكمال النقاشات التي بدأت في ابريل الماضي بزيارة السفير السعودي إلى صنعاء. وقالت الخارجية – في بيان نشرته وكالة (واس) "أن هذه الدعوة تأتي استمراراً لجهود السعودية وسلطنة عُمان للتوصل لوقف إطلاق نار دائم وشامل في اليمن والتوصل لحل سياسي مستدام ومقبول من كافة الأطراف اليمنية".
 
ورحبت الحكومة اليمنية، بجهود السعودية، وسلطنة عمان والمساعي الأممية، والدولية الهادفة لدفع المليشيات الحوثية نحو التعاطي الجاد مع دعوات السلام، وأكدت - في بيان - على "استمرار نهجها المنفتح على كافة المبادرات الرامية إلى إحلال السلام العادل والشامل، وفقا للمرجعيات الثلاث، وبما يضمن إنهاء الانقلاب، واستعادة مؤسسات الدولة، والأمن والاستقرار والتنمية في اليمن".
 
من جانبه اعتبرت هيئة رئاسة مجلس النواب، "أن أي مفاوضات وحلول يجري مناقشتها خارج المرجعيات المتفق عليها، وخاصة قرار مجلس الأمن 2216 ستكون مرفوضة شعبيا ورسميا"، جاء ذلك خلال اجتماع لهيئة رئاسة مجلس النواب ورؤساء الكتل البرلمانية الجمعة، وفقا لما ذكره موقع المجلس على الأنترنت.
 

ماذا تريد السعودية؟
 
في مارس 2021 م، أعلنت السعودية مبادرة لإنهاء الأزمة في اليمن والوصول لحل سياسي شامل، تضمنت أربع محاور هي: وقف إطلاق النار وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة، وفق اتفاق ستوكهولم، وفتح مطار صنعاء وبدء مشاورات الحل السياسي بين الأطراف اليمنية.
 
وفي أبريل الماضي، وصل السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر إلى صنعاء، في زيارة استغرقت قرابة اسبوع، أجرى خلالها عدد من اللقاءات مع قيادات مليشيا الحوثي، على ضوء المبادرة التي أطلقتها المملكة.. وكان من المتوقع أن يعلن عن اتفاقية بين الجانبين، إلا أنها تعثرت نتيجة رفع مليشيا الحوثي سقف مطالبها.
 
وقال المحلل السياسي السعودي، سلمان العقيلي عبر منصة "إكس"، إن مباحثات الحوثي بالرياض تأتي لإقرار هدنة دائمة وإجراءات ثقة تؤدي الى مفاوضات يمنية/ يمنية، مضيفا، "الرياض ليست بديلاً عن أحد ولا تتحدث باسم أحد، إنما داعمة لحوار اليمنيين مع بعضهم ولتطبيع معيشتهم، بعد أن ثبت ان الصراع لن تحسمه القوة".
 
ورأى الباحث نبيل البكيري، إن "لا جديد على مستوى المشهد العام باستثناء هذه الزيارات والمفاوضات السعودية الحوثية"، وأشار "أن بيان السعودية اكدت في بيانها أنها وسيط بين الأطراف اليمنية؛ لكن في المجمل هذه الجولة من المباحثات في الرياض هي استكمال لمسارات وجولات سابقة".
 
وأضاف في حديث لـ"يمن شباب نت"، "ربما الجديد في الضغوطات الإيرانية التي مُورِست، والاتفاق الاخير وتسوية الكثير من القضايا العالقة بين طهران والرياض، ربما تفتح مجالا ومسارا لهدنة طويلة الأمد في اليمن".
 
وبالمثل يؤكد الكاتب الصحفي عبد العزيز المجيدي، "أن لا جديد في هذه الزيارة سوى استكمال السعودية ما بدأته عندما قررت إيقاف الحرب والدخول في تفاهمات مباشرة مع الحوثيين ومن خلفهم إيران".
 
وقال في حديث لـ"يمن شباب نت"، إن "ما يجري هو تتويج لحرب، لم تكن تخص اليمنيين بل كانت تخص مخططات وأجندات الخارج، وقد توقفت الحرب برغبة سعودية سبقتها رغبة إماراتية بالتفاهم مع إيران".
 
وأضاف، "لم يعد بيد اليمنيين الوكلاء غير الاذعان لتلك التفاهمات مع هامش مساحة للحوثيين تتيحها طريقة إيران في ادارة استراتيجيتها للاحتفاظ بنفوذها، وربما تجميده مؤقتا تحت ضغط الظروف الداخلية، لكنها تحوز المكاسب واحدا بعد الآخر، في العراق وسوريا واليمن لن يكون المكسب الأخير".
 
من جانبه قال الباحث اليمني عادل دشيلة، إن "زيارة الوفد الحوثي إلى الرياض، جاءت تتويجاً للمساعي العمانية السابقة للتوصل إلى اتفاق هدنة رسمية وبالتالي مناقشة كل القضايا العالقة".
 
وتوقع دشيلة في حديث لـ"يمن شباب نت"، أن "يتم الإعلان عن الهدنة بشكل رسمي من الرياض وأن يتم أيضاً معالجة بعض القضايا الإنسانية الملحة مثل المرتبات وغير ذلك.. ومن ثم الدخول في حوارات معمقة لشكل العملية السياسية المستقبلية لمرحلة انتقالية".
 


تهدئة للصراع
 
ينظر كثير من المراقبين للمباحثات المرتقبة في الرياض بقليل من التفاؤل بشأن التوصل إلى حل سياسي للأزمة، نتيجة للتعقيدات والمتناقضات والأجندات القائمة في البلاد.
 
يرى الكاتب البكيري أن "هذه المباحثات تهدف لتطبيق ما تم الاتفاق عليه مسبقا فيما يتعلق بمسألة الرواتب والموانئ؛ لكن في الأخير هي تبقى قضايا جزئية لن تكون حلا نهائيا او مدخلا نهائيا فيما يتعلق بالملف اليمني".
 
وقال إن "الوضع سيبقى كما هو وتطبيع الأوضاع على ماهي عليه انقسام واضح في الجغرافيا اليمنية.. كل ذلك يدار من قبل المتحكم الرئيسي بالمشهد في اليمن وهي السعودية".
 
ويتفق معه الباحث دشيلة، الذي يعتقد أن الاتفاقية أو الحوار بين السعودية والحوثيين سيكون على حساب القوى اليمنية الأخرى، وبالتالي "الدخول في تسوية سياسية ولو هشة في ظل بقاء الوضع بهذا الشكل وسلاح جماعة الحوثي مازال بيدها وما تزال تسيطر على المناطق الشمالية ذات الكثافة السكانية بينما يسيطر الانتقالي على بعض مناطق جنوب البلاد".
 
وقال في حديثه لـ"يمن شباب نت"، إن "الحديث عن تسوية سياسية في ظل هذه الاوضاع ما هو إلا تهدئة للصراع، ولا يستبعد أن ندخل في صراعات أخرى مستقبلية، وهذا مالا نتمناه ولا نريده".
 
كما توقع دشيلة أن "تتكرر تجربة لبنان أو أن تتكرر تجربة العراق من خلال بناء تسويات بناء على مصالح مناطقية ومذهبية وبناء على أسس مذهبية ومناطقية وهذا هو الأخطر في تصوري الشخصي".
 

تغييب الشرعية اليمنية
 
تأتي هذه التحركات الجارية بين السعودية والحوثيين، في ظل تغييب للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، التي كان يفترض أن تكون هي الطرف الرئيس في هذه اللقاءات، بصفتها الممثل الذي يعبر عن تطلعات اليمنيين.
 
وقال الصحفي المجيدي، "لا وجود للطرف اليمني المعبر عن مصالح وإرادة اليمنيين. المجموعة التي تمثل واجهة الشرعية، ليست أكثر من قفاز يستخدم لإضفاء المشروعية على السياسات السعودية الإماراتية".
 
وأضاف: "علينا أن نتذكر بأن هذه السلطة (المجلس الرئاسي) جاءت بها رغبة سعودية إماراتية، وهي لا تستطيع بفعل طبيعة وظروف تشكيلها أن تلعب خارج رغبة الحليفين، لذلك رأينا السعودية والإمارات هما من يقرر السلام والحرب بالتفاهم مع طهران".
 
وأشار إلى أن إبرام الهدنة تم بين السعودية والحوثيين، وأبلغت الشرعية اليمنية مثلما تم ابلاغ وسائل الإعلام.. الأمر نفسه مستمر.. لذلك تقود الأولويات السعودية ثم الإماراتية كافة التحركات سواء كان العنوان السلام أو الحرب".
 
ووفقا لدشيلة، فإن "القوى السياسية التي ارتهنت للسعودية والتي تدعمها الإمارات لا أتوقع أنها تستطيع أن تعارض ذلك، ما يعني أن الخاسر الأكبر في حال وجود تسوية سياسية هي القوى التي راهنت على السعودية بأن تساعدها لإنهاء تمرد جماعة الحوثي" على حد تعبيره.
 
لكن ـ حسب دشيلةـ "أي تسوية سياسية قادمة تنهي الحرب وتعالج الوضع الإنسانيّ هذا بحد ذاته يعتبر ايجابياً لأن الناس يعانون الفقر والجوع والمرض منذ ثمان سنوات وحان الوقت لإنهاء هذه الحرب".
 
وقال نبيل البكيري، إن "دور الحكومة الشرعية مغيب ودورها كدور تابع للمملكة العربية السعودية وهذا شيء مؤسف أن تصل الأمور إلى درجة أن تغيب الحكومة الشرعية وتكون المباحثات بين السعودية والحوثيين وإن أعلن السعوديون أنهم مجرد وسيط".
 
وأضاف، "كان يفترض أن يكون هذا الاتفاق أو أن تكون هذه المباحثات بين الأطراف اليمنية وليست بين بعض الأطراف اليمنية والأطراف الإقليمية".
 

اتفاق اقليمي
 
يرى الصحفي عبد العزيز المجيدي، أن "السعودية خاضت الحرب بطريقتها ولأجندتها الخاصة مع الإمارات وبعد ٩ سنوات شعرت الدولتان أنهما حققتا ما تريدانه باقتسام النفوذ في المحافظات اليمنية المسماة محررة، وتمزيق الشرعية وبناء سلطات أمر واقع وبناء تشكيلات مسلحة موالية لهما على حساب ما يفترض أنه جيش وقوات مسلحة تتبع وزارة الدفاع".
 
وقال: "للأسف طيلة سنوات الحرب؛ قاتل اليمنيون على الضفتين من أجل الممولين ولمصلحة أهدافهم، كانت مصالح ورؤية التحالف هي التي تحدد متى وأين يجب ان تشتعل المعارك ومتى تتوقف، وفي أي وقت توجه الأوامر بالانسحاب والتحكم برقعة المعركة، مثلما كان الحوثيون يخوضون حرب إيران مدفوعين بأطماعها واستراتيجيتها".
 
وأضاف "هذه المليشيا تخادمت مع نهج التحالف وأطرافه الذي تعمد منذ البداية تجنب إنهاء سيطرة هذه المليشيات ومساعدة اليمنيين في استعادة عاصمتهم، وكان ذلك في المتناول، ثم ذهب لاقتسام ما تم استعادته بين طرفيه وطرد الشرعية من عاصمتها المؤقتة".
 
وأشار المجيدي إلى أن "التفاهمات الإيرانية السعودية بالتأكيد القت بظلالها على التطورات الأخيرة، لكن مع رغبة سعودية ملحة بالتخلص من ملف الحرب في اليمن، ومحاولة الخروج لإدارته عن بعد، بعد تفخيخ الوضع الداخلي بديناميكيات صراع طويل الأمد".
 
وأردف: "شاهدنا الرياض تجبر الاطراف اليمنية الاخرى على تقديم التنازلات الواحدة تلو الاخرى، وتتحدث بالنيابة عنها في مفاوضاتها مع الحوثي، ثم تقرر التالي بالنيابة ايضا عنهم.. ربما أدركت الرياض والمجتمع الدولي أن الحوثي في مأزق كبير مع النقمة التي تحاصره في مناطق سيطرته، لذلك سارعت الى تحريك الملف لإنقاذه".
 
وقال المجيدي إن الحرب انتهت بالتأكيد، و"يجب أن تنتهي بتأمين السعودية والإمارات وليس استعادة وطن اليمنيين، وإنهاء الانقلاب كما كان يتم ترديد ذلك الشعار الكذوب".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر