نازحو الحديدة في تعز.. هروب من نار الحرب إلى جحيم المعاناة والخذلان (تقرير خاص)

هروبا من الحرب وويلاتها وانتهاكات مليشيا الحوثي الإرهابية فر آلاف السكان من محافظة الحديدة (غربي اليمن)، إلى محافظة تعز؛ في موجة نزوح نشأت مع بداية الحرب وزادت بعد منتصف العام 2018م حين شهدت المحافظة عمليات عسكرية قادت إلى تحرير بعض مديرياتها قبل أن تتوقف بفعل تدخلات دولية.
 
في تعز وجد النازحون الأمن الذي فقدوه في بلادهم، غير أنهم لم يكونوا بمنأى عن مآسي النزوح والحرمان وخذلان السلطات، الأمر الذي أثقل كاهلهم وزاد من معاناتهم المريرة، حيث ظلت مئات الأسر النازحة طوال السنوات الماضية تكتوي بنار التشرد والبُعد عن ديارهم، وجحيم صعوبة الحياة وغلاء المعيشة وارتفاع الإيجارات وشحة المعونات الإغاثية وتسرب أطفالهم من التعليم في موطنهم البديل.
 
ووفقا لإحصائيات حديثة حصل عليها "يمن شباب نت"، فإن 1360 أسرة من نازحي الحديدة لايزالون يُقيمون في محافظة تعز وغالبيتهم العظمى في مركز المحافظة (القاهرة ـ المظفر ـ صالة).
 
معاناة طويلة
 
لم يتبادر إلى ذهن "أبو محمد" وهو يفر من نار الحرب في مسقط رأسه بمديرية الدريهمي الواقعة إلى الجنوب من مدينة الحديدة (غربي اليمن)، في النصف الثاني من العام 2018م، باتجاه مدينة تعز، أن ألوانا من المعاناة تنتظره في ملاذه الجديد وأن تلك المعاناة ستستمر معه كل هذه المدة.
 
يقول النازح الذي التقيناه في أحد أحياء مديرية القاهرة بمدينة تعز، إنه هرب مع عائلته المكونة من زوجة وخمسة أطفال يحملون ما خف من أغراضهم، فراراً من الحرب، غير أن سلسلة من المعاناة ظلت تلازمهم طوال خمس سنوات من النزوح.
 
بألم وحُرقة وبرأس مثقل بالهم ومصاعب الحياة بدأ (أبو محمد) يروي لـ "يمن شباب نت"، معاناته مع السكن والأمراض وغلاء المعيشة وغياب المنظمات والأعمال الاغاثية، قائلا: "خلال السنوات الماضية، تنقلت بين أربعة مساكن وأربعة أحياء مختلفة، حيث لا تطول مدة مكوثي في سكن واحد سنة كاملة، نظرا لارتفاعات الإيجارات التي يطلبها المؤجرون من دون سابق انذار ما يدفعنا إلى البحث عن بديل رغم صعوبة توفر البديل بشكل سريع".
 
ويضيف: "بعض المرات بقينا عند أسرة أحد معارفنا لمدة شهر حتى وجدنا سكن آخر يأوينا".
 
وعن المشاكل الأخرى يقول، "في بداية النزوح عانينا مصاعب كثيرة حيث لم نعثر على عمل بشكل سريع الأمر الذي دفعنا لبيع مانملك من مجوهرات للأسرة، لتوفير احتياجات العيش، في ظل عدم ضم أسمائنا على كشوفات المنظمات".
 
وتابع: "عملت حجر وطين وفي مطعم وبعث خضروات وفواكه على عربية واشتغلت أعمال كثيرة من أجل توفير لقمة العيش لي ولأسرتي".
 
وأشار "أبو محمد" إلى أنه أصيب مؤخراً بمرض في القلب ونصحه الأطباء بعدم القيام بأي أعمال، ليضطر عندها نجله الأكبر إلى ترك الدارسة والعمل في مطعم فيما اشتغل شقيقه الأصغر في بيع الليمون وذلك من أجل توفير متطلبات الحياة.
 
تهميش وخذلان
 
رغم وجود عدد كبير من المنظمات الاغاثية والمؤسسات الإنسانية إلا أن تلك المنظمات تتخطى مئات الأسر من نازحي الحديدة وكأن الحرمان والتهميش سمة ملازمة لأبناء تهامة تطاردهم أينما حلوا أو ارتحلوا على مر العقود.
 
ويشكو النازحون تغييبهم من برامج الإغاثة التي تقدمها منظمات الأمم المتحدة، وعدم انتظام صرف المساعدات من بعض المنظمات الأخرى، ويُعيدون أسباب ذلك إلى عدة أمور من بينها غياب الجهات الإشرافية من سلطات محافظة الحديدة، وعدم التنسيق بين المنظمات فضلاً عن احتجاجات بعضا من المجتمعات المُضيفة، كما يرى "مطهر الأهدل".
 
ويضيف في حديث لـ "يمن شباب نت": "يتعرض النازح التهامي لإهمال من أغلب المنظمات في ظل غياب التنسيق الكلي بين المنظمات، فحينما نطلب من منظمة ما ضمنا على كشوفاتهم، تقول إن المنظمة الأخرى قامت بعملية مسح في هذه المنطقة وهكذا تحرم الأسر لا من هذه ولا من تلك" حد تعبيره.
 
ويتابع: "بعض المنظمات تقول إن تجمعات النازحين في تلك المنطقة كبيرة ولا يمكن تغطيتها...".
 
وحمّل "الأهدل" بعض المجتمعات المُضيفة مسؤولية حرمانهم من المساعدات الإنسانية، قائلا إنهم يطالبون بنسبة معينة من المساعدات مقابل السماح بصرفها للنازحين، باعتبار أنها من حصة منطقتهم الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى عزوف المنظمات عن المُضي في تقديم المساعدات لهم.
 
وذهب "مطهر" إلى أبعد من ذلك حيث نقل عن بعض النازحين القول إنهم يتعرضون لحالة من التنمر لأسباب تتعلق بلهجتهم وبشرتهم من قبل بعض أبناء المجتمع المضيف مايدفع كثير من الأسر للانعزال داخل منازلهم وعدم الاندماج في المجتمع.
 
وطالب "الأهدل"، المنظمات الأممية بتحمل مسؤوليتها أمام نازحي الحديدة في تعز من خلال برنامج دعم اغاثي متكامل يشمل مساعدات نقدية ومواد غذائية، ومشاريع تمكين اقتصادي (بقالات ـ اكشاك ـ باصات ـ قروض ـ حقائب مدرسية) وبرامج توعوية وصحية وبرامج دمج اجتماعي بين المجتمع المضيف والنازحين.
 


من جانبه يرى الناشط التهامي "بهاء عيدروس" أن دور سلطة محافظة الحديدة دور سلبي في التعامل مع نازحي المحافظة في تعز، حيث تغيب بشكل كلي عن الواقع المأساوي لرعاياها الذين يقاسون البؤس والفاقة وشدة الحاجة.
 
وفي هذا السياق يؤكد أن الوحدة التنفيذية للنازحين في محافظة الحديدة لا يوجد لها أي تدخلات إنسانية لنازحي الحديدة في تعز، مُعرباً عن أسفه البالغ لتخلي السلطة المحلية عن رعاياها رغم المناشدات التي أطلقوها طوال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن تحجج قيادات السلطة بغياب الميزانية التشغيلية أعذار تدعو للسخرية.
 
ودعا "عيدروس"، محافظ الحديدة "الحسن طاهر" إلى القيام بتوجيه مدير الوحدة التنفيذية بمعاملة النازحين في تعز كمخيم تجمع سكاني واعطائه الأولويات في أي أعمال إنسانية، وتعيين ممثلين للوحدة في تعز.
 
الإيجارات هم يُؤرق الجميع
 
يُجمع جميع النازحين بما فيهم الموظفين منهم على أن إيجارات السكن باتت هم كبير يؤرقهم وخاصة مع انهيار العملة وعدم وجود قانون منظم بين المؤجر والمستأجر.
 
"علي محمد يحيى" ـ معلم نازح ـ يقول بأن النازحين يعانون صعوبات كثيرة في توفير قيمة الايجار الذي بات الهم الشاغل لجميع نازحي الحديدة في تعز حيث تفوق قيمته قدرة النازح الموظف ناهيك عن النازح العامل أو العاطل عن العمل.
 
وأضاف في حديث لـ "يمن شباب نت"، "راتب المعلم النازح 70 ألف ريال، وإيجارات الشقق المتوسطة تبدأ من 100 ـ 150 ألف، ما يعني أن الراتب لا يكفي أحيانا لقيمة نصف الايجار فضلا عن متطلبات الحياة".
 
وتابع: "الإيجارات هم أثقل كاهل النازحين جراء جشع المؤجرين ولا بد من تدخل السلطة المحلية بمحافظة تعز لوضع حد لذلك".
 
من جهته شكا "مطهر الأهدل " مما سماه استغلال مالكي العقارات ورفع أسعار الإيجارات على النازحين باعتبارهم مضطرين لدفع أغلى الأجور، الأمر الذي يضطر عدد من الأسر من الأقارب إلى استئجار شقة واحدة".
 
وطالب "الأهدل" المنظمات الأممية والإنسانية بتخصيص جزء من تدخلاتها الإنسانية لدفع ايجارات الشقق للنازحين أسوة بماهو معمول به في محافظات أخرى.
 
من جانبه ناشد "بهاء عيدروس" محافظ تعز بوضع حد لجشع المؤجرين ووضع قانون يُجّرم ابتزاز المؤجرين للنازحين، كما ناشد المنظمات العاملة في الجانب الانساني باستهداف الأسر النازحة بمعونات نقدية لتغطية نفقات الإيجارات المرتفعة.
 
مبادرة إنسانية من رحم المعاناة
 
من رحم المعاناة التي يعيشها نازحو الحديدة في تعز وتزايد احتياجاتهم الإنسانية، وُلدت فكرة إنشاء مبادرة إنسانية لدعم الأسرة النازحة، حيث أنشأ عدد من أبناء المحافظة مبادرة "دليلك لنازحي الحديدة" كقناة وسيطة بين النازحين وفاعلي الخير والميسورين، يقول القائمون عليها.
 
ويضيفون، عملت المبادرة في بداية مشوارها على تسويق حالات إنسانية إلى عدد من الخيرين والميسورين من أبناء المحافظة والمغتربين وتوسعت أنشطتها في وقت لاحق لتقوم بدور الوسيط المنفذ لجملة من المشاريع الإنسانية التي تستهدف نازحي المحافظة بعد عمل شراكات مع عدد من المؤسسات العاملة في المجال الإنساني والإغاثي.
 
وخلال السنوات الماضية طرق القائمون على المبادرة، أبواب المنظمات الأممية والإنسانية، والجهات الرسمية وقدموا بيانات بأعداد وأوضاع النازحين ونفذوا وقفات احتجاجية للمطالبة بضمهم إلى قوائم المستفيدين من البرامج الإغاثية الأممية، ونجحوا في ضم عدد منهم إلى قوائم بعض المنظمات، فيما لا تزال جهودهم مستمرة في هذا السياق.
 
ونفذت المبادرة العديد من المشاريع التي استهدفت النازحين عبر (السلال الغذائية ـ كسوة العيد ـ الأضاحي ـ الحقيبة المدرسية) طوال السنوات الماضية للتخفيف من وطأة المعاناة التي تزداد سوءاً لدى قطاع واسع من النازحين، ويأمل القائمون عليها بتوسيع أنشطتها لتغطية كل احتياجات النازحين عبر شراكات جديدة مع المنظمات الإنسانية والإغاثية والجهات الرسمية ورجال الخير.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر