"حفر آبار المياه".. مشاريع تطوعية تزدهر في زمن الحرب بالمناطق المحرومة غربي اليمن

[ مشروع مياه في الساحل الغربي بتمويل من مؤسسات تنموية ]

في ظل مرارة الحرب والمعاناة الكبيرة التي يعيشها سكان اليمن، طوال السنوات الثمان الماضية، انبرت مؤسسات تنموية ومبادرات خاصة بمشاريع مستدامة في المناطق المحرومة على الشريط الساحلي الغربي لليمن، لتعيد الأمل بالحياة لآلاف المواطنين رغم قسوة الحال وطبيعة التضاريس.
 
من بين المشاريع الفريدة والجديرة بالإشادة تلك المتعلقة بحفر آبار المياه في المناطق النائية المحرومة من مشاريع التنمية طوال العقود الماضية، حيث نشطت مؤسسات تنموية وبتمويلات خيرية مؤسسية وأخرى فردية على تكريس جهودها في حفر الآبار السطحية والارتوازية وتأمين المياه النقية في المناطق الساحلية بمحافظتي الحديدة وتعز (غربي اليمن).
 
تشير المعلومات التي تحصل عليها "يمن شباب نت"، إلى أن أكثر من 150 بئرا (سطحيًا ـ ارتوازيًا)، تم حفرها وضخ المياه منها للسكان خلال سنوات الحرب في مديريات (الخوخة ـ حيس) بمحافظة الحديدة، ومديريات (المخا ـ الوازعية ـ موزع) بمحافظة تعز، من قبل بعض المؤسسات والمبادرات.
 
وتغطي تلك المشاريع احتياجات 130 ألف شخص في المناطق البعيدة، التي تشهد شحا كبيرا في المياه الصالحة للشرب.
 
"بصمات".. شريكة تنمية
 
مؤسسة بصمات للتنمية BDF، كانت الرائدة وصاحبة البصمة الكبيرة في تنفيذ تلك المشاريع التي يقول مدير فرعها في تعز، عبدالحكيم الصلاحي، إن الحاجة الكبيرة لآلاف النازحين في المخيمات والساكنين في القرى النائية إلى الماء هي التي دفعتهم إلى التفكير بتنفيذ تلك المشاريع.
 
وأضاف في حديث لـ "يمن شباب نت"، تم التواصل مع عدد من المؤسسات الشريكة والوسيطة في كلاً من تركيا والكويت وأستراليا وفرنسا، لدعم تكلفة تلك المشاريع وتم تنفيذها بتعاون وبتسهيلات من السلطات المحلية.
 
وأشار "الصلاحي"، إلى المعاناة الكبيرة التي كان يقاسيها سكان المناطق المحرومة في سبيل الحصول على كميات بسيطة من المياه، حيث ينتقل بعضاً منهم 5 كيلو متر لجلب المياه على ظهورهم أو على ظهور الحمير.
 
وأوضح أن "ما ننفذه من مشاريع يأتي من إيماننا كمؤسسة رديفة للمؤسسات الحكومية للدفع بعجلة التنمية في فترة انهيار مؤسسات الدولة جراء الحرب المستمرة في البلاد"، مشيراً إلى أن تلك المشاريع تتم بتنسيق مع السلطات المحلية في الحديدة وتعز وكذلك بالتنسيق مع مكتب شؤون المنظمات في تلك المناطق.
 
وحث "الصلاحي" الجمعيات والمبادرات على التنافس في مثل هذا المشاريع باعتبارها من أعظم الأعمال التطوعية، التي تعيد الحياة لآلاف السكان بالمناطق النائية.
 
مشاريع بكلفة كبيرة
 
تنقسم مشاريع آبار المياه إلى قسمين (سطحية ـ ارتوازية) وهذه التقسيمات تفرضها التضاريس ووفرة المياه في جوف الأرض.
 
ويقول "الصلاحي"، إن الآبار السطحية المنفذة "هي عبارة عن آبار تحفر باليد بدون حفار، ويصل عمقها بين 10 متر إلى 30 متر"، وهذا النوع من الآبار قامت مؤسسة بصمات بتنفيذ 117بئراً منها بكلفة تقديرية 5 آلاف دولار لكل بئر.


 
وإلى جانب البئر يتم بناء خزان خرساني 12 متر مكعب، ونصب منظومة طاقة شمسية تتكون من 4 ألواح شمسية قوة 350 وات، وغطاس وشبكة لرفع الماء من البئر إلى الخزان، فضلا عن مناهل لضخ الماء إلى المستفيدين، وحوض لسقي المواشي.
 
والنوع الثاني من الآبار (ارتوازية) وتم تنفيذ 36 بئراً منها وهي آبار ذات عمق أكبر تصل إلى نحو 70 متراً ويتم حفرها بـ "الحفار"، وبكلفة تقديرية 15 ألف دولار لكل بئر منها.
 
ويشمل المشروع الارتوازي ملحقات مكون من (خزان خرساني سعة ٢٤ متر مكعب، ومنظومة طاقة شمسية بعدد ألواح 18 لوح قوة 350 وات مع غطاس - مناهل - شبكة انابيب ما بين البئر والخزان - حوض لسقي المواشي) حسب الصلاحي.
 
وأشار إلى أنه تم تنفيذ 40% من تلك المشاريع في مديرية الخوخة، و5% في مديرية حيس (جنوبي الحديدة)، و35% في مديرية المخا، و10% في مديرية الوازعية، و10% في مديرية موزع (غربي تعز).
 
ويؤكد أنه وفور الانتهاء من المشروع تقوم المؤسسة بتسليمه إلى لجان مجتمعية تشرف عليه وتقوم على رعايته وصيانته.
 
للمغتربين دور
 
مشاريع المياه التي تقوم بها المؤسسات الخيرية للدفع بعجلة التنمية في تلك المناطق المحرومة سلطت الضوء على حجم المعاناة التي يعيشها أبناء تلك المناطق ودفعت بقرى محرومة إلى إطلاق مناشدات للميسورين بالوصول إلى مناطقهم.
 
مناشدات سكان منطقتي (السماسم) و (القنزية) بمديرية المخا، غربي تعز، سرعان ما وجدت آذاناً صاغية من المغترب اليمني في الولايات المتحدة الأمريكية (مسعد الخنشلي) الذي بادر بنجدة أبناء تلك المنطقتين عبر مشروعي مياه متكاملة نُفذت في فترة قياسية عبر "مبادرة الرحمة" ودخلت في الخدمة خلال الآونة الأخيرة ليستفيد منهما نحو 4500 نسمة.
 
"أحمد هزاع أحمد"، منسق المبادرة، أوضح أن معاناة المواطنين المحرومين من الماء في تلك المناطق لا تكاد توصف في ظل الرطوبة والارتفاع القياسي لدرجة الحرارة.
 
وأضاف في حديث لـ "يمن شباب نت"، أن "غياب المشاريع الحكومية وحرمان أطفال تلك المناطق من التعليم بسبب انشغالهم بجلب الماء من مناطق واسعة في مهمة شاقة تستمر عدة ساعات كل يوم تحت أشعة الشمس الحارقة، أسباب دفعته لإنشاء المبادرة والعمل من خلالها كحلقة وصل بين المستفيدين والداعمين".


 
وأوضح "هزاع" أن المغترب "الخنشلي" استجاب للمناشدة فور التواصل معه في موقف يجسد معاني الأخوة والتآزر بين أبناء الشعب اليمني، وهو موقف لم يكن وليد اللحظة، حيث أن يده البيضاء امتدت إلى فئات وشرائح كثيرة من متضرري الحرب والمحرومين في محافظة تعز خلال السنوات الماضية.
 
وأشار إلى أن المغترب اليمني، يعمل حاليا على التخطيط لتنفيذ مشروع آخر في "سقيا الماء" يستهدف 10 آلاف نسمة يوميا في مدينة تعز.
 
سعادة الأهالي
 
بحجم المعاناة والحرمان كانت سعادة آلاف الأسر المستفيدة من تلك المشاريع التطوعية التي رسمت البسمة على الشفاه وأطلقت الفرحة على محياهم.
 
"هذا البئر يمثل لنا ولأطفالنا حياة نستمد منه استمرارنا بهذه الأرض القاحلة"، تقول (عائشة حسين زعيم) إحدى المستفيدات من أحد المشاريع في منطقة أبو زهر بمديرية الخوخة جنوبي الحديدة.
 
وأضافت: "كنا نأتي بالماء من إحدى المزارع فوق الحمير أو على رؤوسنا، والمزرعة تبعد عن المنطقة ٢ كيلو متر، الان الحمدلله أصبح البئر يتوسط المنازل من كل جهة".
 
أما "سليم على محمد" أحد المستفيدين من مشروع المياه في منطقة "السماسم" فيؤكد أن هذا المشروع سينسيهم سنوات معاناة الطرق الوعرة التي كانوا يقطعونها لجلب المياه.
 
ويضيف: "نحن نعيش الحلم الآن، وبإمكان أطفالنا أن يحملوا الحقيبة المدرسية بدلا عن دبات الماء ويتفرغوا للعلم".
 
ويختم: "هذا المشروع حقق حلمنا وبإمكاننا القول الآن أننا نعيش مثل باقي الناس".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر