"داء الكلب" وباء قاتل يحاصر سكان مدينة تعز وسط شحة الأدوية واللقاحات (تقرير خاص)

"عبدالله منصور" أحد سكان حارة الأسد في حي المسبح بمديرية القاهرة وسط مدينة تعز (جنوب غرب اليمن) توفي مساء أول أيام عيد الأضحى المبارك، متأثرا بإصابته بداء الكلب، ليكون بذلك آخر حالة وفاة مُسجلة جراء الوباء الذي تفشى بشكل كبير في السنوات الأخيرة في مدينة تعز، مع انتشار واسع للكلاب الضالة المسعورة والتي باتت تمثل تهديدا إضافيا لأبناء المدينة وتخلق حصارا للمواطنين على مستوى الشوارع والأزقة.
 
توفي "منصور" بعد أسابيع من المعاناة والبحث عن اللقاح اللازم في المدينة التي تفتقد مستشفياتها الحكومية للأمصال الخاصة بالداء، في ظل شحة كبيرة في أدوية ولقاحات الأوبئة المتفشية في المحافظة والتي تفاقمت مع استمرار الحرب وحصار الحوثيين على المدينة الذي دخل عامه التاسع.
 
ووفقاً لإحصائيات وحدة داء الكلب في المستشفى السويدي للأمومة والطفولة في تعز، فإن ما تم تسجيله خلال ساعات الدوام الرسمية في الفترة من عام 2018م حتى يونيو 2023م، بلغت (2911) حالة (عض) من بينها (15) حالة وفاة.
 
البحث عن اللقاح.. رحلة مُضنية

منذ أن تعرض الفقيد "عبدالله منصور" للعض بعد عيد الفطر المبارك، تنقل من مستشفى لآخر بحثا عن العلاج والمصل لكنه لم يتمكن من الحصول عليه كما يقول نجله الأكبر "رضوان".
 
يضيف في حديث لـ "يمن شباب نت" أن رحلة البحث عن العلاج استمرت لأسابيع دون فائدة، حتى تفاقمت حالته قبيل عيد الأضحى المبارك.
 
وتابع: "حاولت نقله إلى أكثر من مستشفى في المدينة بمافي ذلك مستشفى الثورة العام، لكنهم رفضوا استقباله مراراً وتكراراً".
 
ومضى قائلاً بنبرة حزينة: "في يوم عرفة رفض الأطباء إدخاله إلى العناية المركزة في مستشفى الثورة العام رغم ابداء قدرتنا على دفع كافة التكاليف... قلت لهم قرروا له ابرة، أسعفوه بأي شيء لكنهم مارضوش" بحجة أن حالته في مرحلتها المتأخرة.
 
ووفقا لـ "رضوان" فإن المستشفيات عللّت رفض استقبال والده أن اسعافه تزامن مع إجازة العيد وعدم وجود أطباء مناوبين في حينه.
 
موت "منصور" في وقت لاحق أثار استياءاً كبيراً لدى نجله "رضوان" حيث يعتقد أن موقف الأطباء من والده كان مرتبطا بحالته المادية والاجتماعية.
 
ويصف "حيدر منصور" ـ أخ عبدالله ـ وضع أسرة الفقيد أنها تعيش ظروفاً اقتصادية قاسية، فاقم وفاة أخيه من تردي أوضاعهم كونه العائل الوحيد لأبنائه العشرة، مشيراً في حديثه: إلى أنهم يعيشون في غرفة واحدة في حي الأسد في المسبح قام الفقيد باستئجارها ليقيهم برد الشتاء وحرارة الشمس.
 
توحش الكلاب الضالة في المدينة

لم يكن "منصور" هو الضحية الوحيدة في حارة الأسد بالمسبح فقد تعرض ثلاثة أطفال إلى عضات من ذات الكلب، مما دفع الأهالي لقتله. هذه الحادثة لم تعد فردية أو منحصرة على منطقة معينة، بل أصبحت ظاهرة منتشرة في المدينة. ففي الشهر الماضي تعرضت الطفلة "نهال وهيب" إلى عضة كلب في منطقة جبل جرة وتم اسعافها إلى وحدة داء الكلب، ومع أن اللقاح مجاني للأطفال، لكنها تتأخر عن مواعيده المجدولة بسبب الحالة المادية الصعبة لأسرتها.
 


عمر الشرعبي (15 عاماً) تعرض هو الآخر للعض من كلب حراسة أمريكي في بداية يونيو الماضي، تقول أمه بأنها اشترت إبرة المصل بـ15 الفاً من الصيدلية، وتؤكد أن هذا الكلب قد عض مجموعة من الناس في منطقة الروضة التي تعيش بها، يصل عددهم إلى عشرة أشخاص، بعضهم من أقاربها، حتى قام أحد الاشخاص بقتله.
 
وفيما تنتشر الكلاب، تتصاعد أصوات المواطنين لمطالبة السلطة المحلية ممثلة بصندوق النظافة والتحسين في المحافظة، للقيام بدورها في القضاء على هذه الآفة.

 
شحة الأدوية واللقاحات

تعاني المشافي في تعز من شحة في الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة لإسعاف وانقاذ المواطنين، بالأخص وحدة داء الكلب في مستشفى السويدي للأمومة والطفولة. يقول الطبيب عبده يحيى نائب مدير وحدة داء الكلب، أن الوحدة عادةً ما تقدم المصل واللقاح مجاناً، لكن الجرع المطلوبة لم تصل من وزارة الصحة في عدن منذ عدة أشهر، مما يدفعهم لعدم استقبال الحالات، خصوصاً إن كانت الحالة أكبر من سن 16 عاماً.
 
ويضيف يحيى في حديث لـ "يمن شباب نت": "من يصل إلى الوحدة من الاطفال، نقوم بتعقيم جرحه جيداً بالطريقة الطبية المحددة، ثم نعطيه إبرة الحساسية والمصل، وبعدها نخبره أن يعود بعد يوم لأخذ اللقاح ونعطيه جدولاً مزمناً لأخذ اللقاحات، وبعض الحالات، نطلب منه مراقبة الكلب لمدة 9 أو 10 ايام، للتأكد من عدم اصابته بالسُعار".
 
ويتابع: "نقوم بإحالة الحالات المتضررة بجروح كبيرة ومفتوحة إلى مستشفى الثورة، لأن الوحدة لا تقوم بتعقيم الجرح ومجارحته، لذا يتم تحويل المصابين إلى مستشفى الثورة من أجل تعقيمه وخياطة أطراف الجرح إذا كان كبيراً وإبقاء وسط الجرح مفتوحاً كي يتم قتل الفيروس من خلال التعقيم والمجارحة شبه اليومية".


 
ويُعبّر "يحيى" عن أسفه الشديد، لرد بعض الحالات التي تزيد عن عمر 16 عاماً، وإحالتهم إلى الصيدليات التجارية لشراء المصل وابرة التحسس، كون الكمية المتوفرة قليلة، حصلت عليها الوحدة بعد تبرع منظمة أطباء بلا حدود بـ400 لقاح فقط، من إبر 2.50 CC، تستخدم لشخص وزنه 6 كيلو فقط، أي أن الشخص الاكبر سناً يحتاج الى 16 ابرة، وهذه كمية أكبر مما يستطيع المريض تحمله.
 
ويُشير إلى أن الكثير من الحالات التي تصل المستشفى بعد ساعات الدوام الرسمية، لا يتم رصد أسمائهم ضمن الاحصائيات الداخلية، ولو تم رصد كل الحالات التي تصل لكانت الأرقام مضاعفة عما هي عليه الآن.. مضيفاً: "ولو لم يتكفل المرضى بشراء الدواء اللازم لأنفسهم، لكانت أعداد الوفيات أكثر بكثير من الحالية بسبب عدم توافر اللقاح والمصل في المشفى بكميات مناسبة".
 
وعن أماكن تواجد المصل يشير يحيى أنه لا يباع إلا في المدينة، حول المركز الرئيسي في النقطة الرابعة، وبأسعار كبيرة، تتراوح بين 10 إلى 15 الفاً، وتنعدم الأدوية اللازمة لعلاج داء الكلب الفوري في المناطق البعيدة، كالقرى في المديريات، مما يؤدي إلى انتقالهم لساعات طويلة للوصول إلى قلب المدينة في تعز أو مدينة التربة وغالباً ما يكون المصل غير متوفر مجاناً في كلا فرعي المحافظة.
 
ويري "يحيى" أن أحد الأسباب الهامة لتفشي الوباء هي انتقال الكلاب المسعورة الضالة التي تعيش في خطوط التماس إلى قلب المدينة ناقلة الفيروس عبر عض الكلاب الاخرى، ما يزيد انتشار الوباء في أوساط المدينة وضواحيها، اذ تتغذى على جثث قتلى الحرب، الذين لا يتم أخذهم بسبب طول فترة الاشتباكات، وانتشار القناصة في تلك المناطق بكثرة.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر