بعد نهبها أضحيتهم.. كيف نَحَرت مليشيا الحوثي فرحة الأسرة الفقيرة في اليمن؟ (تقرير خاص)

[ أضاحي في أحد الأسواق اليمنية/ ارشيفية ]

استبشر "محمد عبده" كثيرًا بعد أن أبلغه أحد أصدقائه أنه سيوفر له أضحية العيد، من إحدى المبادرات الخيرية التي تعمل في صنعاء. طلب منه بيانات التواصل كاملة، وأخذ صورة من هويته الشخصية. عاد إلى منزله مبشّرًا زوجته بهذا الخبر السار، الذي أزاح عنه همًا حَمَلَه معه منذ عدة أسابيع.
 
بيد أن فرحة محمد، لم تدم طويلا. إذ أبلغه مسؤول المبادرة فجر عيد الأضحى، وهو حزينًا كسيرًا أن المشروع قد فشل؛ نظرًا لإغلاقه من قبل مليشيا الحوثي، التي نهبت الأضاحي التي كانت مخصصة لعدد من المبادرات الخيرية، ومنها المبادرة التي كانت قد تواصلت به، بغرض اعطائه أضحيته.
 
وحسب مصادر مطلعة لـ"يمن شباب نت"، فقد نهبت مليشيا الحوثي أكثر من 100 ثور، كانت قد اشترتها إحدى المنظمات الدولية، بغرض توزيعها على عدد من المبادرات والمؤسسات الخيرية لتنفيذ مشروع الأضاحي في اليمن، وحرمت آلاف الأسر اليمنية من فرحة الحصول على الأضحية التي اعتادت على استلامها خلال السنوات الماضية.
 
يعمل محمد عبده، 45 عامًا، ويعيل 10 من البنين والبنات، يعمل موظفًا حكوميًا في إحدى المؤسسات بصنعاء، منذ أكثر من 20 عامًا، بات كغيره من آلالاف الموظفين مستحقين للصدقات، بعد أن قامت المليشيا بقطع مرتباتهم، وتحولوا من متصدّقين إلى مستحقين لصدقات الجمعيات والمبادرات التي قامت المليشيا بإغلاقها ونهبها. يقول "محمد"
 
عيد بلا أضحية
 
محمد، واحد من آلاف الموظفين اليمنيين الذين لم يستطيعوا توفير أضحية العيد، بعد أن نهبت المليشيا مرتباتهم، ونهبت أصحياتهم المقدمة لهم من المبادرات الخيرية، والتي كانت توفر لهم ولغيرهم من الأسر المحتاجة خلال فترة الحرب أضاحي العيد.
 
لم يكن "محمد" بأحسن حال من "جميل قاسم" 42 عامًا، موظف في وزارة المغتربين، الذي هو الأخر عجز عن توفير أضحية العيد، نظرًا لعدم استلام مرتباته، وكان بانتظار أضحية العيد من تلك المبادرة الخيرية التي نهبتها المليشيا، وقامت بتحويلها لمقاتليها في الجبهات.
 
يقول المصدر، لقد قامت المليشيا بنهب الثيران التي كانت مخصصة للأسر الفقيرة في اليمن، وقامت بتوزيعها على عدد من المؤسسات التابعة لهم، لتقوم بوزيعها على مقاتليهم في الجبهات، وكذا أسر قتلاهم والجرحى في المنازل، وحرمت الاف الأسر اليمنية من أضحيتها، حيث مرّ العيد على كثير من المنازل وهم بلا اضاحي، بعد أن سرقت المليشيا أضحيتهم.
 
يروى جميل لـ"يمن شباب نت"، معاناته صباح العيد قائلا، "ظللت أتنقل من محل لآخر، أبحث عن اللحمة التي سعرها رخيص، وكان أقل سعر 4000 ريال، ونصف المرتب الذي استلمته لم يتجاوز 30 آلف ريال، اضطررت لشراء 2 كيلو ليوم العيد فقط، بحكم أن أقارب زوجتي سيأتوا لزيارتها..".
 
تنهّد جميل وهو يستعرض شريط حياته التي لم يكن يتخيل أنه سيأتي عليه ظرف كهذا، مؤكدا، أنه كان يحل عليه عشر ذي الحجة ويقطع اجازته السنوية، ويغادر إلى البلاد، يشتري الأضحية، ويقوم بانزالها إلى بلاده في وصاب، ويصوم العشر مع أهله، ويمكث فترة العيد كاملة، ثم يعود، "أما اليوم لا أفكر مجرد التفكير بزيارة البلاد"، يقول جميل.
 
تدمير ممنهج للعمل الخيري
 
محمد، وجميل، نموذجان لوضع اليمنيين قاطبة، بعد أن أصبحت أضحية العيد في اليمن كالحج لمن استطاع اليه سبيلا، وكل يوم يزداد الوضع مأساوية، خصوصًا في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، التي قطعت رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها، وقامت بإغلاق المؤسسات والجمعيات الخيرية التي كانت ترقّع ما مزقته الحرب، وتخفف مأساة الألاف من الأسر الفقيرة.
 
وحسب احصائيات غير رسمية، فإن 128 منظمة وجمعية خيرية تعرضت لانتهاكات من قبل المليشيات، مقدرة خسائرها بأكثر من مليار ونصف المليار دولار، وتشير الإحصائيات إلى أن إجمالي اليتامى الذين كفلوا في جمعيات خيرية محلية أو خارجية أكثر من 200 ألف يتيم.
  
فمنذ انقلابها، بادرت مليشيات الحوثي إلى تدمير مؤسسات العمل الخيري من جمعيات، ومنظمات، وهيئات إغاثية، متسببة بحرمان الآلاف من الأسر الفقيرة والأيتام من المساعدات، فضلا عن شرائح ذوي الاحتياجات الخاصة كالمعوقين، والمكفوفين، ومرضى الثلاسيميا، إضافة إلى النازحين والمتضررين من الانقلاب، من المساعدات التي كانت تقدمها هذه الجمعيات.
 
وتنوعت الانتهاكات التي تعرضت لها الجمعيات الخيرية والعاملون في المجال الخيري على يد الحوثيين، فهم لم يكتفوا بإغلاقها فقط، حيث تنوعت تلك الانتهاكات ما بين احتلال للمقرات، ومطاردة واعتقال المسؤولين والعاملين في تلك الجمعيات، فضلا عن نهب ومصادرة ممتلكاتها ومكاتبها وبياناتها، ومحاربة مصادر تمويلها كرجال الأعمال، والتسبب بتوقف المساعدات الخارجية لها.
 
تفاقم معاناة الأسر الفقيرة 
 
لقد تفاقمت معاناة الأسر الفقيرة في اليمن، بعد إغلاق مليشيا الحوثي للجمعيات والمبادرات الخيرية، ومنعها من مساعدة المحتاجين، خاصة خلال عيد الأضحى، وعدم قدرة الكثير من الأسر على شراء أضحية العيد، وتوفير احتياجاتها الأساسية. يقول موظف سابق في إحدى الجمعيات: "مليشيا الحوثي لا يهمها حال الأسر الفقيرة، وإنما همّها نهب المواطنين تحت مسميات المجهود الحربي وغيره".
 
"لا رحمونا ولا خلوا رحمة الله تنزل" بهذه اللغة الشعبية، يقول عبده المطري 50 عامًا، موظف في السلك العسكري، في إحدى الألوية بصنعاء، مختزلا معاناة المواطنين وتحديدًا الموظفين بعد انقطاع مرتباتهم، وإغلاق المليشيا للجمعيات والمؤسسات الخيرية، مضيفا "لم يعطونا شيء، ولم يدعوا الآخرين يقدمون لنا أي شيء كذلك" في اشارة إلى أضحية العيد.
 
يشير المطري في حديث لـ"يمن شباب نت"، إلى أنه كان في رمضان يحصل على سلال غذائية تكفيه لمدة ثلاثة أشهر، والآن لا مرتب ولا سلة غذائية، وفي عيد الأضحى، اذا لم يكن لديه فلوس، يتصل بإحدى الجمعيات، ويقوموا بتوفير له الأضحية، والذهاب بها إلى منزله، وهو مداوم في عمله، "واليوم خلاص تقفلت علينا من كل الأبواب"، حسب قوله.
  
وهكذا يعيش أغلب المواطنين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة الميلشيات تجويعا ممنهجًا ليبقوا في الحاجة الدائمة، لتستمر المليشيا في النهب والسلب لكل المؤسسات الحكومية والخاصة التي تعمل في المجال الإنساني، لدعم أتباعها من مقاتلين ومشرفين، حيث اقتصرت كل المساعدات الإنسانية الدولية والداخلية لمصالحهم الشخصية، والقيام بربطها بجبهاتهم القتالية، لتسرق اللقمة من أفواه الجائعين، وتنحر الفرحة في وجه الأسر الفقيرة والمحتاجة.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر