"قبعات تهامة".. إرث يمني عريق يوشك أن يندثر! (تقرير خاص)

[ تصنع الكوافي من لحاء شجرة الخيزران المتواجدة في بعض مناطق تهامة / يمن شباب نت ]

 تتشبث كثير من الأسر اليمنية في الساحل التهامي بمحافظة الحديدة (غرب البلاد) بالحرف التقليدية والمصنوعات اليدوية كالكوافي الخيزران، والمعاشر، والمصارف، والظلة كموروث شعبي يصعب التخلي عنه رغم تراجع الطلب والدخل المحدود لصناعها.
 
ففي مدينة زبيد تتجه ام محمد (30 عاما)  مع نجلها صوب وديان النخيل والدوم لإعداد مهمتها الأولى في جلب السعف وتجهيزه فوق إحدى دوابها (الحمير) ليتم نقلها إلى المنزل الذي يبعد عن الوادي نصف كيلو متر تقريبا.
 
تقول أم محمد لـ"يمن شباب نت": "نحن نعتمد على حرفة الحصير وإعداد المشغولات اليدوية منذ كنت طفلة مع والدي في مديرية الزيدية ومازلت متمسكة بمهنتي حتى الآن".
 
تمثل المصنوعات اليدوية جزءا مهما في حياة المواطن اليمني التهامي، فيما تعتبر المشغولات الزراعية  كالمصارف، والظلة، والمهجان، أدوات ضرورية لا غنى عنها ولا يمكن استبدالها بأدوات حديثة نتيجة لطبيعة المنطقة شديدة الحرارة والذي قد تتسبب بإتلاف المحاصيل.
 
وتتفاوت ما تجنيه أم محمد جراء إعدادها وصناعتها وفقا لحجم ونوع ووقت الطلب. ففي موسم الزراعة تحصل مع ابنها على مبلغ يصل من 5 ألف الى 8 الف ريال يمني( العملة القديمة)  في اليوم والواحد فيما يقل دخلها في غير الموسم نتيجة لانخفاض الطلب.
 
تتقن هذه المرأة إعداد كافة المصنوعات التقليدية التهامية ابتداء من المصرفة الذي تستخدم لتقديم الطعام وانتهاء بالكوافي الخيزران والتي تعتبر الأصعب والأقل ربحا وطلبا خلال الثمانية الأعوام الأخير.
 
إرث ثقافي
 
تميز سكان الساحل التهامي منذ القدم بارتداء الكوافي التي تغطي الرأس بأشكال وأحجام مختلفة، منها تستخدم أثناء الزراعة والتسوق وأنواع أخرى للمناسبات والأعراس.
 
ويعتبر التهاميون الكوافي بأنواعها إرثا ثقافيا عريقا يرمز الى أصالة المواطن التهامي وارتباطه بماضيه وتجسيدا لعلاقته بأرضه وعاداته وتقاليده.
 
وتصنع كوافي الخيزران من لحاء شجرة الخيزران المتواجدة في بعض مناطق تهامة، فيما كانت تستورد قديما من المملكة العربية السعودية ودول أخرى.


 
ويتوارث الوجهاء والشخصيات الاجتماعية في الساحل التهامي التزين بكوافي الخيزران منذ ( 35 هجرية ) حيث تشير بعض المصادر التاريخية الى فترة حكم المخلاف السليماني حاكم المناطق التهامية حينها.
 
وقال عبد الرزاق الأهدل لـ"يمن شباب نت" إن "كوافي الخيزران تعد إحدى الركائز الأساسية في الزي التهامي حيث يتزين بها العريس والحاضرين في جميع المناسبات الدينية والاجتماعية".
 
 وكغيرها من الحرف اليدوية التقليدية تأثرت صناعة كوافي الخيزران بشكل ملحوظ جراء الحرب التي تشهدها البلاد منذ مطلع 2015 م  ونزوح مئات الأسر من مناطق تهامة هربا من بطش مليشيات الحوثي التي تسيطر على مدينة الحديدة وأجزاء واسعة من ريفها.
 
وأرجع الأهدل سبب تدهور صناعة الكوافي الخيزران الى ندرة الأدوات المستخدمة والخبرة والجهد الكبيرين لتجهيزها بالشكل المطلوب من جهة وارتفاع أسعارها وعدم قدرة البعض على اقتنائها نتيجة الفاقة من جهة أخرى.
 
وتتطلب صناعة كوافي الخيزران أياد ماهرة وخبرة فائقة وجهد كبير مما يرفع من أسعارها والذي يصل إلى ما يزيد عن 30 ألف ريال يمني ( عملة قديمة = 50دولار ) وفقا لأحد العاملين.
 
وليس من الصعب معرفة أجود أنواع الخيزران فكلما كانت الكوفية لينة ولونها مائل للون الأحمر وخيطها دقيق مزينة بخيوط سوداء كلما زاد جمال مرتديها.
 
الظلة
 
ومن أنواع الكوافي ما تسمى" الظلة "مصنوعة من سعف النخيل يستخدمها الرجال والنساء بهدف الحماية من أشعة الشمس يصل سعر الظلة ما بين 2000 إلى 4 الف ريال يمني ( العملة القديمة).
 
ورغم أن القبعات الزراعية مصنوعة من سعف النخيل إلا أن للظلة النسائية ميزة إضافية حيث يزين جانبيها الدائري خطين متقاربين "الأحمر والأسود " كإشارة إلى أن من يرتديها من النساء مرتبطة "مخطوبة " او متزوجة.
 
مخاوف الاندثار
 
تحافظ كثير من دول العالم على موروثها الشعبي والثقافي من خلال دعمها المتواصل لأصحاب الحرف والأيادي العاملة وتبني رؤى حكومية لتطوير وترويج منتجاتها للعالم.
 
لكن الأمر مختلف في اليمن؛ فبعض المهن والمصنوعات التقليدية رغم أهميتها وقدمها أندثرت، فيما توشك كوافي الخيزران هي الأخرى على الاندثار دون الالتفات من قبل الجهات المعنية للأيدي العاملة ومساعدتها على الصمود في وجه التحديات.
 
في حديث لـ"يمن شباب نت"، يتسأل نجيب الملحاني عن سبب غياب كوافي الخيزران داخل أسواق صنعاء القديمة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة فيما كانت متواجدة من قبل، وبحسرة يخشى من اندثارها وغيابها عن التراث اليمني رغم أهميتها وعراقتها؟.
 
ولتفادي الاندثار يرى عبدالاله البحري أحد العاملين في المشغولات اليدوية، ضرورة الاهتمام بصانعي الكوافي والحصير كتراث، وإقامة الدورات التدريبية لمواكبة التطورات وترويجها كسلع حديثة قابلة للاستخدام وكارث ثقافي يمني رافد للاقتصاد المحلي.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر