تصعيد وتلويح بـ"الإدارة الذاتية".. ما وراء هجوم المجلس الانتقالي على الحكومة اليمنية؟ (تقرير خاص)

[ المجلس الانتقالي يهاجم الحكومة التي هو جزء منها / رويترز ]

 هاجم المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، الحكومة اليمنية ورئيسها معين عبد الملك، بعد يومين من هجوم مماثل شنّه نائب رئيس المجلس، وعضو المجلس الرئاسي، أبو زرعة عبد الرحمن المحرمي، على رئيس الحكومة بذريعة تردي وتدهور الأوضاع.
 
وترافق الهجوم مع تصعيد جديد لـ"الانتقالي" بدأه بمنع تسليم إيرادات عدن إلى البنك المركزي اليمني، ملوحاً بالتوجه نحو "إدارة الذاتية" من قبله على خلفية ما قال إنه التطورات الكارثية الخطيرة في الجنوب التي بسبب الحكومة ورئيسها ومن سمّاها "منظومات الفساد".
 
وقال بيان صادر عن هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، مساء أمس الثلاثاء، إن تدهور وتردي الأوضاع "لم تعد تحتمل في الجنوب" على مختلف الأصعدة، لا سيما مع التطورات المتسارعة خدماتياً إنسانياً وأمنياً وعسكرياً.
 
واعتبر البيان أن الأوضاع الراهنة أنتجتها من قال عنها "حكومة لا تشعر ورئيسها بأدنى شعور بالمسؤولية، رغم أنه قد سبق وتم توصيف وشرح ذلك مرات كثيرة"، ملوحا بعودة "الإدارة الذاتية للجنوب" والتي بدأت بعض بوادرها من عدن.
 
وأكد الانتقالي المدعوم إماراتيا، أن تصعيده هذا "ينطلق من أدبيات وأسس ووثائق المجلس للتأكيد اليوم بكل وضوح وشفافية بأن إدارة الجنوب من قبل أبنائه بشراكة وطنية وفق ما جاء بالميثاق الوطني الذي أطلقه الشهر الماضي"، داعيا قواته إلى التأهب والاستعداد للتطورات المحتملة.
 
واعتبر أن ذلك أيضاً "ضمن شراكة انتقلت من القول إلى الفعل وتتطلبها ظروف المرحلة الخطيرة"، مشيدا بقرار محافظ عدن أحمد لمليس بوقف توريد الإيرادات إلى البنك المركزي، ودعا محافظي المناطق الجنوبية إلى اتخاذ قرارات مماثلة.
 
مصالح شخصية
 
كان المجلس الانتقالي الانفصالي قد بدأ تصعيده بداية الأسبوع الحالي إعلامياً ثم من خلال هجوم نائب رئيس المجلس الانتقالي، عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، أبو زرعة عبد الرحمن المحرمي، على الحكومة ورئيسها بطريقة وصفت بالاستفزازية ومحاولة ابتزاز.
 
وقال المحرمي في تصريحات تداولتها وسائل إعلام الانتقالي قبل يوم، إن رئيس الحكومة "يعمل بلا حس وطني"، ولا ينفذ ما يطلب منه، متهما إياه بالفشل في إدارة العديد من الملفات، وتدهور الأوضاع بشكل كبير وعودة انهيار العملة المتسارع.
 
في ظل هذا التصعيد، قال مجلس الوزراء خلال اجتماع استثنائي، الإثنين الماضي، إن "إنقاذ البلاد مناط بتوحد الصف والجهود وتجاوز الأهداف الخاصة في سبيل المصلحة الوطنية الجامعة"، مؤكدا أن كل خيار أخر لن يحل الأوضاع بقدر ما يزيد من تعقيدها.
 
وأوضح أن "المسالة ليست مجرد رمي المسؤولية فقط على الحكومة للتنصل عن الواجبات المفترض على الجميع القيام بها، خاصة مع المعرفة الكاملة للوضع الذي تعيشه المالية العامة للدولة، نظرا لتراجع الإيرادات جراء توقف تصدير النفط الخام والحرب الاقتصادية التي تشنها مليشيا الحوثي الإرهابية وتستهدف الشعب اليمني بأكمله دون استثناء".
 
ولفت مجلس الوزراء، إلى المسؤولية المشتركة بين الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي في ظل هذه الأوضاع الصعبة، والتفهم الكامل لما يعانيه المواطنين جراء هذه الأوضاع والعمل بكل الوسائل والامكانيات لحلها.
 
في السياق أبدى الكاتب الصحفي غمدان اليوسفي، استغرابه من حديث "المحرمي"، وقال: "شخص في أعلى هرم السلطة يوجه مثل هذه الاتهامات لرئيس الحكومة وكأنه لا يوجد تواصل بين قيادات الدولة وكانه لا يوجد رئيس ومرؤوس وإدارات تجتمع وتلتقي وتناقش... هذا أمر غريب".
 
وأضاف اليوسفي، لـ"يمن شباب نت"، إن "هجوم المحرمي أو غيره ضد الحكومة ليس فيه أي نوع من الهم الوطني الذي بالفعل ينعكس على المواطن.. كل هذه مصالح شخصية".
 
وتابع: "كل شخص بالمجلس الرئاسي يوجه اللوم للحكومة في محور من المحاور وكأن الجميع متفرغين فقط لنقد رئيس الحكومة أو الحكومة وهم فقط متأملين ومشاهدين فقط.. أعضاء في مجلس القيادة يصارعون اليوم على مهام بعض الوزراء".
 
وأشار الصحفي اليوسفي، إلى أن "منذ دخل المجلس الرئاسي والجميع يصارع على حقائب الخارجية والجميع يصارع الآن على حقائب الحكومة، وعلى الذبيحة التي سيتم التضحية فيها التي هي الحكومة ليتم بعد ذلك الصراع على هذه الجثة وتقسيمها وسلخها".
 
خلل في السلطة
 
من جانبه اعتبر الدبلوماسي اليمني السابق مصطفى النعمان، أن هجوم المحرمي، على رئيس الحكومة هو "جهل بالعمل المؤسسي، ولا يليق سياسيا".
 
وقال النعمان، في حديث لقناة "يمن شباب"، إن "ما قاله الشيخ المحرمي، يشير أن إلى أن هناك شيء خطأ في إدارة المشهد السياسي كاملا في اليمن منذ 7 أبريل إلى اليوم (أي منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل من العام الماضي).
 
وأوضح أن المشهد في البلد كان مرتبكا من قبل وزاد ارتكابا من بعد سبعة أبريل، متسائلا: "كيف يليق بعضو في مجلس القيادة الرئاسي الذي هو المفروض أن يمثل سيادة الدولة ويمثل القرار السياسي، أن يتوجه بنقده لرئيس مجلس الوزراء عبر وسائل الإعلام؟.
 
وتابع: "كان يستطيع (المحرمي، أن يستدعي رئيس الوزراء إلى مكتبه أو يتصل به أو يطلب من رئيس مجلس القيادة الرئاسي أن ينعقد المجلس لمسائلة رئيس الوزراء عما يصفه أنه اخلال بالوظيفة العامة".
 
لكن النعمان عاد وأكد أن هذه المشكلة افتعلت بهدف تغيير رئيس الحكومة، وقال: "أنا أعلم علم اليقين أن المشكلة هذه افتعلت بلسان الشيخ عبدالرحمن المحرمي، لتغيير رئيس الحكومة.
 
وفي هذا السياق يؤكد الصحفي اليوسفي، أن "مؤسسات الدولة بشكل عام بحاجة لإصلاح، سوى بالحكومة أو في الرئاسة، لا يلتقي أعضاء مجلس الرئاسة لا يناقشون، هؤلاء اصبحوا كل شخص جزيرة منعزلة لوحدة وكل شخص يبني مصالحه الشخصية".
 
هروب من تحمل المسؤولية
 
يرى سياسيون بأن تصعيد الانتقالي ضد الحكومة التي هو جزء منها، هو محاولة للهروب والتنصل عن تحمل المسؤولية نتيجة الغضب الشعبي بسبب تردي الأوضاع والخدمات خصوصا أزمة انقطاع الكهرباء في عدن، فضلا عن تطور الصراع القائم بين السعودية والإمارات على النفوذ والسيطرة في اليمن.
 
وتشهد العاصمة المؤقتة انهيارا في منظومة الكهرباء حيث ارتفعت ساعات انقطاع الخدمة وصلت إلى  18 ساعة في اليوم جراء نفاد الوقود وتوقف منحة المشتقات النفطية السعودية وعجز الحكومة عن توفير الوقود بشكل دوري ومستقر.
 
وفي ظل أزمة الكهرباء في عدن، واتهامات المجلس الانتقالي لرئيس الحكومة بالتنصل عن المسؤولية؛ كشفت وثيقة صادرة عن الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد عن تورط محافظ عدن أحمد لملس بقضية فساد متعلقة الكهرباء.
 
وطالبت الهيئة الوطنية في مذكرتها "لملس" بالكشف عن مصير سبعة ملايين دولار أمريكي تم التصرف بها لصالح شركة أجنبية مقابل توريدها مولدات كهربائية، وهو الأمر الذي لم يتم رغم مرور عام على توقيع الاتفاقية.
 
وأوضحت الهيئة في مذكرة، أن المبلغ (7 مليون دولار)، صُرف لشركة بريزم انتريواس وهو من أصل مبلغ التعاقد مع الشركة التي من جانبها تعهدت بتوفير مولدات كهربائية على متن باخرة عائمة في صيف العام 2022، مشيرة إلى أن الباخرة المذكورة لم تصل ولم توفر الطاقة المستأجرة المدفوع جزء من ثمنها والذي لم يتم إرجاعه.
 
وفي هذا الإطار، قال الصحفي اليوسفي في حديثه لـ"يمن شباب نت" إن نائب رئيس الانتقالي "المحرمي" يقود قوات عسكرية ولديه ميزانية من دول خارجية وفي الوقت ذاته يقوم بجباية أموال من المسافرين ومن التجار عبر قواته المنتشرة هنا وهناك، مؤكد أن هذه الأموال لا تورد للحكومة".
 
كما أكد أن "قيادات المجلس الانتقالي تجبي مبالغ من المحلات التجارية في عدن وأبين وغيرها من المناطق، وتذهب إلى قيادات الانتقالي وليس إلى الحكومة، لافتا إلى أن هذه الأموال تقدر بالمليارات ممكن أن تساهم بجزء كبير إن لم تكن هي من ستحل مشكلة الكهرباء في محافظة عدن.
 
وتؤكد المصادر الحكومية، أن إيرادات محافظة عدن التي تقدر بالمليارات لا تورد إلى البنك المركزي اليمني، وإنما تذهب إلى حسابات تابعة لقيادات المجلس الانتقالي الانفصالي وقيادات التشكيلات العسكرية التابعة له في عدد من البنوك والمصارف، وما قرار "لملس"، إلا محاولة لذر الرماد على العيون.
 
صراع سعودي إماراتي
 
أرجع مراقبون يمنيون تصعيد الانتقالي ضد الحكومة التي هو جزء منها، إلى تطور الصراع القائم بين السعودية والإمارات على النفوذ في اليمن، خاصة مع التحركات الأخيرة للرياض في عدن وحضرموت.
 
وقال مصدر سياسي جنوبي مطلع لـ"يمن شباب نت"، إن "تصعيد الانتقالي في عدن ليس له أي صلة بتردي الوضع المعيشي والخدمي ولا بقضية الجنوب ولا باستعادة الدولة"، مشرا إلى توافد قوات درع الوطن المدعومة سعوديا بشكل كبير خلال الفترة القليلة الماضية وتسلمها مقرها الجديد في معسكر الغزل والنسيج في عدن.
 
وأوضح أن "المجلس الانتقالي مسكون بمخاوف تجاه كل ما هو سعودي او مدعوما من الرياض.. يصعد الانتقالي ضد المجلس الرئاسي والحكومة ودرع الوطن، بعد تنصله من اتفاق الرياض، فهو يحاول القفز إلى الأمام بتوجيه من أبوظبي لعرقلة أي توجه لتنفيذ الاتفاق الذي ينص على إخراج قواته من العاصمة المؤقتة".
 
بالتزامن مع أنباء وصول آليات عسكرية لقوات درع الوطن؛ قال مختار الرحبي مستشار وزير الإعلام اليمني، إن "السعودية تعمل على إحداث توازن للقوى في عدن" الخاضعة كليا لقوات الانتقالي المدعومة من الإمارات.
 
ولفت الرحبي في تغريدة على "تويتر"، إلى أن الرياض تدعم قوات درع الوطن بالسلاح والتدريب وانتظام استلام الرواتب لتكون قوات يمكن الاعتماد عليها ضد أي خطوات جنونية قد يقوم بها عيدروس الزبيدي ومليشياته في عدن وباقي محافظات جنوب اليمن.
 
وأضاف، "نثق أن السعودية لا يمكن أن تكون جزء من مخططات تمزيق اليمن لان ذلك سيكون مهددا لها  وللأمن  القومي السعودي والخليجي"، على حد تعبيره.
 
وبالأمس غرد الصحفي السعودي عبدالله آل هتيلة بالقول:" أم الكوارث.. يسوّقون انفصال الحوثي ويعترفون بتشكيله دولة مستقلة.. لماذا؟!، مضيفا: الحوثيون ينتظرون من المسوّقين تقديم أثمن هدية.. فمتى تُعلن ليغني كلٌ على ليلاه وتضيع الطاسة، وتتبخر الأحلام والتطلعات ويذهب الجميع للمجهول!.

واختتم الصحفي السعودي تغريدته قائلا: "من يستمع للأغبياء وينساق خلفهم سيرتكب خطيئة بحق الأزمة اليمنية، وسيشعل ناراً لا ندري كيف سيتم إخمادها، وعليه تحمل كامل تبعاتها الأمنية والإنسانية".
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر