"هذا زمان للتعاسة والكآبةْ".. اليمنيون يودّعون بالدموع فقيد الوطن عبد العزيز المقالح في صنعاء

[ مشيعون لجثمان فقيد اليمن عبد العزيز المقالح بمقبرة خزيمة بصنعاء الثلاثاء 29 نوفمبر 2022 (فاروق الشعراني) ]

"هذا زمان للتعاسة ِ والكآبةْ. لم يترك الشيطانُ فيهِ مساحةً للضوء"، هكذا أعلن اعتراضه الأخير شاعر اليمن الكبير عبد العزيز المقالح، عن زمن ربما لم يكن يتخيله في صنعاء، قبل أن يدفن جثمانه ظهر اليوم الثلاثاء في العاصمة صنعاء، ليستريح من زمن الكآبة والذي صنعه الشيطان.

وشيعت جموع غفيرة من المواطنين، ظهر اليوم الثلاثاء 29 نوفمبر/ تشرين 2022 م، بالدموع والدعاء جثمان فقيد الوطن الراحل عبدالعزيز المقالح إلى مقبرة خزيمة عقب الصلاة عليه بمسجد الخير بشارع مجاهد وسط العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
 
وسبق تشييع شاعر اليمن الكبير الراحل "المقالح" دعوات أطلقها ناشطون وصحافيون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي لسكان العاصمة المحتلة بالخروج والاحتشاد كجزء من الوفاء للشاعر الكبير الذي ظل وفياً لمبادئه ونضاله الجمهوري حتى وفاته.
 
وتوفي شاعر اليمن الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح، صباح يوم أمس الاثنين في العاصمة اليمنية صنعاء الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران عن عمر ناهز 86 عاماً بعد مسيرة حياة حافلة بالعطاء الوطني والأكاديمي والابداع الشعري والادبي والفكري والثقافي امتدت لأكثر من خمسة عقود من الزمن.


ودع الراحل المقالح الجميع وذهب إلى مستقره الأبدي، بعد ان عاش عقود من التحولات الوطنية ربما أبرزها ثورة 26 سبتمبر 1963، وصولاً إلى الحرب التي تعيشها البلاد للعام الثامن على التوالي، ورغم ذلك كان المقالح حاضراً في التعبير عن ما يعيشة والفوضى التي تعيشها صنعاء، ففي آخر قصائدة الشعرية، كتب قصيدة قال فيها:

أنا ليس لي وطنٌ
أفاخر باسمهِ
وأقول حين أراه:
فليحيا الوطنْ .
وطني هو الكلماتُ
والذكرى
وبعضٌ من مرارات الشجنْ
باعوه للمستثمرين وللصوص
وللحروبِ
ومشت على أشلائهِ
زمرُ المناصب والمذاهب
والفتن

 


تشييع شعبي حفاظاً على سيرته الجمهورية

وفي وقت سابق رفضت أسرة الفقيد المقالح طلب ميلشيات الحوثي بتشييع جثمان فقيد اليمن عبر مراسيم تُشرف عليها سلطات الجماعة، وأكدت الأسرة اكتفاءها بالشييع الشعبي.
 
وقال القيادي محمد علي الحوثي - في تغريدة له على موقع تويتر - "بخصوص تشييع الدكتور عبدالعزيز المقالح:"قد عرضت على أسرته أننا جاهزون للتشييع الرسمي إن احبوا ولكن كان لدى أسرته راي آخر"، في إشارة إلى رفض أسرة الفقيد مشاركة الميليشيا في تشييع فقيد الوطن.
 
وعلق الصحافي سلمان المقرمي على رفض أسرة المقالح تشييع الحوثيين له في تدوينة له على موقع تويتر قائلاً: "مزق المقالح رحمة الله تغشاه، وجه الإمامة حتى في جنازته، وقد صار ميتا، ورفض إشراك الإمامة في تشييع جثمانه، باعتراف محمد علي الحوثي".
 
من جانبه قال الشاعر عامر السعيدي: "اكتفت أسرة الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح بالتشييع الشعبي حفاظا على طهارة سيرته الجمهورية والمبادئ التي عاش لها الراحل".
 
وأضاف في منشور له على موقع "فيسبوك"، "هذا التنزيه لمقام المقالح يلزم كل يمني قادر على حضور التشييع أن يحضر كواجب وفاء لواحد من أعظم رموز اليمن".
 

سيرة حافلة بالعلم والمعرفة
 

ولد الفقيد المقالح في قرية المقالح مديرية السدة محافظة إب في العام 1937م، حيث تعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى صنعاء، ودرس فيها على يد كبار علمائها، ليتخرج في العام 1960م من دار المعلمين بصنعاء، ثم غادر إلى جمهورية مصر العربية، وواصل تعليمه الجامعي والأكاديمي فيها، حيث حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة عين شمس عام 1977م، وترقى بعدها إلى الأستاذية.
 
وأصدر الفقيد المقالح أكثر من ثلاثين كتاباً، بين مجموعات شعرية ونصوص أدبية ونقدية، كان من آخرها "بالقرب من حدائق طاغور" (دار الانتشار، 2018) و"ذاكرة المعاني" (دائرة الثقافة بالشارقة، 2018)، وعُرف كشخصية ثقافية وسياسية، إذ شغل مناصب عديدة، مثل رئاسته لنحو عقدين لـ"جامعة صنعاء" (1982 ـ 2001)، وكذلك لـ"المجمع العلمي اللغوي اليمني"، وعمله مستشاراً ثقافياً للرئاسة اليمنية، إلى جانب مناصب أُخرى على المستوى اليمني أو العربي.
 




الرحيل الحزين
 
وفاة المقالح أحزن الكثير من اليمنيين في الداخل والخارج إذ نعى سياسيون وأدباء ومفكرون يمنيون وعرب شاعر اليمن وأديبها الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح الذي توفي أمس الاثنين بالعاصمة اليمنية صنعاء.
 
ونعت وزارة الإعلام والثقافة والسياحة، إلى الشعب اليمني والأوساط الثقافية العربية، أديبُ اليمن الأكبر المناضل الأستاذ الدكتور المقالح الذي وافاه الاجل، بعد حياة حافلة بالعطاء قضاها في التحصيل العلمي والعملي.
 
وقالت الوزارة في بيان النعي: "في لحظة متشحة بالسواد، وظرف متلبس بالظلمة، ووطننا اليمني الحبيب يمرُّ بأصعبِ مُنحنياته التاريخية، يغادر دنيانا هذه الهامة الفكرية والأدبية السامقة الدكتور عبدالعزيز المقالح".
 
وأشارت إلى أن المقالح خلد اسمه عميقاً في التاريخ بإنجازاته الكبيرة والمتنوعة، وقد انتمى إلى اليمن فكراً وروحاً وهوية، مخلفاً آلاف التلاميذ الأوفياء الذين يواصلون مسيرته اليوم في مختلف مناطق اليمن، كما هو الشأن مع صديقه ورفيق دربه الأديب والشاعر الكبير عبدالله البردوني".
 
وأوضح البيان أن الفقيد جمع بين الأصالة والمعاصرة في مذهبه الشعري فيوقت مبكر، ولهذا كُتبت عنه العشراتُ من الدراسات الأكاديمية وغير الأكاديمية التي تناولت إبداعه الأدبي والشعري خلالَ مسيرته العلمية.
 
وقال البيان "نظرًا لعطائه المعرفي الكبير فقد حصل المقالح أباً المثقفين، وملهم الأجيال، ورائد الأدباء والشعراء، منوهاً ان الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح، حصل على العديد من الجوائز والأوسمة المحلية والعربية والدولية".
 
من جانبه قال الكاتب والسياسي اليمني مصطفى ناجي: "مات الدكتور عبد العزيز المقالح ونحن اليمنيين في أسوأ لحظة؛ ممزقون في ضمائرنا، في مشاعرنا واشتات في الحلم والتطلع. لحظة لا نستطيع ان نذهب فيها إلى عزائنا هذا وكأنه الحزن الكبير الوحيد الأول، مجرد حزن على أحزان يفيض بالمكان وتتوزع هيبته بين أشلاء البلاد واجساد اليمنيين المتباعدة.
 


وأضاف ناجي في تدوينة له على موقع تويتر: " كان المقالح وهو الفرد العلم والعالم والعالِم ذخيرتنا الأخيرة من التأسيي وذخرنا المدخر في مواجهة هذا التضخم من الخيبات والتلطخ والسقوط. كان رافعتنا اللامرئية نحو الأعالي وشهادة اقتدار جمعية أمام شماتة (الاعدقاء)، صلتنا بسبتمبر وحبلنا السري المباشر بأكسجين الحكمة وعفة اللسان".
 
وأردف: "ينثني الحزن في جوفي طية تلو اخرى ويتضاعف من دفقات المنفى وغربة الارض واللسان، يتضاعف لان رجلاً بحجم عبد العزيز المقالح مات وليس لنا بلاد ولا دولة تلملم حزننا وتؤبنه باسم الشعب دون تدنيس ولا سمسرة.
 
واعتبر نقيب الصحفيين اليمنيين الاسبق، عبد الباري طاهر رحيل الدكتور عبد العزيز المقالح "فاجعة وخسارة كبيرة".
وقال "مات أديب اليمن شاعرها وكبيرها، الشاعر الرائد الذي ما انحنى، قارع بقلمه وبمسلكه وبابداعه الشعري والنقدي والادبي ازمنة الطغيان والقهر".
 
وأكد بأن الشاعر المقالح أفنى أزهى سنوات عمره في الإحياء الادبي وفي التجديد الشعري وفي التعليم وتقديم المثل الاعلى سلوكا وتواضعا وزهدا.
 
وأورد السياسي والدبلوماسي اليمني البارز الدكتور ياسين سعيد نعمان في منشور على حسابه في فيسبوك ابياتا من شعر الدكتور المقالح يقول فيها: "سنظل نحفر في الجدار إما تركنا ثغرة للنور .. أومتنا على ظهر الجدار !!!".
 
وأضاف "بيت من الشعر اختزل فيه عبد العزيز المقالح حياة اليمن واليمنيين، وحياته كملهم لأمة حبست أنفاسها فوق جدار السد العظيم تفتش عن مسار يوصلها بالعصر".
 
وأردف: "حينما رآها تموت انتحاراً، وقد تشقق الجدار بالعرض والطول، قرر أن يرحل قبل أن يرى السد ينهار مرة أخرى".

وكتب وزير الثقافة الاسبق خالد الرويشان" مات الدكتور عبدالعزيز المقالح! لم يمت لوحده.. مت أنا أيضاً.. كنا نموتُ معاً.. ماتت بلادٌ .. مات عصرٌ من الشعر وزمانٌ من أحلام وإبداع شعبٍ بكامله.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر