كيف تفتعل ميليشيات الحوثي أزمة الغاز المنزلي للتربح وإذلال الناس؟ (تقرير خاص)

بات الحصول على أسطوانة من الغاز المنزلي في المناطق الخاضعة لمليشيات الحوثي المدعومة من إيران؛ مهمة عسيرة، ورحلة طويلة وشاقة تبدأ مع حلول النهار وتمتد حتى ساعات الليل، وقد تطول لتصل لأيام وأسابيع.
 
ظل المواطن (ق ـ س ) وهو أحد سكان صنعاء، يبحث عن أسطوانة غاز لأكثر من أسبوع لدى عاقل الحارة المسؤول عن التوزيع لكن دون جدوى، وبعد أن أرهقه التعب وطول التردد على بيت العاقل، اضطر إلى التوجه نحو السوق السوداء كخيار بديل لكن سعرها كان يفوق قدرته الشرائية فعاد خالي الوفاض.
 
تستقبل صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لمليشيات الحوثي كميات كبيرة من الغاز المنزلي من محافظة مأرب بشكل يومي، بسعر 1700 ريال للأسطوانة الواحدة، فيما تعرضها المليشيا بالسوق الرسمية بقيمة سبعة آلاف ريال، لكن معظم الكميات تذهب إلى السوق السوداء التي تديرها قيادات الحوثية.
 
وتفتعل مليشيات الحوثي الأزمات ومن ضمنها أزمة الغاز المنزلي وتستخدمها للتربح وجني أموال طائلة لتمويل مجهودها الحربي على حساب معاناة المواطنين، بالإضافة للتحكم بحياة الناس وإشغالهم بالبحث عن الاحتياجات الأساسية.
 

تمييز وإذلال
 
كأي مواطن يعيش تحت حكم المليشيات الحوثية، ينام المواطن (ق-س) بعد يوم كامل من البحث في السوق السوداء عن الغاز لأنه ومنذ أسبوع كامل لم يستطع توفير قيمة الأسطوانة الغاز البالغ سعرها ١٦الف ريال فنام ليلته تلك دون وجبة العشاء.
 
ومع بدايات ساعات الفجر الأولى يذهب للبحث مجددا، ما أن وصل إلى محيط منزل عاقل الحارة - المكان المحدد لتوزيع الغاز- حتى وجد طوابير طويلة، خليط من النساء والأطفال وكبار السن ومن الشباب أيضا، أخذ مكانه في الطابور في انتظار حصته من الغاز.
 
ومع استقبال الأسطوانات الفارغة بدأ يظهر أصناف من الناس لم يكونوا متواجدين في الطابور لكنهم ينتمون إلى الأسر الهاشمية، يتوجهون مباشرة الى زبانية العاقل ويتم تسجيل أسمائهم وأخذ أسطواناتهم بيسر وسهولة ومن دون عناء بينما يقف المواطنين في طوابير طويلة وإذا عبر أحدهم انزعاجه من الموقف يتم حرمانه من الحصول على أسطوانة.


 
بدأت الأمور تسوء أكثر فأكثر فمن لدية قرابة مع العاقل أو هو من تطلق عليهم المليشيا الأولياء (أي الموالين لها) لا يحتاجون الى بقاء في الطابور وإنما يتوجهون مباشرة لتسجيل الاسم وتسليم الأسطوانة ويذهبون، وفق المواطن(ق-س).
 
وقال لـ"يمن شباب نت"، "بينما كنا في الطابور جاء مشرف المربع الحوثي وتكلم مع العاقل بكلام حلو منمق يهدف بذلك إلى تحسين الصورة وامتصاص غضب المتواجدين الذين تمتلئ قلوبها مقتا وغيضا ويعرف ذلك من نظراتهم لكنهم لا يجرؤن على البوح، ثم سلم العاقل ثلاث أسطوانات وركب سيارته وذهب".
 
على الطابور يقف الكثير من النسوة وبأعمار مختلفة كما هو الحال مع الرجال، فلا فرق هنا والكل يأخذ مكانه من غير تمييز بين رجل أو امرأة أو صغير أو شاب أو شيخ كبير.
 
وأضاف، "بعد أن وصلت إلى زبانية العاقل واعطيتهم الاسم والاسطوانة، تفاجئت بأن اسمي غير موجود في الكشف ومع طول الانتظار والازدحام الشديد بدأت أصرخ (ما يكفيكم أجلس منتظر من قبل الفجر والآن تقولوا مابش اسم والغاز تتجملوا به للمطاعم وأصحابكم واحنا مابش لنا)".
 
وتابع، "عندما سمع أحد زبانية العاقل هذا الكلام توجه نحوي مباشرة وجرني من مجمع ثيابي ورماني بعيدا من الطابور وأمام مرأى ومسمع من الجميع، وبذل وقهر شديد، استجمعت نفسي وأخذت أسطوانتي، وتوجهت عائدا نحو البيت أجر خلفي أذيال المهانة والذل وعيون الجميع ترقبني بصمت ثم عدت إلى البيت لا غاز ولا كرامة".


السوق السوداء.. مصدر ثراء
 
في السوق السوداء التي تشرف عليها مليشيات الحوثي يصل سعر الأسطوانة في بعض الأحيان إلى قرابة ال٢٠ الف ريال وهي مبالغ ضخمة تزيد من الثراء الفاحش للقيادات الحوثية وتمول حروبها من جيوب المواطنين الذين يعيش معظمهم تحت خط الفقر، خاصة في ظل توقف دفع رواتب الموظفين منذ أكثر من 6 سنوات.



 في منتصف مارس الماضي، قال مدير الشركة اليمنية للغاز المهندس محسن وهيط، في تصريح صحافي، إن أكثر من 55 بالمئة من إجمالي إنتاج الغاز المنزلي للعام 2021، تم ضخه إلى مناطق سيطرة مليشيا الحوثي الانقلابية.
 
وأكد أن الشركة مستمرة في تموين كل مناطق سيطرة الحوثيين بالغاز بشكل يومي وبالحصة المخصصة دون أي انقطاع أو نقصان، بسعر 1700بالعملة القديمة المتداولة في صنعاء، بما يعادل 3500 ريال من العملة المتداولة في المناطق المحررة.
 
وأوضح وهيط، أن نصيب صنعاء والمناطق الواقعة ضمن سيطرة مليشيا الحوثي من انتاج الغاز المنزلي خلال العام2021م، بلغت (14739) مقطورة غاز، أي ما يعادل (32) مليونا و(444) ألفا و(446) أسطوانة، بنسبة تزيد عن (55%) من إجمالي الإنتاج.
 
وقدرت منظمة تقييم القدرات السويسرية في تقرير لها في أغسطس العام الماضي، عائدات الميليشيات الحوثية من بيع الغاز المحلي بقرابة 200 مليار ريال يمني سنويًا، أي ما يعادل 174مليون دولار أمريكي.
 
وأشارت المنظمة إلى أنها اعتمدت في التقرير على مصادر ومعطيات موثوقة، وسعر بيع أسطوانات الغاز في السوقين الرسمية والسوداء، وحجم الغاز الذي يصل إلى مناطق الميليشيات بشكل يومي.
 
معاناة "ق س" في رحلة البحث عن الغاز المنزلي يعيشها معظم السكان في المناطق الخاضعة للمليشيات الحوثية، وتلك قصة من آلاف القصص التي تجري أحداثها كل يوم وذاك غيض من فيض، وسيظل الحال كما هو والمعاناة باقية ما بقيت المليشيات جاثمة على صدور اليمنيين.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر