ما مستقبل حرية التعبير في اليمن بعد إقرار تشكيل نيابة للصحافة والنشر الإلكتروني؟ (تقرير خاص)

 بإعلان مجلس القضاء الأعلى منتصف أغسطس الجاري إقرار إنشاء نيابة خاصة بالصحافة والنشر الإلكتروني والمطبوعات في العاصمة المؤقتة عدن، تتجه اليمن نحو حقبة جديدة لحرية الإعلام والصحافة في البلد الذي يتذيل قائمة مؤشرات الحريات الصحفية والإعلامية في العالم.
 
وكان مجلس القضاء الأعلى في اليمن ـ أعيد تشكيله حديثاً ـ  أعلن في الرابع عشر من الشهر الجاري، إقرار إنشاء نيابة الصحافة والنشر الإلكتروني والمطبوعات في العاصمة المؤقتة عدن.
 
أمام هذا الواقع قام "يمن شباب نت"، برصد جملة من المواقف واستطلع آراء عدد من الصحفيين والكُتاب، جميعها أبدت تخوفها من المستقبل القاتم الذي ينتظر الصحافة في البلد خاصة مع التطورات المتسارعة التي تشهدها المحافظات الجنوبية والشرقية الخاضعة "إسميًا" لسيطرة الحكومة الشرعية.
 
وفي هذا الصدد عبّرت منظمة سام للحقوق والحريات (مقرها جنيف) عن بالغ قلقها وتخوفها من أن هذا القرار قد يُساهم في زيادة الانتهاكات التي تتعرض لها حرية الرأي والتعبير في البلاد منذ سنوات.
 
وقالت في بيان لها يوم الأربعاء (17 أغسطس)، إن تخوفها يأتي في الوقت الذي تشهد فيه حرية الرأي والتعبير والعمل الصحفي في البلاد انتهاكات مركبة على يد أطراف الصراع، واحتلال اليمن لأدنى درجات الترتيب الدولي في حرية الرأي والتعبير والعمل الصحفي.
 
وطالبت المنظمة المجلس الرئاسي اليمني اتخاذ قرارات ملموسة على صعيد حماية الرأي والتعبير بدلًا من إصدار قرارات قد تُفضي إلى خلق تقييدات وانتهاكات غير متوقعة الآثار في ظل استمرار المضايقات التي يعاني منها الصحفيون في اليمن.
 
سلاح ضد الصحفيين
 
ورغم مضي نحو عشرة أيام من القرار فإنه لم يصدر عن نقابة الصحفيين اليمنيين موقفاً من هذا القرار، إلاّ أنه وبعد نحو أسبوع من ذلك وتحديداً في 20 أغسطس، أصدرت بياناً أدانت فيه اعتقال الصحفي "مشعل الخبجي" في عدن، وعبّرت عن مايبدو أنه موقف ضمني من القرار حيث أعلنت رفضها محاولة استخدام القضاء للضغط على الصحفيين ومحاكمتهم.
 
وقالت النقابة في بيانها: "إنها تلقت بلاغا من صحيفة الشارع تفيد فيه أن الصحفي مشعل الخبجي تعرض للحبس غير القانوني بتوجيه من قاضي محكمة صيرة الابتدائية بعدن ومصادرة تلفونه الخميس الماضي على خلفية قضية نشر رفعتها وزارة النقل، ولم يطلق سراحه إلاّ بضمانة".
 
وأضافت: "نقابة الصحفيين اليمنيين وهي تدين الواقعة، تطالب بكف الضغط على الصحفي وترفض أية اجراءات غير قانونية، أو محاولة استخدام القضاء للضغط على الصحفيين ومحاكمتهم وتكميم أفواههم بهدف التخلي عن واجبهم في الدفاع عن قضايا المواطن وحرياته".
 
موقف النقابة سبقه بيان في ذات السياق لمنظمة العفو الدولية (18 أغسطس)، دعت فيه المنظمة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إلى أن "تضع حدًا لمضايقاتها وملاحقتها القضائية للصحفيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها".
 
وقالت ديانا سمعان، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية بالنيابة: "ينبغي ألّا يُعامل الصحفيون كمجرمين لمجرد انتقادهم للمؤسسات الحكومية والموظفين العموميين".
 
وأكدت أن "استهداف الصحفيين والناشطين بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير له تأثير قمعي على المجتمع، وهدفه الحقيقي هو إسكات المعارضة وردع الأصوات الناقدة".
 
وقالت ديانا سمعان: "يجب على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا أن تضع حدًا فوريًا لمضايقاتها وملاحقتها القضائية للصحفيين وأن تحترم حقهم في حرية التعبير".
 
وأضافت،" يمكن أن تبدأ هذا المسار بالتخلي عن ممارسة استدعاء النشطاء والصحفيين إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية ووضع حد لإساءة توظيف القوانين المتعلقة بالتشهير الجنائي والأمن القومي لقمع المعارضة ويجب على الحكومة أيضًا أنّ تجعل التشريعات الوطنية التي تحد من الحق في حرية التعبير متوافقة مع المعايير الدولية".
 
"تكميم أفواه"
 
رئيس تحرير موقع "مأرب برس" الصحفي أحمد عائض، يرى أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة "تكميم للأفواه" وفرض مزيد من القيود على الصحافة ماسيُنتج صراعاً بين السلطة ممثلة بمجلسها الرئاسي والصحافة.
 
وقال في حديث خاص لـ "يمن شباب نت"، إنه وبعد "إعلان إنشاء نيابة الصحافة والنشر في ظل انهيار غالبية مؤسسات الدولة وركائزها الرئيسية يكشف بلا جدل النوايا المبيتة لتكميم أفواه وأقلام الصحفيين ووسائل الاعلام في مناطق الحكومة الشرعية".
 
وأشار إلى أن المجلس الرئاسي يمضي في تنفيذ ما سماها "خطط عاجلة مرسومة" ويخشى من أي عمليات نقد أو حديث من قبل وسائل الاعلام، ما يعني أن المثير من تلك الخطط ستكون محل مواجهة علنية وقوية بين المجلس الرئاسي ووسائل الاعلام وهو ما ظهرت معالمه جليا بعد عدة قرارات لرئيس مجلس القيادة الرئاسي.
 
ولفت عائض إلى أن قرار انشاء النيابة طريقة ملتوية تُبدي رغبة من الرئاسي لتدشين مرحلة جديدة من القمع وتكميم الأفواه.
 
ودعا رئيس تحرير "مأرب برس" الصحفيين إلى الوقوف صفا واحدا ورفض هذه الإجراءات وتبني صوت الحرية الصحفية والدفاع عن جميع الصحفيين.


 
شرعنة للقمع بإرادة خارجية
 
من جهته يرى الكاتب الصحفي "صدام الحريبي"، أن إقرار إنشاء نيابة خاصة بالصحافة والنشر هو شرعنة للقمع والانتهاكات التي تطال حرية الصحافة والنشر في البلاد.
 
وأضاف في تصريح لـ "يمن شباب نت"، أن القمع والانتهاكات التي تطال الصحفيين في البلد قائمة غير أن إيجاد نيابة مختصة بذلك يأتي في إطار شرعنة تلك الانتهاكات.
 
وتابع وجود نيابة خاصة بالنشر "يعني أنه عندما يتم الاعتداء على أي صاحب رأي لا يتحدث عنه ولا يتضامن معه أحد، لأن الذي يمارس هذه الإجراءات سيكون في مقام من يطبق القانون".
 
واتهم الحريبي جهات إقليمية تُدير الملف اليمني وتتحكم فيه بدعم هذا التوجه، قائلاً: "لا أخفيك أن من يقف خلف ذلك ليسوا يمنيين، بل إنها الإمارات التي شعرت بحجم الخطر الذي ترتب عليها بسبب تعريتها وفضح ممارستها في اليمن (عبر الإعلام ووسائل التواصل)، فأشارت إلى أدواتها بإنشاء مثل تلك النيابة".
 
وجود بُعد خارجي وراء هذا القرار، أكد عليه الكاتب الصحفي "فيصل الصفواني" هو الآخر الذي أشار إلى وجود مخاوف إقليمية من تنامي الحس الوطني لدى الصحفيين والنشطاء على وسائل التواصل الإجتماعي، مستشهداً بتوقيت الإعلان عن القرار الذي تزامن مع تسارع وتيرة مساعي تقسيم اليمن على يد مليشيات مدعومة من الإمارات.
 
وقال لـ "يمن شباب نت"، إن الداعم الخارجي لأي طرف ميليشاوي لديه أهداف مشبوهة في البلد وبالتالي فهو يسعى لإطفاء مصابيح الكشف الصحفي والإعلامي، حد وصفه.

 

امتداد لنهج النظام السابق

واعتبر الكاتب "الصفواني"، هذا التوجه امتداداً لنهج نظام علي عبدالله صالح ضد الصحافة والحريات في البلاد، والذي كان رشاد العليمي ـ رئيس المجلس الرئاسي حالياً ـ جزءاً رئيسياً فيه.
 
وأضاف لا نغفل أن هذه النيابة كانت قد تم إعلانها في أواخر عهد الرئيس السابق علي صالح وكانت نقابة الصحفيين حينها قد أعلنت في صنعاء عدم الاعتراف بهذه النيابة وعدم قانونيتها.
 
وأبدى الصفواني أسفه الشديد أن مقترح نقابات الصحافة والمطبوعات يصدر عن جهات رسمية هي في أمس الحاجة لتوسيع  مساحات الحريات الصحفية والإعلامية.
 
وأكد "أن الذين يستحضرون القيود على حرية الصحافة ويدفعون في سبيل تكريسها، إنما يعملون على تهيئة البيئة السياسية للكيانات الميليشاوية البديل العنصري لدولة اليمن المدنية التي ينشدها كل اليمنيون".
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر