بين ابتزاز الحوثي وعجز الشرعية.. آلاف اليمنيين دون بطائق هوية (تقرير خاص)

[ طفلة تحمل الجواز اليمني - تعبيرية ]

ليلة عيد الأضحى، وقف الحاج محمد ظافر 70 عامًا - والذي يعمل كأمين شرعي لإحدى البلدات في محافظة إب، وسط اليمن - لإتمام عقد الزواج، بين شابّين من أبناء منطقته. وكانت المفاجئة أن العريس والعروس وكذا الشهود بدون بطائق هويّة (شخصية)، إذ لم يسبق لهم التقدم للحصول على هذه الوثيقة الشخصية بالغة الأهمية.
 
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتفاجأ بها الحاج محمد، من عدم وجود بطائق شخصية، لدى العريسين وكذا الشهود، فبعد يوم واحد ذهب لعقد قرآن لشاب أخر في ذات القرية ولم يكن لدى الحضور أي وثائق شخصية كذلك.

وبعدها بيوم واحد، كان قد استُدعي لعقد القِران بين شابّين من أفراد أسرته في قرية مجاورة، وكانت المشكلة ذاتها، عدم وجود بطائق شخصية لدى العريسين وكذا الشهود.
 
ورغم أنه قام بإتمام عقد القِران، نظرًا لمعرفته الشخصية بالجميع؛ إلا أن عدم حصول الكثير من الشباب على بطائق شخصية تثير علامة استفهام، رغم أهميتها البالغة، والتي لا غنى لأي شخص عنها.

يقول الحاج محمد، في السابق كنا نقوم بكتابة عقود الزواج بأوراق عادية، ولا حاجة لطلب البطائق الشخصية من قبل العريسين وكذا الشهود. أما الآن مع العقود التي باتت تصرف من قبل المحاكم تغير الوضع، ولا يمكن ختم أي عقد إلا بعد استكمال كتابة كل البيانات عليه.
 
يضيف الحاج محمد في حديثه لـ"يمن شباب نت"، نواجه صعوبة كبيرة في كتابة عقود الزواج، وختمها في المحاكم، نظرا لعدم وجود بطائق شخصية لدى كثير من الشباب، وخصوصا الإناث. متسائلا عن سر عدم تقدم الكثير من الشباب للحصول على هذه الوثائق المهمة، التي تعد الهوية التي بها يحصل الإنسان على حقوقه.
 
يشير إلى أن عدم حصول الإناث على بطائق شخصية ليس بمستغرب نظرًا لعدم تقدمهنّ - خصوصًا في الريف-  للحصول على وظائف مثلا أو إرسال أي حوالات مالية باسمهنّ؛ لكن الذي يثير الاستغراب هو أن الشباب لا يرى في الحصول على هذه البطائق - رغم سهولة استخراجها - أي أهمية، حسب قوله.
 

تأخر ومماطلة وتكاليف مرتفعة
 
يعزو الشاب أنور قاسم 25 عامًا، (حديث عهد بالزواج) سبب عدم امتلاكه بطاقة شخصية إلى ظروفه المادية، خصوصا مع ارتفاع تكاليف الحصول عليها إلى مبلغ 10 آلاف ريال، فضلا عن تكاليف السفر إلى المدينة والعودة، حيث يصل تكاليفها إلى نحو 30 الف ريال يمني، ولا تحصل على بطاقة وإنما مجرد استبيان فقط. حسب قوله.
 
يضيف أنور في حديث لـ"يمن شباب نت"، والذي يعمل فلاحًا في مزرعته، أنه كلما حاول تجميع المبلغ المالي للحصول على بطاقة شخصيها، صرفها في أشياء أخرى ضرورية، ناهيك عن تأخر الحصول عليها، خصوصًا مع الاجراءات التي فرضها الحوثيون للحصول على البطائق الشخصية، والانتظار لأيام حتى يتم الحصول عليها.
 
ويوافقه بذلك الشاب بشير الفقيه 30 عامًا، الذي قال إن عدم حصول على بطاقة شخصية يرجع إلى التأخير والمماطلة من قبل الأحوال المدنية في إب وذمار، والخاضعة لسيطرة الحوثيين، مؤكدا أنه ظل نحو ثلاثة أشهر وهو يذهب ويعود ولم يتمكن من الحصول عليها، بسبب مماطلتهم، بحجة أن الإصدار الآلي في صنعاء.
 
يقسِم بشير في حديثه لـ"يمن شباب نت"، أنه لو يطلب الجنسية من دولة أخرى لما ظلّ ثلاثة أشهر يبحث عنها طوال هذه المدة، فما بالك ببطاقة شخصية. مشيرًا إلى التصرفات والاجراءات المعقّدة التي اتخذها الحوثيون في عرقلة حصول المواطنين على البطائق الثبوتية، بغرض ابتزاز المواطنين ماليًا، وارهاقهم نفسيًا. حسب وصفه.
 

وسيلة ابتزاز حوثية
 
في طوابير طويلة يقف المئات من المواطنين أمام بوابة مركز الإصدار الآلي بصنعاء، بهدف الحصول على البطائق الشخصية؛ حتى يسهل عليهم إنجاز أعمالهم ومهامهم، إضافة إلى سهولة السفر والتنقل بحرية؛ إلا أن الكثير منهم تتلاشى أحلامهم في الحصول عليها؛ نتيجة القيود والمبالغ المالية الكبيرة التي يفرضها الحوثيون، الأمر الذي يدفع الآلاف من المواطنين للعزوف عن الحصول على هذه الوثيقة.
 
ورغم عدم اعتراف وزارة الداخلية، والحكومة اليمنية، بتلك الأوراق الثبوتية الصادرة عن الحوثيين في صنعاء، كالهويات الشخصية وجوازات السفر؛ إلا أن الحوثيين مع ذلك يفرضون مزيدا من القيود للحصول على ذلك، وفرض مبالغ مالية كبيرة، تصل أحيانا إلى 50 ألف ريال للبطاقة الواحدة، بحسب أحد المراجعين (محمد عبده) اسم مستعار، والذي فضّل عدم ذكره اسمه لأسباب أمنية.
 
يقول محمد، منذ أكثر من شهر وأنا أروح وأرجع للحصول على بطاقة شخصية، حتى أتمكن من قطع جواز سفر؛ بغرض السفر للدراسة خارج البلاد، ولم أتمكن من ذلك، حيث يتم مواعدتي من يوم لأخر، وحين عرفوا أن مضطر لها عملوا على مزيد من العرقلة، حتى يبتزوني ماليًا.
 
يضيف محمد في حديث لـ"يمن شباب نت"، في البداية قالوا بيعطوني استبيان وهذا الاستبيان لا يفيد في السفر خارجيا، ومع ذلك، وجدت أنهم يعطون البطائق لمن يريدون، مشيرا إلى أن هذه البطائق تحولت إلى سوق سوداء يتم صرفها لمن يريدون وبحسب من يعطي المبلغ الأكثر، وصلت بحسب ما ذكر له أحد أصدقائه إلى 1000 سعودي (150 ألف بسعر صنعاء).
 
 
البطائق لمن يدفع أكثر
 
بدوره يقول بشير الجرادي، إن الموظفين في الأحوال المدنية خيّروه بين دفع مبلغ مالي يصل إلى 60 ألف ريال، لإعطائه بطاقة شخصية معتمدة، أو مبلغ 10 ألف مقابل إعطائه وثيقة (استبيان) بديلة عن البطاقة الشخصية، والتي قد لا تفي بغرضه، فضلا عن مخاطر تعرفها للضياع والتلف السريع.
 
يصف الجرادي في حديث لـ"يمن شباب نت"، أن الحصول على بطاقة شخصية باتت شبه مستحيلة، نظرا للوعود المتكررة التي يعطوها لك كل يوم، نتيجة عدم توفر الكروت الخاصة بالبطائق كما يزعمون، لكن هذا الأمر يتضح أنه غير صحيح، حين يتم إعطاء البعض بطائق، وحين تبحث عن السبب تجد أنه دفع مبلغًا ماليًا أكبر مما دفعته أنا.
 

التحكم الحوثي بالربط الشبكي
 
فيما يشير محمد جبر 30 عاما إلى أنه دفع مبلغ 50 ألف ريال، وتمكن من الحصول على بطاقة شخصية بدل فاقد، بعد واسطة كبيرة، معتبرا أن هذه البطاقة باتت فقط لمن استطاع إليه سبيلا، في إشارة لمن يدفع مبالغ مالية أكبر، حسب وصفه.
 
ويعزو محمد في حديثه لـ "يمن شباب نت"، سبب قبوله بدفع هذا المبلغ المالي الكبير، إلى كونه مضطر لذلك، مشيرا إلى أنه لو لم يدفع فسيتم إعطائه استبيان، وهذا لا يفيده كثيرًا، مشيرا إلى أن بطائق الاستبيان ليست فعّالة، وترفضها بعض الجهات داخل اليمن. حسب قوله.
 
يأتي هذا في الوقت الذي لا تزال مليشيا الحوثي تسيطر على عملية الربط الشبكي المتحكم بصرف الأرقام الوطنية، حيث لا تزال في صنعاء، وتحت قبضة المليشيا وفشلت الحكومة الشرعية من انتزاعها من أيديهم.

كما يتحكم الحوثيون كذلك، بإصدار أرقام السيارات، والرخص وغيرها من الأوراق الثبوتية الخاصة بالمركبات، إذ لا تزال كما هي في صنعاء، الأمر الذي يدفع المليشيا لاستغلال حاجة المواطنين لفرض مبالغ مالية كبيرة، وصرف الأوراق الثبوتية لمن يدفع أكثر، وفقا لمصدر مطلع في الأحوال المدنية بصنعاء.
 

حبر على ورق
 
على مدخل مصلحة المدنية بصنعاء، توجد لوحة كبيرة مكتوب عليها دليل خدمات مصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني، موضحة فيها شروط الحصول على كل الأوراق الثبوتية التي تقدمها للمواطنين من شهادة الميلاد، وشهادة الوفاة، وقيد الزواج والطلاق والبطائق الشخصية، والعائلية، وتصحيح القيود؛ إلا أن المواطنين يتفاجأون بأن تلك اللوحة كما يقول نصر الله الذماري 20 عامًا، "حبر على ورق".
 
في الدليل، موضّح أن الحصول على البطاقة من 5 إلى 10 أيام، وهذا ينافي ما كان عليه العمل سابقا، إا كان الحصول على البطاقة لا يتجاوز 24 ساعة، ناهيك عن المماطلة في الواقع لأكثر من هذه المدة.

وحددت مليشيا الحوثي - وفقا للدليل الموجود بوابة المصلحة - حددت الرسوم المقررة لاستخراج البطاقة بـ 3500 استمارة جديدة مع الاستمارة، فيما تبلغ في الواقع أكثر من 15 آلاف ريال للاستبيان، ونحو 50 الف للبطاقة المعتمدة أو كما يطلق عليها "العَظْم".
 
كما رفع الحوثيون أسعار البطائق بنسبة تجاوزت أكثر من 200%، حيث تم رفع أسعار البطائق بدل فاقد مع الاستمارة إلى 8500 ريال، و65000 بدل تالف مع الاستمارة، و3500 ريال تجديد مع الاستمارة، مع أن أسعارها لم تكن تتجاوز 1500 ريال فقط.
 
يقول أحد موظفي المصلحة، لقد تاجروا بكل شيء، ولو استطاعوا أن يبيعوا الهواء للمواطن لفعلوا، ثم يتساءل وهو يغادر مكتبه: ما هو الذنب الذي جنيناه حتى عاقبنا الله بهؤلاء يقصد الحوثيين؟ وهو السؤال الذي بات يجد نفسه إجبارًا أمام المواطنين في مختلف محافظات البلاد.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر