بعد إيقاف التوظيف وتداعيات الحرب.. التقاعد يفرغ مدارس "المضارِبة" بلحج ويهدد بتوقف الدراسة

[ العملية التعليمية في مديرية "المضاربة"- أكبر مديريات محافظة لحج (جنوبي اليمن) مهددة بالتوقف بسبب دخول نصف المدرسين فيها سن التقاعد دون وجود بدائل حكومية ]

  يستعد نصف طاقم مدرسة خديجة للبنات في مديرية "المضاربة" بمحافظة لحج (جنوبي اليمن)، للتوقف عن العمل، مع انتهاء خدمتهم المقررة بموجب قانون الخدمة المدنية، الأمر الذي يشكل تهديدا على مسار العملية التعليمية في المديرية النائية، في ظل وجود نقص كبير في أعداد المدرسين بسبب توقف عملية التوظيف الرسمي، وتداعيات الحرب الأخيرة.
 
 وتم ايقاف عملية التوظيف الرسمي في المحافظة منذ العام 2012، فيما تسببت الحرب الدائرة في البلاد منذ العام 2014، في تسرب الكثير من العاملين في سلك التدريس، وتحولهم نحو البحث عن أعمال أخرى بسبب عدم كفاية الراتب في مواجهة متطلبات الحياة الصعبة، بما في ذلك انخراطهم في تشكيلات عسكرية وأمنية تدر عليهم رواتب شهرية بالعملة الصعبة.   
 
وفي ظل مثل هذه الظروف الاستثنائية، والتحديات التي تهدد استمرارية العملية التعليمية في البلاد بالشكل المطلوب، يعد التمسك بمهنة التدريس بمثابة تضحية كبرى، يقدمها المدرسون الصامدون في مواقعهم حفاظا على مستقبل الأجيال اليمنية.. غير أن قانون التقاعد بات اليوم يشكل أحد المعضلات الخطيرة التي تهدد استمرارية هذه العملية..!!
 
ويناشد تربويون الحكومة بعمل استثناءات قانونية، تحت ظروف الحرب، من أجل الحفاظ على استمرارية التعليم المهدد بالتوقف من عام إلى آخر في عدد من المناطق النائية بسبب استمرار تناقص الكادر التعليمي، دون وجود بدائل ناجعة تعمل على تغطية هذا النقص.
 

 

تهديد حقيقي للمستقبل

فمن بين 13 معلم، هم قوام الطاقم التدريسي في مدرسة خديجة للبنات، من المقرر أن يحال ستة إلى التقاعد هذا العام بحلول شهر سبتمبر/ أيلول القادم، بعد قضائهم 35 عاما في مهنة التدريس، وفقا لمدير المدرسة عديل عبد الله حمير، وهو ايضا أحد الستة المشمولين بالتقاعد بموجب قانون الخدمة المدنية.
 
وأعرب حمير لـ "يمن شباب نت"، عن خشيته البالغة من كون هذه الفجوة ستشكل تهديدا حقيقيا على مستقبل العملية التعليمية في المدرسة التي تقدم خدماتها التعليمية لنحو 300 طالبة، يتلقينّ تعليمهنّ فيها من الصف الأول حتى التاسع الأساسي. وناشد الجهات المعنية بضرورة "تدارك هذه المشكلة، والعمل على حلها سريعا قبل بدء العام الدراسي الجديد" المقرر انطلاقه شهر أغسطس القادم.
 
وإلى جانب المدير، سيشمل التقاعد أيضا وكيل المدرسة عبد الغني المشمري، الذي بدأ حديثه لـ "يمن شباب نت" بالأشادة بالدور الوطني للمدرسين الذين سيحالون هذا العام إلى التقاعد. فالمعلمين الستة، بمن فيهم الإدارة، حسب الوكيل، يحسب لهم أنهم أنهو خدماتهم المقررة عليهم بكل إخلاص، وعملوا بضمير وطني حي، رغم كل الظروف الصعبة والاستثنائية المحيطة بهم.. حيث استمروا في العمل التعليمي حتى في ظل غياب الدولة، وانقطاع بعض المعلمين وتوجههم نحو أعمال أخرى بسبب شحة المرتبات..
 
وعليه؛ يتمنى المشمري من مكتب التربية بالمحافظة الاضطلاع بمسؤولياته في الحفاظ على استمرارية وديمومة العملية التعليمية في المدرسة، بكل الوسائل الممكنة. في إشارة غير مباشرة لإمكانية اتخاذ إجراءات استثنائية في مسألة التقاعد حتى تنتهي الحرب وتستقر الأوضاع.


تفاصيل المشكلة في المديرية
 
تعتبر مديرية "المضاربة والعارة" أكبر المديريات مساحة في محافظة لحج، إذ تمثل- بجغرافيتها الصحراوية والبحرية- ثلث مساحة المحافظة تقريبا. وتعتبر مدرسة خديجة للبنات نموذجا عمليا حيا لما يمكن أن يشكل تحديا واضحا لمستقبل العملية التعليمية برمتها في المديرية الكبيرة والنائية، بفعل وجود مثل هذه التهديدات المحدقة بها.
 
 وبحسب مدير مكتب التربية والتعليم بالمديرية فهد عبد القادر، توجد ستون مدرسة في المديرية مترامية الأطراف، متوزعة بين مناطقها المكونة من مركزين.. بينها ثلاث مدارس ثانوية، وخمس مدارس أساسية وثانوية، و25 مدرسة أساسية مكتملة (من الصف الأول إلى التاسع الأساسي)، وعشر مدارس تقتصر على المراحل الأساسية الستة الأولى (من الصف الأول إلى السادس أساسي)، والمتبقي منها مدارس صغيرة تدرس الفصول الثلاثة الأولى الأساسية (من الصف الأول إلى الثالث أساسي فقط)، إلى جانب ثلاث مدارس خاصة باللاجئين الصومال.
 
ومع هذا العدد الكبير من المدارس، يؤكد مدير التربية لـ "يمن شباب نت"، أن المشكلة الرئيسية التي تعاني منها المديرية تتمثل في "نقص المعلمين" دائما، كأحد أهم التحديات التي تواجه استمرارية العملية التعليمية..
 
وأوضح أن هناك 450 معلما فقط كقوة فعلية، نصفهم ممن تعدوا السن القانونية المقررة للخدمة. وهذا العدد- وفقا لتقديره- غير كافٍ، إذا تم احتسابهم وفق التشعيب، وأعداد الطلاب الذين يتجاوز عددهم 16 ألف طالب وطالبة.


 
 
حلول اسعافية غير مكتملة

ولسد هذه الفجوة أقر مكتب التربية والتعليم في المديرية، مطلع العام الدراسي المنصرم، خطة واعدة بالتعاقد مع 200 معلم، مع الاستفادة من جمرك "رأس العارة"، وبالتنسيق مع السلطة المحلية بمديرية "المضاربة" بهدف تغطية النقص الحاد في عدد المدرسين في الـ 60 مدرسة المنتشرة في المديرية.
 
 وقدرت التكلفة الشهرية لهذه الخطة بـ 10 ملايين ريال أجور شهرية لعدد 200 مدرس بنظام التعاقد. حيث تم تحديد مرتب شهري مقداره 40 ألف ريال لحامل الثانوية العامة، و50 ألف ريال لحامل الدبلوم بعد الثانوية، و60 ألف ريال لحامل درجة البكالوريوس، و70 ألف ريال للماجستير.
 
ورغم أن الرواتب تعد ضئيلة، قياسا بالوضع الاقتصادي المتدهور الذي تمر به البلاد، وما أفضى إليه من هبوط حاد في قيمة العملة المحلية وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ أواخر العام الماضي؛ إلا أن الخطة حققت نجاحا كبيرا في جلب المتعاقدين لتغطية النقص في الكادر التعليمي. غير أن الأمور لم تسر على النحو المأمول حتى النهاية، فقد توقف صرف مخصصات المتعاقدين بعد أول شهرين فقط من تدريسهم..!!
 
وحتى الآن لم يستلم المتعاقدون بقية مستحقاتهم رغم استمرارهم في التدريس خلال العام الدراسي الفائت كله..!! الأمر الذي جعلهم يقررون عدم مواصلة التدريس هذا العام ما لم يتم صرف بقية حقوقهم المالية السابقة كاملة، مع ضرورة وجود ضمانات بعدم تكرار ما حدث معهم خلال العام الدراسي المنصرم.
 
وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه دون حلول، فمن المتوقع أن تدخل العملية التعليمية في المديرية في مصير مجهول هذا العام، أكثر من أي عام مضى، خصوصا مع زيادة عدد المدرسين الرسمين المحالين إلى التقاعد بموجب ما يفرضه قانون الخدمة المدنية. كما هو حال نصف الطاقم التدريسي لمدرسة خديجة للبنات، بل ونصف الكادر التعليمي بالمديرية كلها وفقا لمدير مكتب التربية..!!


 

أزمة تراكمية تزداد تعقيدا

في الواقع؛ لم تكن أزمة نقص الكادر التعليمي في محافظة لحج وليدة اللحظة، إذ تعود ابتداءً إلى العام 2012 حين توقفت عملية التوظيف الرسمي في المحافظة، الأمر الذي عمل على خلق هذه الفجوة في مراحلها الأولى. إذ تفيد الإحصائيات الرسمية، التي حصل عليها "يمن شباب نت" من مصادر حكومية بالمحافظة، أنه ومنذ ذلك الحين، دخل ما يزيد عن 3,000 معلم، على مستوى المحافظة، سن انهاء الخدمة دون إيجاد بدلاء عنهم لتعويض حجم النقص المتراكم سنويا.
 
ثم جاءت الحرب عام 2014، لتفاقم الأزمة أكثر، حيث تخلى عدد كبير من العاملين في السلك التعليمي عن وظائفهم تحت ضغط الحاجة، بحثا عن مهن أخرى بفارق راتب مناسب، بعد أن أصبح راتب المدرس لا يفي حتى بمتطلبات الحياة البسيطة. كما أشرنا إلى ذلك في مقدمة هذا التقرير.
 
وبحسب مراقبين متخصصين في السلك التربوي، فقد ساهم ذلك بشكل كبير في مراكمة الأزمة وتعقيد المشكلة بشكل كبير. ففي ظل استمرار دخول المزيد من المعلمين إلى سن التقاعد بشكل سنوي، مع عدم ضخ وجوه جديدة لتعويض النقص، بسبب توقف عملية التوظيف الرسمي؛ فإن منسوب التهديدات التي تواجه العملية التعليمية بالمحافظة عموما، والمديرية ذات المساحة الأكبر فيها بشكل خاص، وصلت اليوم مستويات حرجة، وقد لا يمكن معالجتها إذا لم يتم التحرك جديا بشكل عاجل، اليوم قبل الغد..!!
 



ما الحل؟

ويقول التربوي عادل طارش إن التعاقدات الأخيرة مع خريجي الجامعات في مديرية "المضاربة" كانت تمثل حلا عاجلا وناجعا للمشكلة في أغلب مدارس المديرية، "لكن عدم الوفاء بالالتزامات ودفع الأجور لهم، يجعل القادم في خطر".
 
ويضيف طارش لـ "يمن شباب نت"، محذرا من أنه "مع دخول نصف المعلمين في المديرية سن التقاعد، هذا العام، في ظل استمرار توقف 200 متعاقد عن العمل، ستحدث ثغرة كبيرة وعميقة في مسار العمل التعليمي".
 
ومثله يرى الكثيرون أن هذا الخلل في المعالجة، أعاد المشكلة إلى مربعها الأول، المتمثل ببقاء الفجوة في عدد الكادر التعليمي قائمة، بل وتزداد اتساعا..!! ما يضع مستقبل العملية التعليمية والطلاب في خطر كبير، قد لا يحمد عقباه..!!
 
ولتفادي ذلك، دعا طارش السلطة المحلية ومكتب التربية في المديرية إلى العمل على حل هذه المعضلة تفاديا لتداعياتها الخطيرة على العملية التعليمية.
 
في هذه الأثناء؛ ما يزال مستقبل أكثر من 16 ألف طالب، يتوزعون على 60 مدرسة بالمديرية، مجهولا حتى الآن، في حين أنه لم يعد يفصلنا عن انطلاقة العام الدراسي الجديد (أغسطس/ آب القادم)، سوى أيام قلائل.
 
والسؤال الآن، هو: ما الذي بيد السلطة المحلية في المديرية والمحافظة، للقيام به لتفادي هذا الخطر المحدق بالعملية التعليمية، الضعيفة أصلا، والمتجهة بقوة نحو الانهيار الشامل؟!
 
وفقا لما سبق بيانه، لا مناص أمام الجهات المعنية، وعلى رأسها الحكومة في المقام الأول، من الإسراع في اتخاذ قرارين أثنين متزامنين، لا غنى لأحدهما عن الأخر، وهما:

- تجميد العمل بقانون التقاعد (بشكل استثنائي) للمعلمين في المنطقة/ المناطق ذات الفجوة الكبيرة في الكادر التعليمي، حفاظا على استمرارية العملية التعليمية، إلى أجل مسمى. 

- مع تفعيل الحل الاسعافي بالتعاقد مع الخريجين (ثانوية، دبلوم، جامعة... الخ) لتغطية النقص وفقا للاحتياج، كلما لزم الأمر. وهذا لن يكون إلا باستعادة الثقة أولا من خلال تسليم متعاقدي العام الماضي بقية مستحقاتهم المالية. 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر