التدهور الاقتصادي واستمرار الحصار أبرز الأسباب.. غلاء "الأضاحي" يُفسد بهجة العيد مقدما في تعز

[ ارتفاع اسعار الاضاحي يفقد سكان تعز بهجة العيد مقدما ]

  لم يتبق سوى يومين على شروق شمس عيد الأضحى في اليمن، ولا يزال المواطن "حسن علي" ينتظر تراجع أسعار الماشية، على أمل أن يضفر بأضحية عيد بسعر يتناسب مع وضعه المادي.
 
منذ دخول شهر ذي الحجة، والمواطن حسن يتردد على "المِرباع"- سوق للماشية وسط مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)- بغرض شراء أضحية العيد لأسرته، إلا أنه لم يتمكن من ذلك حتى الآن، وربما لن يتمكن إطلاقا نظرًا لارتفاع أسعارها الجنوني.
 
 فـ "حسن"، الذي يعمل موظفًا حكوميا، يتقاضى راتبا شهريا بسيطا (بشكل غير منتظم)، لا يفي حتى بالمتطلبات الأساسية لأسرته، فكيف بشراء أضحية العيد..؟!
 



ارتفاعات جنونية
 
 خلال العامين الماضيين، كان "حسن"، كالكثير من أبناء تعز، يتشارك مع صديق له في شراء اضحية العيد.. لكن صديقه هذا "غادر إلى الريف مؤخرا ليقضي فرحة العيد هناك بمعية أسرته التي سيتقاسم معها الأضحية" كما يعتقد حسن، الذي يواصل حديثه لـ "يمن شباب نت"، معربا عن شكواه من ارتفاع أسعار أضحية العيد هذا العام بشكل جنوني..
 
فقيمة الكبش الواحد من الضأن ذو الحجم الصغير، كما يقول، وصل سعره إلى 70 ألف ريال، فيما الحجم الكبير، والذي يصلح كأضحية، بلغ سعره هذا العام 100 ألف ريالًا (90 دولارا) فما فوق، بينما راتبه الشهري لا يتجاوز الـ 70 ألف ريال (62 دولار أمريكي).
 
في سوق "المِرْبع" وسط تعز، يتواجد العشرات من الماعز (ذكور الأغنام)، والخراف، تتنوع ما بين البلدي و"البربري"- وهذا الأخير وصف يطلق على الكباش المستوردة من القرن الأفريقي.
 
وبحسب استقصاء سريع وعشوائي بين الباعة والمشترين، وجدنا أن سعر الخروف، أو الماعز، المحلي (حجم كبير) يتفاوت ما بين 300 إلى 350 ألف ريال (حوالي 268 دولارا – 315 دولار/ عند سعر صرف 1,180 ريال للدولار الواحد)، أما الماشية ذات الحجم المتوسط فتتراوح قيمتها بين 150 - 200 ألف ريال. بينما يقل ثمن الماعز المستورد عن هذا قليلا.
 
ويُقبل السكان على شراء الأغنام أو الخراف البلدي (الآتية من مناطق ريفية في اليمن)، لكونه أطيب طعمًا مقارنة بالأغنام المستوردة.


 

ضعف الاقبال.. واسباب ارتفاع الاسعار

ونظرا لارتفاع أسعارها، يشكو بائعو الماشية من تدني نسبة الإقبال على الشراء. ويؤكد البائع سعيد محمد لـ "يمن شباب نت"، ان الاقبال على شراء الأضحية هذا العام تراجع بشكل كبير عمّا كان عليه العام الماضي، مرجعا السبب، بالتأكيد، إلى ارتفاع أسعارها مقابل تدني القدرة الشرائية لدى غالبية المواطنين.
 
أما الأنواع الأخرى من الأضحية، ذوات الأحجام الكبيرة جدا، كـ "الأثوار"، فتبدو حركتها الشرائية أكثر تراجعا من الأغنام، نظرا لأسعارها الباهظة جدا.. إذ تتراوح أسعارها ما بين 820 ألف ريال والمليون ريال (730 – 895 دولار)، بحسب الحجم.
 
وبالمثل أيضا، يُعلل عزوف الناس عن الشراء، وفقا لـ "خالد" الذي يعمل دلالًا في بيع هذا النوع من الأضحية بـ "تدهور وضعهم المادي، وعدم انتظام صرف المرتبات.. الأمر الذي يجعلهم يقتصرون فقط على محاولة شراء الاحتياجات الأساسية الضرورية".
 
أما أسباب ارتفاع أسعار الماشية، فقد عزا تاجر الماشية سعيد محمد ذلك إلى شرائه معظم ماشيته من مناطق خارج تعز، مثل ذمار (شمالا)، والجراحي في الحديدة (غربا)، أو منطقة الدمنة (ريف تعز الشرقي)، وغيرها من محافظات ومناطق تقع معظمها تحت سيطرة ميليشيات الحوثي التي تحاصر مدينة تعز وعدد من أريافها منذ أكثر من سبع سنوات من الحرب.
 
ويعود هذا الارتفاع في الأسعار، إلى أن تلك المناطق (الحوثية) تتعامل بالعملة القديمة، الأمر الذي يترتب عليه دفع نسبة كبيرة من عمولة التحويل الداخلي، والتي تصل حاليا إلى ضعف المبلغ الذي يتم تحويله.
 
وبالإضافة إلى ذلك، تتفرع أسباب أخرى عن هذا الحصار، منها ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، حيث وصل سعر جالون البترول الواحد (سعة 20 لتر) إلى 29 ألف ريال داخل المدينة. كما يتسبب الحصار أيضا بزيادة في أسعار النقل لصعوبة وطول الطريق المتاحة في عملية التنقل والوصول إلى مدينة تعز.
 
وتدار مدينة تعز (عاصمة المحافظة) التي تحيط بها الجبال، وعدد من المديريات الريفية الجنوبية الغربية في المحافظة، من قبل سلطة محلية تابعة للحكومة الشرعية؛ بينما يفرض الحوثيون، منذ أكثر من سبعة أعوام، حصارا مطبقا على المدينة من ثلاث جهات، ويضطر السكان للتنقل عبر طرق وعرة وملتوية لساعات طويلة مما زاد من معاناة السكان. 
 
وبهذا الخصوص، شكا التاجر محمد لـ "يمن شباب نت"، من أنه سلك بمعية أغنامه "طرق وعرة، من مديرية الدمنة إلى وسط المدينة، بينها طرق وعرة وخطيرة قطعها سيرًا على الأقدام"، استغرق قطعها أكثر من 10 ساعات. حسب تأكيده.
 

 

أوضاع اقتصادية خانقة
 
على بُعد أمتار من سوق بيع المواشي، بجوار أحد المحلات التجارية، تجلس امرأة مسنة تحت شجرة تلوذ بها من حرارة الشمس الحارقة، منتظرة قدوم مركبة تقلها إلى منزلها..
 
تُسر أم عاهد (50 عامًا)، لمراسل "يمن شباب نت"، الذي اقترب منها وتحدث معها حول موضوع شراء أضحية العيد، بإنها ومنذ خمسة أعوام "لم تحظى بفرصة شراء أضحية عيد" بسبب وضعها المادي الصعب.
 
 وبحسب قولها، أصبحت تعتمد واسرتها على ما توزعه بعض المنظمات والجمعيات الخيرية من اضحية (بضعة كيلوهات من اللحمة)، وإن لم تجد فتكتفي بشراء دجاجة أو اثنتين لأسرتها في العيد، كما حدث معها قبل عامين.
 
ومنذ بداية الحرب ارتفعت أسعار المواشي بشكل تدريجي، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من هذا الغلاء غير المسبوق، الأمر الذي دفع البعض إلى شراء لحم الخروف بالكيلو جرام، فيما كثير من الأسر تكتفي فقط شراء لحم الدواجن في عيد الأضحى.
 
 فقبل الحرب كان سعر الكيلو الجرام الواحد من لحم الماعز بـ 1,200 ريال. ومنذ اندلعت الحرب بدأ بالارتفاع تدريجيا كل عام، حتى وصل العام الماضي إلى 12 ألف ريال (11 دولار تقريبا).
 
وبأسى شديد تتذكر أم عاهد الماضي: "كانت الأضاحي لا تفارق مائدة العيد، وكنّا نحس بفرحة وطعم هذه المناسبة الغالية"، لتقارنه بحاضرها البائس: "لكن بعد ما اندلعت الحرب، صرنا اليوم نفكر فقط بتوفير أبسط الاحتياجات الضرورية".
 

 

وضع يزداد صعوبة
 
وتسببت الحرب، التي اجتاحت البلاد عام 2015، في تردي الأوضاع المعيشية لمعظم السكان، كنتيجة طبيعية لتداعياتها التراكمية على الحالة الاقتصادية في البلاد، والتي ظلت تواصل انهيارها عاما بعد آخر على نحو مأساوي.
 
وبحسب تقارير اقتصادية، خسرت العملة المحلية قرابة 180 في المئة من قيمتها مقابل الدولار. وانعكس هذا التدهور لقيمة العملة المحلية على أسعار السلع كافة، وبينها المواشي التي ارتفعت خلال سنوات الحرب بشكل مضاعف، في بلد خسر اقتصاده الوطني قرابة 126 مليار دولار، وفقا لتقارير اقتصادية متداولة مؤخرا.
 
ويعزز الصحفي هشام حمود، التفسير الذي يرجع قلة الإقبال على الشراء قبل عيد الأضحى إلى "التدهور الاقتصادي الذي شمل كافة مناحي الحياة".. مؤكدا لـ"يمن شباب نت"، إن هناك زيادة كبيرة في أسعار السلع يقابله تدهور مادي لدى المواطنين. وشدد على أن الحكومة معنية بوضع الحلول اقتصادية بما يضمن تخفيف معاناة السكان وتراجع الأسعار وتحسن قيمة العملة المحلية.
 
كما يقول الناشط خليل أحمد، لـ "يمن شباب نت"، إن غالبية الأسر أصبحت تعيش اليوم وضعًا اقتصاديا صعبًا، ولجأت إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، منوها إلى أن هناك أسر وصل بها العجز إلى أنها أصبحت غير قادرة حتى على شراء الدواجن، وهو ما يجعل العيد لديهم بائسًا.
 
وتقول الأمم المتحدة إن "الجوع وصل الآن إلى أعلى مستوى له في اليمن منذ عام 2015". ووفقا لبعض التقارير فأن أكثر من 19 مليون شخص في اليمن يعانون من الجوع، من بينهم أكثر من 160 ألف شخص باتو على حافة المجاعة.
 
وفي وقت سابق هذا الشهر أعلنت منظمات وهيئات أممية تعليق أعمالها في مجال الصحة والغذاء في اليمن بسبب فجوات التمويل.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر