حتى "الهدنة" الأممية لم تشفع لهم..

تعز.. أطفال بلا عيد.. وأباء يواصلون البحث عن بهجة مفقودة في قلب مدينة محاصرة للعام الثامن

[ للعام الثامن على التوالي، يفتقد أطفال مدينة تعز، المحاصرة من الحوثيين، لبهجة العيد، حتى أن هدنة الأمم المتحدة لم تشفع لهم هذه المرة أيضا ]

 بخلاف السنوات السبع، التي مرت من الحرب؛ تمسك أبناء مدينة تعز (جنوب غرب اليمن)، هذا العام، بأمل أن يأتي عيد الفطر مختلفا عن تلك السنوات العجاف، التي حرموا فيها، وأطفالهم- بشكل خاص- من أي مظاهر لبهجة العيد. غير أن تلك الأحلام تبخرت، وراء هدنة "هشة"، لم يتحقق منها سوى بعض مصالح ميليشيات الحوثي الانقلابية.
 
فبرغم "الهدنة"، التي توسطت بها الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن هانس غروندبرغ، لإيقاف الأعمال القتالية لمدة شهرين (بدأت مع بداية شهر رمضان، وتنتهي مع نهاية شهر شوال الجاري)، إلا أن الحوثيين استمروا في خرقها؛ سواء من جهة استمراريتهم في بعض الاعمال القتالية، أم برفضهم تنفيذ بنود الاتفاقية، وأهمها- بالنسبة لمحافظة تعز: عدم فتح ممرات العبور الإنسانية بين المدينة الخاضعة للشرعية، وبين ضواحيها الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
 

"عيد" آخر وسط الحصار
 
وتعتبر محافظة تعز (جنوب غربي البلاد) واحدة من أكثر المحافظات اليمنية تضررا ومعاناة بفعل هذه الحرب. وتزداد المأساة بكونها أحد المحافظات الأكثر اكتظاظا بالسكان، حيث يقطن فيها قرابة أربعة ملايين نسمة، في حين مازالت المدينة تعاني حصارا خانقا، فرضته عليها ميليشيات الحوثي منذ بداية الحرب، فضلا عن استمرار الهجمات والقصف العشوائي على المدينة، حتى في أيام العيد.
 
وفي ظل استمرار الصراع القائم، الذي انعكست تداعياته على مظاهر الحياة المختلفة في المدينة، حُرِمَ معظم المواطنين، وأطفالهم، حتى من شعور الفرحة في العيد، لاسيما وأن الحالة الاقتصادية المتداعية، والوضع الإنساني الكارثي، يزدادان تفاقما، في حين يكاد ينعدم دور السلطة المحلية في المحافظة بشكل شبه كلي، حتى أصبح مجرد التفكير بخلق مظاهر الفرحة للأسر وأطفالهم في الأعياد، أو حتى تحسين الخدمات العامة، مخالفا للعقل والمنطق..!!
 
ويشكو السكان في تعز من عدم وجود متنزهات ومطاعم حديثة مناسبة، أو حتى متنفسات طبيعية تحتويهم؛ باستثناء جبل صبر المطل على المدينة من جنوبها، ووادي الضباب البعيد عن المدينة إلى الغرب؛ واللذين يتحولان أيام الأعياد إلى متنفسات مكتظة بالزائرين الباحثين عن الترويح والترفيه عن النفس، حتى وإن كانت تنعدم فيها أبسط الخدمات التي يحتاجها الإنسان..!!

ومع كل عيد سنوي يهل على المدينة المحاصرة، لا يفتأ السكان أنفسهم عن مواصلة محاولاتهم في خلق شعور مختلف بفرحه العيد لأطفالهم، علهم يتناسون- ولو في هذه الأيام العيدية المحدودة- فاتورة الحرب الباهظة على المدينة والإنسان؛ بيد أن محاولات الكثير منهم غالبا ما تبوء بالفشل، سيما وأن حديقة الألعاب الوحيدة داخل المدينة، لم تعد هي الأخرى قادرة على خلق البهجة. ففضلا عن أن مساحتها صغيرة جدا، فهي تفتقر إلى الصيانة الدورية المناسبة، الأمر الذي يعتقد أنه تسبب بتكرار عدد من الحوادث، كان آخرها سقوط طفلة من أحد الألعاب الخطرة في أول أيام هذا العيد، ما أدى إلى وفاتها مباشرة..!!
 
 



عيد الأطفال المفقود
 
لم يعد العيد هذه الأيام يقدم أدنى فرحة للكبار، ففي ظل هذه الحرب، أصبح الآباء يناضلون بحثا عن الفرحة لأطفالهم؛ "فالفرحة في العيد ليست سوى للأطفال"، كما تقول "أم جنى"، ربة منزل (35 سنة).
 
وتستدرك "أم جنى"، ضمن حديثها لـ "يمن شباب نت"، بالقول: "ولكن، لكون المدينة تفتقر إلى وجود متنفسات مناسبة للأطفال، فقد أضحت فرحتهم مفقودة"، مضيفة: "حتى المطاعم والمقاهي، التي من الممكن أن يذهب إليها أفراد العائلة خلال الإجازات والاعياد، تكاد تكون بعدد أصابع اليد". ومع ذلك، تشكو الأم أيضا من أن بعض هذه المطاعم الجيدة "أسعارها مرتفعة جدا، فكوب الليمون، مثلا، يصل سعره إلى 800 ريال"..!!
 
 توجد داخل مدينة تعز حديقة ألعاب واحدة فقط، هي حديقة جاردن سيتي، التي تمتاز بوجود خدمات مناسبة ومطعم جيد وأشجار كثيفة وأماكن لجلوس العوائل الزائرة. الأمر الذي يجعلها تعتبر المتنفس الوحيد، الأنسب والأقرب لسكان المدينة، حتى برغم أن مساحتها صغير جدا بالنسبة لمواصفات حديقة ألعاب. لذلك مع كل عيد لا يكاد المرء يجد لنفسه موطئ قدم فيها من شدة الزحام، الذي يبدأ مع شروق الشمس، ولا ينتهي إلا عند غروبها..
 
وفي أول أيام عيد الفطر الحالي، وقعت حادثة مأساوية في هذه الحديقة، حين سقطت الطفلة آية الذبحاني (12 عاما) من على إحدى الألعاب الخطيرة، ما أدى إلى وفاتها. الأمر الذي أثار الكثير من الفزع لدى المواطنين وأسرهم في المدينة، حيث أحجم الكثير منهم عن أخذ أطفالهم للحديقة..
 
"أم جنى"، هي واحدة من تلك الأمهات اللائي أثارت هذه الحادثة المأساوية مخاوفهن.. تقول: "خفت على أطفالي من الذهاب اليها، ولكن بالنسبة لهم فهم ما زالوا أطفالا لا يعون مثل هذه المخاوف، ولماذا أحجمنا عن آخذهم الى الحديقة هذا العيد؟". وتضيف: "ولأن البديل غير موجود، حاولت بشتى الوسائل صنع البهجة المفقودة لديهم في سواء في المنزل، أم بالخروج معهم بنزهة في أطراف المدينة، لعلي أعوض- ولو بشكل بسيط- احتياجهم الطفولية الماسة لفرحه عيد تنسيهم بعض عناء الحياة".
 
لم تكن حادثة الطفلة آية الذبحاني هي الوحيدة التي بعثت مخاوف سكان تعز، وافسدت عليهم ما تبقى لديهم من مظاهر بهجة العيد؛ بل هناك حادثة أخرى وقعت في ثالث أيام عيد الفطر الجاري، حين أقدم الحوثيون- المحاصرين للمدينة- على قصف المنطقة نفسها، عبر إحدى طائراتهم المسيرة، التي يقال إنها استهدفت أفراد من جنود الأمن المتواجدين قرب مقر إدارة الشرطة بالمحافظة، والذي يقع بمحاذاة حديقة جاردن سيتي ولا يفصلها عنها سوى بضعة أمتار قليلة جدا. وقد أدت تلك العملية إلى إصابة عدد من جنود الآمن، لكنها أيضا أثارت المزيد من الهلع والذعر لدى الأسر المتواجدة داخل الحديقة، وسكان المدينة أيضا..!!
 
 


 مدينة تختنق بلا متنفس

 ورغم أنه أنشأت، مؤخرا، حديقة ألعاب أخرى خارج المربع الآمن لمدينة تعز، هي حديقة "هاي لاند" الواقعة في منطقة "بير باشا"، إلى جهة الغرب من المدينة؛ إلا أنها ما تزال حديثة ولم تستكمل كافة متطلبات العمل فيها..
 
فهذه الحديقة- وفقا لأم جنى: "مازالت تفتقر إلى أدنى مستوى التنزه والترويح عن النفس للأسر الزائرة.. حيث ما تزال معظم ساحتها تعج بالأتربة، ويكسوها الغبار، وتنعدم فيها الأشجار، ولا توجد فيها أماكن مناسبة لجلوس العائلات بعيدا عن اشعة الشمس المحرقة،...، باستثناء أن هناك بعض الألعاب للأطفال..".
 
من جهتها أعربت هيفاء العديني، سكرتيرة "مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي"- فرع في تعز، عن تذمرها من هذه الحالة المحزنة التي تعيشها محافظة تعز، ومدينتها الرئيسية المكتظة بالسكان..
 
ولفتت العديني، في حديثها لـ "يمن شباب نت"، إلى مأساة تعز الاستثنائية، بالقول: "كل المدن يوجد فيها متنفس عام للمواطنين، عدى مدينة تعز التي يعيش سكانها بدون متنفس حي، خلافا عن بقية المحافظات، بسبب الحصار المفروض على المحافظة منذ عام 2015".
 
وأضافت: "صحيح أنه تم استئناف بعض الحركة في الحدائق والمتنزهات، ولكن بما يتناسب مع الدخل اليومي للمستثمرين"، لافتة إلى أن "الأسر تسعى إلى التنزه في أي مكان، لاسيما في أيام العطل والاعياد، غير أن الأماكن هنا لا ترتقي إلى أدنى مستويات التنزه، فهي صغيرة وضيقة ولا تكفي حتى للمئات في محافظة تعد من أكثر المحافظات كثافة سكانية في اليمن".
 
لذلك، ناشدت العديني المستثمرين المحليين التدخل بشكل إيجابي لإنشاء متنزهات مناسبة تستوعب كل هذا الكم الهائل من رغبات الناس في السياحة الداخلية، أو حتى توسعة الأماكن الموجودة حاليا، وتوفير خدمات ممتازة تساعد المواطنين على الترويح عن أنفسهم وأطفالهم..
 
 

 مشكلة "تعز" 
 
أما الإعلامية دعاء الزمر، التي بدأت حديثها لـ "يمن شباب نت" بالتنويه إلى أنها اعتادت منذ صغرها على زيارة عدد من الأماكن خلال أيام العيد، ولعشرات السنوات، أكدت أنها "لم تجد أي تغيير طرأ على تلك الأماكن، وأن كل ما تشعر به هو أن تعز تتدهور نحو الأسوأ".
 
وتستشهد الزمر بـ "وادي الضباب"، كأحد المتنفسات الطبيعة الخلابة التي، ليس فقط لم تتطور لعشرات السنين، بل انتهى بها الحال إلى الإهمال.. تقول: "كان يوجد بوادي الضباب عيون مياه جارية كثيرة، وفجأة وجدناها نضبت كأنها لم تكن..!!"، كما شكت أيضا من عدم توفر أبسط الخدمات للزوار، مثل دورات المياه، رغم مواصلة الناس ارتيادها بكثافة..!!
 
وفي حين أعربت عن حسرتها لما آلت إليه مثل تلك المناظر الطبيعية الجميلة والخلابة، التي كانت تمتع نظر وقلوب الزوار، فقد أرجعت السبب، من وجهة نظرها، إلى الإهمال وعدم الاهتمام، وغياب حس الاستثمار والتنمية والتطوير، وكذا عدم وجود اهتمام ورقابة على الحفريات وعلى حفر الآبار العشوائية.
 
في الأخير؛ "قد يجد البعض أن الحديث عن المنتزهات الطبيعية والحدائق، يعد من الرفاهية، لاسيما وأننا ما نزال في حاله حرب لم تحسم بعد". وهو افتراض توقعته الإعلامية "الزمر"، لتقدم وجهة نظرها في هذا الأمر، قائلة: "بيد أن مشكلة تعز ليست في الحرب والحصار فقط؛ بل في وجود إهمال متعمد للمدينة من كل النواحي".
 
ولتعزيز ما ذهبت إليه، استشهدت بما يحدث في بقية المحافظات الأخرى، دونا عن محافظة تعز: "حيث نجد في بقية المحافظات، بما في ذلك صنعاء، على سبيل المثال، حركة تنمية لا تتوقف، إذ كل يوم نسمع عن افتتاح مشاريع ومولات تجارية وترفيهية.. وهو ما لا نجده، أو حتى نسمع عنه هنا، باستثناء بعض المشاريع البسيطة، التي لا ترتقي إلى المستوى المطلوب".
 



حتى "الهدنة" تبخرت

وكانت الأمم المتحدة، عبر مبعوثها إلى اليمن السيد هانس غروندبرغ، قد أعلنت عن هدنة لمدة شهرين، يتم فيها وقف كافة الأعمال القتالية بين الحكومة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها من جهة، وبين ميليشيات الحوثي الانقلابية من جهة أخرى، تبدأ مع بداية شهر رمضان وتنتهي مع نهاية شهر شوال..
 
وتضمنت اتفاقية الهدنة عدد من الشروط في الجانب الإنساني، معظمها كانت تصب لمصلحة ميليشيات الحوثي. وبالنسبة لأبناء مدينة تعز، كان أهم ما في تلك الاتفاقية، أنها تضمنت فتح المعابر المغلقة بين المدينة وبقية المناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة الحوثيين..
 
وعلى ضوء ذلك، استبشر سكان مدينة تعز (المحاصرة منذ سبع سنوات)، كون ذلك- إلى جانب ما فيه من تلبية لبعض احتياجاتهم الاقتصادية والانسانية المفقودة منذ سنوات- سيتيح لهم أيضا الحصول على متنفسات جديدة، متنوعة وواسعة جدا، لهم ولأطفالهم، بعد أن حرموا منها لسنوات؛ وأهمها حديقة وملاهي "دريم لاند" ذات المساحة الكبيرة جدا، والتي تتبع أحد رجال الأعمال المستثمرين الناجحين، من أبناء تعز، والذي جعل منها أفضل حديقة في اليمن، بما تحتويه من ألعاب حديثة وكثيرة ومتنوعة، إلى جانب ما توفره من خدمات كاملة تلبي احتياجات مختلف الزوار، بمختلف شرائحهم.
 

 
مر شهر رمضان كله، بينما كانت الكثير من الأسر هنا تعد أيامه المتباطئة، وهي تحلم بعيد فطر مختلف هذا العام، سيسعهم فيه إبهاج أطفالهم المحرومين من الفرحة كل هذه السنوات السبع العجاف. وفي حين ظل سكان تعز ينتظرون حدوث ذلك بفارغ الصبر، ظلت ميليشيات الحوثي تماطل، وترفض تسمية ورفع أسماء أعضاء لجنتها الخاصة لفتح المعابر. حتى مر العيد نفسه دون أن يتحقق لهم من أحلامهم شيء..!!
 
وبدلا من ذلك، تفاجئ سكان تعز، بأن قام الحوثيون بإرسال هداياهم العيدية وفقا لطريقتهم المعتادة؛ فمع بزوغ شمس أول أيام العيد عاودت الميليشيات قصف المدينة باستخدام الطيران المسير، الذي استهدف حي القيادة (جنوبي شرق المدينة)، على بعد أمتار من حديقة "جاردن سيتي"، ليستهدف بذلك ما تبقى من مظاهر فرحة للأطفال.
 
 كما قامت الميليشيات، في اليوم نفسه أيضا، بقصف عدد من القرى بريف تعز الغربي، حيث استهدفوا بمختلف أنواع الأسلحة السكان المدنيين في قرى مديريتي التعزية وجبل حبشي
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر