الأزمة الاقتصادية.. تحديات صعبة وملفات شائكة على طاولة المجلس الرئاسي

 أخذ الجانب الاقتصادي، حيزاً لا بأس به، في الإعلان الرئاسي الأخير، الصادر عن الرئيس هادي في الرياض، وتم بموجبه تشكيل مجلس القيادي الرئاسي، وتشكيل هيئة تشاور وتصالح لمساندة المجلس، وتشكيل فريق اقتصادي من الكفاءات الوطنية لدعم الإصلاحات الحكومية، وتقديم النصح والمشورة للحكومة والبنك المركزي.
 
وتضمنت المادة رقم (4) من الإعلان الرئاسي، في الفقرة (أ)، أن مهمة الفريق الاقتصادي "العمل على تعزيز الفعالية والشفافية والنزاهة في الأجهزة الحكومية، ودراسة التحديات الاقتصادية والعمل على إرساء أسس التنمية المستدامة ورسم الخطط اللازمة للتنمية الاقتصادية، وطرح الحلول التحفيزية للنمو الاقتصادي، والعمل على زيادة إيرادات الدولة ورفع كفاءة التحصيل".
 
وفي أول اجتماع لمجلس القيادة الرئاسي، برئاسة رشاد العليمي، مع الحكومة اليمنية (15 أبريل)، أشار إلى أن ملف الاستقرار الاقتصادي، وتخفيف المعاناة الإنسانية للمواطنين، يُعتبر أولوية وطنية قصوى، ويأتي في سلم أولويات الفترة القادمة.
 
وفي ظل ما يبدوا أنه اهتماماً ظاهرياً من قبل السلطة الجديدة لإصلاح الملف الاقتصادي، فليس من المبالغة القول إن تحديات كبيرة وملفات معقدة على طاولة مجلس القيادة الرئاسي لإصلاح الوضع الاقتصادي، وإعادة الاستقرار المعيشي والتنموي في البلاد، في ظل ما تعرض له الاقتصاد من عملية تجريف واسعة، على امتداد السنوات السبع من عمر الحرب.
 
وعلى الرغم من أن التحديات والإشكاليات التي يواجهها الاقتصاد اليمني، هي نتيجة لتراكم العديد من السياسات الخاطئة خلال الفترات الماضية التي سبقت الحرب، وأدت إلى الإخفاق والفشل في تحديث بنية وهيكل الاقتصاد الوطني، جراء استشراء الفساد الذي أعاق عملية النهوض والتطوير؛ إلا أنه خلال سنوات الحرب برزت تحديات أخرى طغت على المشهد، وباتت عملية إصلاحها تشكل أولوية ملحة وضرورة حتمية، تفاديا لمنع وصول الاقتصاد الوطني إلى مرحلة الموت السريري الكامل، ودخول البلاد في مرحلة الانهيار أو الإفلاس الشامل.
 
طيلة السنوات السبع الماضية، عصفت بالاقتصاد الوطني سلسلة من الأحداث والمتغيرات قضت على فرص النمو، وأعادته إلى الخلف عقودا من الزمن، مع تراجع وتقلص الإنتاج من بعض القطاعات والدعائم الاقتصادية، وتوقف الإنتاج بشكل كلي من بعضها الآخر.


 
ولعّل أبرز التحديات الاقتصادية، التي برزت منذ بدء الحرب التي تسببت بها جماعة الحوثي، خلال زحفها على المحافظات والمدن واجتياح العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر من العام 2014 وانقلابها على مؤسسات الدولة، تشظي الاقتصاد الوطني، وانهيار المالية العامة للدولة، والانقسام النقدي والمصرفي، وتشتت الموارد المحلية، وضياعها أو نهبها وعدم توريدها إلى الخزينة العامة للدولة، وأزمة انهيار العملة الوطنية، وتوقف صرف الرواتب لأكثر من مليون موظف في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي للعام السادس على التوالي، بينهم 135 ألف معلم ومعلمة.
 
 
 تشظي المالية العامة للدولة

كان من أسرع تأثيرات الحرب على الاقتصاد الوطني، تعطيل المالية العامة للدولة، مع عدم وجود أي سياسات حكومية في جانب تفعيل مالية الدولة، واستمرار نزيفها في ظل تعطيل الصادرات وتشتت الموارد، وعدم توريدها إلى الخزينة العامة للدولة، والبنك المركزي اليمني.
 
وأثرت الاختلالات، التي تعرضت لها مالية الدولة، على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وتدهور الأوضاع المعيشية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والجوع في أوساط الشعب. أضف إلى ذلك أن الاختلالات الهيكلية التي تعاني منها المالية العامة للدولة، أضعفت قدرتها في القيام بوظيفتها التنموية والاجتماعية تجاه أبناء الشعب.
 
وكان من أبرز العوامل التي ساهمت في ضعف مالية الدولة، هو تراجع الصادرات اليمنية بشكل قياسي، منذ بدء الحرب، وتوقف الدعم والمنح الخارجية، مع تراجع نشاط القطاع الخاص، وضعف تحصيل الإيرادات الضريبية والموارد العامة الأخرى.
 
تراجع الصادرات اليمنية، لاسيما النفطية والغازية، ضاعفت من الفجوة في عجز الميزان التجاري للدولة، حيث بلغ العجز ذروته في 2019، ليحقق عجزا بلغ 8,7 مليارات دولار، وفي العام 2020 بلغ عجز الميزان التجاري للدولة 7,8 مليارات دولار. وفقا لدراسة صادرة عن قطاع الدراسات والتوقعات في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، بالتعاون مع منظمة اليونيسف.
 
وبسبب تعقيدات الوضع في اليمن، فقد انخفضت قيمة الصادرات من 7,1 مليار دولار في عام 2012، إلى أدنى مستوى لها في 2015، مسجلة 0.5 مليار دولار، وفق وزارة التخطيط والتعاون الدولي بالحكومة الشرعية.
 
وعاودت الصادرات اليمنية، للارتفاع بشكل تدريجي، لكنها لم تصل إلى ذات الوتيرة التي حققتها قبيل الحرب، لا سيما الصادرات النفطية، وصادرات الغاز المسال المتوقفة حتى اليوم.
 
اختلال مالية الدولة، لم يتركز على جانب الإيرادات فقط، بل أثر بشكل كبير على تقلص النفقات الحكومية تجاه الشعب، حيث تعطلت معظم الخدمات الأساسية للمواطنين، وتوقفت الحكومة عن دعم المشتقات النفطية، التي كانت ملتزمة بها حتى العام 2014.
 
ومع استمرار سنوات الحرب، تفاقمت مسالة تشظي موارد الدولة وتشتتها، حيث بقت قطاعات وموارد هامة وحيوية تحت سيطرة مليشيا الحوثي، التي ظلت تجبي هذه الموارد دون قيامها بأي التزامات تجاه الشعب، من دفع للرواتب وتقديم الخدمات...الخ
 
وكانت الموارد الضريبية، والجمركية، وعوائد قطاع الاتصالات، من أهم الإيرادات التي تشكل ركائز هامة لاقتصاد الحوثيين، بعيدا عن سيطرة الدولة الشرعية، الأمر الذي يحرم الخزينة العامة للدولة عوائد مالية كبيرة.
 

 

الانقسام النقدي 
 
عقب قرار الرئيس هادي نقل البنك المركزي إلى عدن، في سبتمبر من العام 2016، رفضت جماعة الحوثي توريد إيرادات المدن والمحافظات، التي يسيطرون عليها، إلى البنك المركزي في عدن، وكان هذا شرطا وضعته الحكومة الشرعية، أنداك من أجل قيامها بصرف رواتب كافة موظفي الدولة في البلاد.
 
مع إصرار الحوثيين على التمسك ببقاء البنك المركزي في صنعاء، وممارسته لدوره كبنك مركزي، حتى بعد قرار نقله إلى عدن، عمل فعلياً على إيجاد انقسام نقدي، في ظل تعثر الحكومة في تحصيل الموارد من مناطق الحوثيين.
 
وأوجدت هذه الإشكاليات شروخاً كبيرة في الدورة النقدية الرسمية، وعمقت من عملية الانقسام، التي تفاقمت بشكل كبير جدا مع اتخاذ الحوثيين قرار حظر الطبعة الجديدة من العملة اليمنية، التي طبعتها الحكومة الشرعية في الخارج في عهد حكومة الدكتور أحمد بن دغر.
 
أدت عملية حظر الطبعة الجديدة من العملة في مناطق سيطرة الحوثيين، إلى أضراراً فادحة على التعاملات المالية، والتداول النقدي في البلاد بشكل عام، تاركةَ صعوبات ومعوقات كثيرة أمام المواطن اليمني.
 
وبدت عملية حظر الطبعة الجديدة من قبل الحوثيين، في مناطق سيطرتهم، كأنها نوع من الحرب على أموال المواطنين، وخصوصاً شرائح الموظفين والعمال، وهم الغالبية العظمى من سكان البلاد، مع اتساع الفجوة التداولية بين الطبعتين القديمة والجديدة من العملة اليمنية، ووصول عمولة التحويلات المالية من مناطق الحكومة إلى مناطق الحوثيين إلى أكثر من 100%.
 
وشكلت أزمة الانقسام النقدي في البلاد، واحدةّ من أخطر الأزمات التي عصفت باليمنيين، وفاقمت من معاناتهم المعيشية، مضيفةً قيودا وأعباءً كثيرة على التداولات المالية المحلية، حيث توسعت الفجوة في أسعار الصرف بين المحافظات اليمنية (صنعاء، عدن)، وأصبح وجود عملتين مختلفتين من العملة اليمنية أمرا مفروضا على الواقع، من خلال الطبعة الجديدة في محافظات الشرعية، والقديمة في مناطق سيطرة الحوثيين، دون أن تقدر الحكومة الشرعية على عمل شيء لردم تلك الفجوة، رغم امتلاكها الكثير من الأدوات الاقتصادية، التي لم تستخدمها خشية الإضرار بالمواطنين الساكنين في مناطق الحوثيين.

 
أزمة انهيار العملة 
 
فقدت العملة اليمنية، أكثر من ثلاثة أرباع قيمتها خلال السنوات الأخيرة من الحرب، الأمر الذي تسبب بتدني القدرة الشرائية للمواطن، وتراجع القيمة الشرائية للعملة، وارتفاع فاتورة تكلفة الاستيراد، ودخول البلاد في مرحلة تضخم جنوني، فقدت معه الحكومة السيطرة على ارتفاع الأسعار في الأسواق.
 
 بدأت مشكلة انهيار العملة مع قرار الحوثيين تعويم استيراد المشتقات النفطية، في الـ 15 من أغسطس 2015، والذي تسبب بضغوطات كبيرة على العملة الوطنية، وارتفاع نشاط المضاربة بالعملة في السوق المصرفية. وشكل هذا القرار مرحلة أولية في مسلسل تراجع الريال، من خلال تزايد عملية المضاربة للحصول على العملات الأجنبية في السوق المحلية لاستيراد الوقود.
 
مع دخول العام 2016، واستمرار جماعة الحوثي بالسيطرة على البنك المركزي في صنعاء، جرى استنزاف الاحتياطي النقدي اليمني الموجود في البنك، وبشكل متسارع؛ حيث عملت جماعة الحوثي على سحب 100 مليون دولار شهرياً من كمية الاحتياطي النقدي، حتى تقلص الاحتياطي من قرابة 5,5 مليار دولار إلى نحو 700 مليون دولار في سبتمبر 2016، وحينها كان سعر صرف الدولار الأمريكي قد أرتفع إلى 400 ريال يمني.
 
وفي نهاية العام 2016، فاقم قرار طبع العملة الجديدة دون غطاء نقدي، الذي اتخذته الحكومة الشرعية في عهد "بن دغر"، عبر المحافظ الأسبق للبنك المركزي منصر القعيطي، في تدهور قيمة الريال الوطني أمام العملات الأجنبية.
 
وبشكل عام؛ ضاعف من أزمة تدهور العملة اليمنية، عدة أسباب، أهمها: نهب الحوثيون للاحتياطي النقدي من العملة الصعبة، وعملية الانقسام النقدي، وتشتت الموارد، وتوقف الصادرات النفطية، وضياع ونهب أغلب إيرادات المؤسسات المحلية، لا سيما الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي. لينعكس تدهور العملة الوطنية على مجمل الأوضاع المعيشية؛ حيث شهدت أسعار المواد الضرورية والغذائية والاستهلاكية صعودًا قياسيا، بنسبة عالية، مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وتضخم تكاليف المعيشة، ودخول البلاد في دوامة الجوع والمجاعة.
 

 

توقف الرواتب
 
تسبب قطع الرواتب على أكثر من مليون موظف في مناطق سيطرة الحوثيين، في خلق أزمة إنسانية غير مسبوقة، مع انعدام مصادر الدخل، وغياب أي مصادر أخرى للدخل. وترك كثير من الموظفين أعمالهم الحكومية واتجهوا إلى القطاع الخاص لتدبّر أمور معيشتهم، في حين ظل كثير من المعلمين مجبرين على أداء عملهم بسبب تهديدهم بالفصل والاستبدال. وبذلك كانوا هم الأكثر تضرراً من توقف صرف الرواتب، حيث لا يعد هذا القطاع جهة إيرادية، يمكن أن توفر لموظفيها ولو حتى مبالغ بسيطة من وقتٍ لآخر، كبعض القطاعات الأخرى الحكومية الإيرادية.
 
وحرمت جماعة الحوثي الموظفين من رواتبهم، على الرغم من الإيرادات المهولة التي ظلت تجبيها في مناطق سيطرتها، حيث تضاعفت عملية تحصيل الإيرادات، سيما الموارد الضريبية والجمركية، وهي موارد كافية لدفع رواتب الموظفين في أنحاء الجمهورية بشكل شهري ومنتظم.
 

خلاصة

 لا تقتصر التحديات المفروضة على الحكومة الشرعية في الجانب الاقتصادي، على ما تم ذكره أعلاه، بل هناك تحديات أخرى عديدة.. حيث تزايد معدل الانتهاكات ضد القطاع الخاص في مناطق سيطرة الحوثيين، والمتمثلة في فرض الجبايات والإتاوات المالية غير القانونية بشكل مستمر، والاستيلاء على شركات ومؤسسات تجارية أهلية خاصة. أضف إلى ذلك: الازدواج الجمركي والضريبي، وإغلاق المنافذ والطرق الرئيسية بين المحافظات أمام حركة نقل البضائع والسلع، لتتسبب هذه الانتهاكات، وغيرها، بهروب رأس المال الوطني، نتيجة عدم توفر البيئة المناسبة لممارسة النشاط التجاري والصناعي، ما أدى إلى تراجع نشاط القطاع الخاص، بشكل ملحوظ، وضياع مئات الآلاف من فرص العمل.
 
وتُمثل هذه التحديات المذكورة في الجانب الاقتصادي، رأس الجليد للأزمة الاقتصادية اليمنية، في ظل ما تعانيه المؤسسات والهيئات المالية والاقتصادية في البلاد من اختلالات هيكلية مزمنة، وانعدام للشفافية، وغياب تطبيق القانون، وانعدام مبدأ الثواب والعقاب،.. وغيرها من الاختلالات الأخرى الكثيرة التي فرضتها تداعيات الحرب والأزمة الاقتصادية، والتي هي بحاجة إلى حزم وبرامج إصلاحات اقتصادية شاملة، ودعم دولي واسع، حتى يمكن انتشال الاقتصاد اليمني من براثن التدهور والانهيار.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر