ناقوس الخطر يدق أبواب العالم.. تحديات وحلول أمام اليمن في توسيع زراعة القمح

[ تحديات وحلول أمام اليمن في مواجهة أزمة القمح العالمية بفعل الحرب الروسية الأوكرانية ]

 بفعل الحرب التي شنتها روسيا ضد أوكرانيا، عاد القمح من جديد ليتصدر المشهد، كواحد من أهم المنتجات القومية السيادية للبلاد، حيث رفعت هذه الحرب من وتيرة المخاوف لدى عدد من البلدان، لا سيما تلك التي تستورد القمح من الدولتين المتحاربتين على وجه الخصوص.
 
ومع الحديث عن احتمالية توسع الحرب، تجدد الحديث القديم حول أهمية اكتفاء الدول من هذا المحصول كمنتج قومي مهم، على اعتبار أن نقصانه يعني الانتقاص من سيادة البلاد.
 
وفي الفترة السابقة، كانت هناك تقارير دولية تتحدث عن مؤشرات لأزمة غذائية خانقة ستعصف بالعالم بفعل تداعيات وباء كورونا والصراعات الإقليمية والتغييرات المناخية، حتى جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لترفع من حدة هذه المخاوف. وفقا للباحث الأكاديمي يوسف مرعي، وهو باحث دكتوراه في العلاقات الدولية والسياسية العالمية في روسيا.
 
وأضاف مرعي لـ "يمن شباب نت" أن منظمة الأغذية والزراعة العالمية حذرت، في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، من ارتفاع في أسعار السلع عالميا بنسبة تصل إلى 41%، مع ارتفاع في أسعار الحبوب بنسبة 27٪، ما يقود إلى سؤال، هو: كيف سيكون حال العالم اليوم في ظل هذه المؤشرات؟.
 

مشكلة اليمن في الواجهة

وبتخصيص الحديث عن اليمن في هذا الجانب؛ سنجد أنه على رأس الدول العربية التي تعاني من ضآلة كبيرة في حجم إنتاجها المحلي من القمح، مقارنة بحجم ما تستهلكه منه سنويا، ما يعني أنها لا تستطيع أن تعتمد على إنتاجها المحلي في حال حدوث طوارئ دولية تجعل وصول المنتجات إلى البلد أمر شاق وباهض الثمن.
 
ويعاني اليمن من محدودية في إنتاج القمح، فضلاً عن تناقصه مقابل تنامي احتياجات السكان الاستهلاكية منه. وقد أكدت النشرة الاقتصادية لوزارة التخطيط اليمنية، عن شهر فبراير سنة 2018، على انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي من محصول القمح باليمن إلى أقل من 5٪.
 
ولما كان من الطبيعي، في مثل هذه الظروف الحديثة، أن تبدأ البلدان في التفكير أكثر بتوسيع زراعة القمح المحلي، للوصول إلى الحد المُستطاع من الاكتفاء الذاتي؛ تقف معوقات كبيرة وكثيرة أمام اليمن في هذا الجانب..
 
ويرجع الأكاديمي والمحلل السياسي عبد الواسع الفاتكي، الأسباب تحول دون التوسع في زراعة القمح في بلادنا، إلى وجود معوقات عدة، "وفي مقدمتها: إهمال الحكومة، وعدم تشجيعها للمزارعين، بل غيابها التام عن توفير الدعم اللازم لزراعة القمح".
 
وهناك أيضا "التكلفة المرتفعة لإنتاج القمح"، كواحدة من المعوقات التي يذكرها ضمن حديثه الخاص مع "يمن شباب نت"، مرجعا سبب ذلك، بدرجة رئيسية، إلى "التدهور الاقتصادي، وانخفاض العملة الوطنية، مع الارتفاع الكبير الحاصل في أسعار المشتقات النفطية، وهو ما انعكس بدوره على ارتفاع تكلفة إيجار الأيدي العاملة، وضعف قدرة المزارعين الشرائية للآلات الزراعية والبذور".
 
ويقول أحمد المخلافي، وهو تاجر حبوب بالجملة في تعز، لـ "يمن شباب نت" إن سعر بيع القمح المحلي يصل إلى ضعف سعر بيع القمح الخارجي في السوق اليمنية، حيث يباع الكيلو الواحد من القمح المنتج محليا بسعر ألفين ريال يمني (يوازي 1.6 دولار بسعر صرف اليوم)، بينما يباع الكيلو الواحد الخارجي بألف ريال في السوق المحلية.
 
 ومع ذلك، يرى الأكاديمي، عبد الواسع الفاتكي، أن الحجج التي ترجع عدم التوسع في زراعة القمح محليا، إلى ارتفاع تكلفة إنتاجه وبالتالي ارتفاع أسعار بيعه مقارنة بأسعار بيع القمح المستورد، على أنه تعليلا "غير وجيها"، مضيفا: "حيث وأن التوسع في زراعة القمح، وتشجيع القطاع الخاص والجمعيات والاتحادات الزراعية للاستثمار في زراعته، كفيل بأن يكسر احتكار القمح المستورد للسوق، وبالتالي يجعل القمح المحلي في الفترة المقبلة منافساً قوياً، يسهم في انخفاض أسعاره في السوق".
 

 

تحديات إضافية، دولية ومحلية
 
وفقا للباحث الأكاديمي، يوسف مرعي، ضمن حديثه لـ "يمن شباب نت"، فإن روسيا وأوكرانيا تشكلان ما نسبته 30٪ من تجارة القمح العالمية، بالإضافة إلى أن روسيا فرضت قيودا على تصدير المواد الخام، بما فيها الأسمدة الزراعية، التي انخفض إنتاجها أيضا في دول أوروبا بفعل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي.. وهذا بلا شك سينعكس على الإنتاج الزراعي للقمح في العالم كله.
 
وفي حين أن العالم كله يدرس خياراته، ويعد عدته استعدادا لمواجهة التبعات الاقتصادية المرشحة عن هذه المعركة المحتدمة بين المعسكر الغربي، ممثلا بالناتو والولايات المتحدة من جهة، وروسيا الاتحادية وحلفائها من جهة أخرى؛ أما اليمن، الذي دخل لتوه سنته الثامنة من الحرب التي خلفت ورائها أسوأ كارثة إنسانية عالمية وفقا لتقديرات الأمم المتحدة؛ لا يبدُ أن حكومته مستعدة، أو حتى تمتلك قدرة الاستعداد، لفعل أي شيء في مواجهة التحديات المحدقة..!!
 
ويرى مرعي أن مأزقنا في اليمن أكثر صعوبة، ونحن نرى الضرر يدق أبواب دول تتمتع بهياكل سياسية واقتصادية قوية، فيما نحن نعتمد حالياً على ما يقدمه المانحون. ومع ذلك؛ فحتى هؤلاء عجزوا هذه المرة عن تجاوز ما نسبته مليار دولار ضمن خطة الاستجابة الإنسانية التي قدمتها الأمم المتحدة بواقع احتياج وصل إلى أربعة مليار ونصف المليار دولار..!!
 
كما نوه مرعي إلى أن المنظمات الدولية المعنية بالعمل الإنساني، باتت هي الأخرى منشغلة في الحرب الدائرة في أوروبا، حيث أخبرتنا أزمة أوكرانيا أن اللاجئ الأوروبي له الأولوية في الدعم والمساندة والتضامن الكامل، فضلاً عن أن التداعيات السياسية على ملفات وقضايا المنطقة قد تختلف عما كانت عليه قبل الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي قد يغير معه الإجماع شبه الكلي، الذي كان حاضراً فيما يتعلق بالملف اليمني، ما سيزيد من تعقيد الأمور وإطالة أمد الصراع.
 
وإلى جانب ما سبق، يضيف أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز الدكتور محمد قحطان، معوقات إضافية أخرى، ذات طابع محلي، مثل: "شحة المياه الجوفية، وغياب الأراضي المروية، بالإضافة إلى تشتت الملكيات الزراعية، وغياب أي دور فاعل للدولة"، والتي بمجموعها- كما يقول- تمثل تحديات كبيرة أمام توسيع زراعة القمح في بلادنا.
 
وأشار قحطان، ضمن حديثه لـ "يمن شباب نت"، إلى أن اليمن (في السابق) "اشتهرت بالوديان المروية والأنهار والعيون المائية المنحدرة من كثافة الأحواض المائية، إلا أن تلك الأحواض المائية الجوفية في بلادنا انخفض منسوبها المائي إلى مستويات عالية جداً حسب بعض الدراسات".
 
 
 بعض الحلول الممكنة

وعلى الرغم من تلك المعوقات الكثيرة، إلا أن اليمن- حسب تقديرات قحطان "تكتسب قدرا عاليا من القدرات والأراضي الزراعية المعتمدة على مياه الأمطار الموسمية، ولكن لاعتبارات الحرب، وعدم الاستقرار السياسي، وغياب مؤسسات الدولة، يمكن فقط الاعتماد في تأهيل هذه القدرات على المنظمات الدولية المعنية بالتنمية الزراعية، مثل منظمة "ألفاو" وغيرها، للمساعدة في زراعة المحاصيل المطرية؛ كالحبوب بأنواعها المختلفة"..
 
فذلك- كما يعتقد- من شأنه "التخفيف من اعتماد المستهلك اليمني على القمح المستورد، والاتجاه نحو استهلاك الحبوب بأنواعها، وخاصة في الريف اليمني"
 
ومن ضمن المعالجات الممكنة، في نظر الأكاديمي الاقتصادي محمد قحطان: "الاتجاه نحو بناء الأحواض والسدود المائية، واستحداث زراعة القمح بكميات تجارية، إلى جانب غيره من المحاصيل الزراعية"، منوها إلى أنه "من الممكن، في حالة الاستقرار السياسي، وتوجيه الدعم الكافي لتنمية القطاع الزراعي، أن يصل اليمن إلى درجة عالية من الأمن الغذائي، يمكن من خلاله التصدير إلى دول الجوار من الفائض الموجود".
 
وفي سياق الحديث عن الحلول، والإجراءات التي يجب أن يتم تفعيلها حالياً في اليمن، يعتقد الباحث يوسف مرعي، من جهته، أن المبادرات الوطنية الداخلية يجب أن تظهر اليوم أكثر من أي وقت مضى لتعبئة الداخل في التوجه نحو توسيع زراعة القمح والحد من زراعة القات، وتوظيف جزء من إمكانيات الأخير لأجل الأول.
 
 
خارطة الإنتاج المحلية.. مناطق قابلة للتوسع
 


ولعل من المناسب، في هذا المقام، الإشارة إلى ما تضمنته النشرة الاقتصادية الصادرة عن وزارة التخطيط اليمنية، في العام 2017، من توزيع لخارطة إنتاج القمح في بلادنا، للبناء عليها عند اتخاذ الحلول والمعالجات المطلوبة..
 
حيث أشارت النشرة المذكورة إلى أن خارطة أنتاج القمح في اليمن، تتركز في خمس محافظات يمنية تنتج ما نسبته 82.6% من إجمالي القمح في البلاد. تأتي محافظة الجوف في مقدمتها بنسبة (33.1٪)، يليها محافظة إب بنسبة (15.8٪)، ثم حضرموت بنسبة (12٪)، فمأرب بنسبة (10.9٪)، وذمار بنسبة (10.8٪). فيما تنتج باقي المحافظات ما نسبته 17.4٪، باستثناء محافظات الحديدة والمهرة وعدن، التي لا تزرع القمح، بل أنواع أخرى من الحبوب.
 
وبخصوص المناطق التي من الممكن أن يتم استغلالها لتوسيع زراعة هذا المنتج، فحسب دراسات غير منشورة لوزارة الزراعة عام 2016، فإن المناطق الشرقية والمرتفعات الجبلية (الشمالية والوسطى)، تعد من أهم المناطق الواعدة لزراعة القمح في البلاد،..
 
وتفيد الدراسات نفسها، أن المناطق الشرقية على وجه الخصوص، والتي تشمل (مأرب، حضرموت، والجوف)، تتمتع بمزايا تميزها عن سواها من المناطق اليمنية؛ مثل وفرة المياه الجوفية، وقابلية إدخال الميكنة في العمليات الزراعية مما يؤهلها لزيادة أنتاج القمح بعوائد مجزية إلى 114,000 طن، أي بأكثر من ضعف مستواه الحالي (107.7٪)، وذلك من دون تغير كبير في المساحة المزروعة (22.4٪).
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر