"في ظل بيئة خطرة".. الحرب تُجبر أطفال اليمن للخروج إلى سوق العمل قسراً

[ طفل يبيع في أحد الاسواق الشعبية بمدينة تعز (يمن شباب نت) ]

وجد الطفل "وسام عبد الرحمن" (12عاماً) نفسه مسؤولا عن إعالة أمه وإخوانه الصغار بعد أن قُتِل والده بقذيفة حوثية بشارع الثلاثين شمال مدينة تعز (جنوب غربي اليمن)، تحمل مسؤولية مبكرة مثل الكثير من أقرانه في كل المحافظات اليمنية، حيث رمت بهم الحرب إلى سوق العمل قسراً.
 
ويدفع الأطفال في اليمن ثمنا باهظا للحرب المدمرة التي أشعلتها مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران في سبتمبر من عام 2014 والتي ما زالت مستمرة، وما خلفته من آثار جسيمة على كافة الجوانب، خصوصا الإنسانية والاقتصادية، بالإضافة إلى الآثار النفسية.
 
وخلال السبع السنوات الماضية فقد الأطفال حياتهم الطبيعة وحرموا من حقوقهم، بالإضافة إلى جرائم القتل والإعاقة والتشرد من منازلهم، في حين دفعت الحرب بشريحة كبيرة منهم إلى سوق العمل، إما نتيجة فقدان معيليهم في الحرب، أو بسبب ارتفاع تكاليف المعيشية جراء تدهور الوضع الاقتصادي أو فقدان أرباب الأسر لمصادر دخلهم.
 
ورغم ما يتعرضون له من مخاطر صحية واجتماعية ونفسية، إلا أن الوضع فرض عليهم تحمل المسؤولية ودفعهم إلى الانخراط في العمل بمجالات مختلفة، كباعة متجولين أو ببسطات صغيرة أو في الأعمال الشاقة ببعض الأحيان، بما يساعد أسرهم في البقاء على قيد الحياة، بدلا من الاستمتاع بطفولتهم ومواصلة تعليمهم.
 

معاناة مستمرة
 
كان لأسرة الطفل "وسام" منزلا خاصا في منطقة قريبة من مرتفعات الدفاع الجوي، ونتيجة للقصف والقنص المتكرر التي تشنها مليشيات الحوثي على الأحياء السكنية، تركت الأسرة المنزل بحثا عن حياة أمنة في إحدى شوارع المدينة، متخذة من دكان بسيط مأوى تمارس فيه تفاصيل الحياة الكبيرة في زاوية صغيرة يسكن فيها ثلاثة أطفال ووالدتهم.
 
بصوت ممزوج بمعاناة الكبار وبراءة الصغار يقول "وسام" لـ"يمن شباب نت": "أذهب نادراً إلى المدرسة ودائماً أقضي وقتي في العمل".
 
ويضيف: "في كل صباح تقوم والدتي بتجهيز الكباب (المصنوع من الروتي المطحون والبطاطا)، ثم أقوم بحملها على رأسي بصحن، والتجول بها في الحارات والشوارع".
 
 يبذل "وسام" جهدا كبيرا في عمله متنقلا من حارة إلى أخرى، لكن أرباح ما يبيع من الكباب لا يكفي لتغطية احتياجات الأسرة في ظل غلاء المعيشة، وفي الوقت ذاته يتعرض للتذمر والسخرية من الأطفال الأخرين بسبب عمله، الأمر الذي أثر عليه نفسيا فجعله يبكي أحيانا ويرفض الخروج للبيع بنفس الحي الذي يتعرض فيه للتنمر، ما يضطره إلى تغيير أماكن أخرى بعيدة لا تعرفه ولا يعرفها، وفق حديثه لـ"يمن شباب نت".
 
بل إن أكثر ما يؤثر فيه - حسب قوله - عندما يقف على بوابة المدرسة لبيع الكباب: "أعيش بلا طفولة فقدت طفولتي عند بوابة المدرسة بانتظار خروج الأطفال وكأني شيبة (كبير في السن)"، وهكذا يقضي وسام طيلة اليوم خارج المنزل، لا يعود إلا وقد باع كل ما صنعت أمه من الكباب، ومثل وسام كثير.
 


وضع كارثي على الأطفال
 
تقدر الإحصائيات، انخراط أكثر من مليون ونصف طفل يمني دون سن الـ 15 في سوق العمل، وهذه الظاهرة تنمو بشكل متسارع وبمتوسط سنوي بلغ (10%) من إجمالي عدد الأطفال دون سن الثانية عشر.
 
وهناك تقديرات تؤكد وجود أكثر من مليوني طفل يمني يمارسون مختلف الأعمال الشاقة خاصة في ظل ظروف حرب اقتصادية، الضحية والمتضرر الأكبر فيها هم الأطفال الذين أجبرتهم ظروف الحياة على تحمل مشقتها.
 
وارتفعت معدلات الفقر في اليمن، إلى أكثر من 75% مقارنة بـ 47٪ في عام 2014، بحسب تقديرات الأمم المتحدة العام الماضي، وكان لهذا الارتفاع المخيف أثره البالغ على فئة الأطفال.
 
يعيش الأطفال اليمن وضع كارثي، ولا توجد أي حلول تحمي حقوق الطفولة مما ساهم في زيادة معدلات عمالة الأطفال إلى أربعة أضعاف مما كان عليه الحال قبل العام 2014(قبل انقلاب مليشيات الحوثي)، وفق المحامي والعضو منظمة سياج لحماية الطفولة علي الصراري.
 
وقال الصراري لـ"يمن شباب نت"، إن "المشكلة تفاقمت مع استمرار الحرب والانهيار الاقتصادي، وارتفاع عدد النازحين اغلبهم من الاطفال، إضافة لانقطاع المرتبات وتدني دخل الفرد أصبحت الأسر تدفع بأبنائها الاطفال الى العمل والبحث عن مصادر دخل في بيئات مختلفة كباعة متجولين في شوارع المدن، أو العمل بالأجر اليومي أو التسول وهذا يشكل خطورة عليهم ويجعلهم فريسة للاستغلال بشتى أنواعه".
 

 
طفولة بائسة
 
من جهته يرى المختص في الشؤون الاجتماعية، جمهور الحميدي" أن لعمالة الأطفال أثار اجتماعية وثقافية وسلوكية وغيرها، فمرحلة الطفولة مرحلة تنشئة وممارسة العمل في مراحل مبكرة ينعكس سلباً على حياة الفرد منها الجسدية والنفسية والاجتماعية.
 
وقال الحميدي لـ"يمن شباب نت"، إن "الطفولة العاملة تسمى الطفولة البائسة لأنها تحرم الطفل من ممارسة اللعب وتنمية مهاراته المختلفة وكذا حرمانه من إشباع المثيرات الحسية والشعور بالذات".
 
ومع توسع ظاهرة عاملة الأطفال في اليمن، كنتيجة حتمية فرضتها حرب المليشيات الحوثية على اليمنيين بمختلف فئاتهم، حيث كان للأطفال نصيب منها، يؤكد "الحميدي" على أهمية دور المجتمع والمنظمات في تخفيف العبء والخطر الذي يتربص بحياة بهؤلاء الصغار، إلى جانب الدور الواجب من الحكومة اليمنية.
 
ويلفت إلى أهمية تشجيع الأطفال على الدراسة وتوفير احتياجاتهم من المتطلبات المدرسية لتفادي اضطرارهم للجوء إلى أشكال عمل لا يناسب أعمارهم، وكذا متابعة أوضاعهم الصحية والعملية، وايقاظ الوعي والهمم.
 
بالإضافة إلى ذلك - يؤكد الحميدي - على أهمية تعبئة المجتمع ومنظمات المجتمع المدني للمساهمة في دعم الأسر الفقيرة لمساعدتها في انتشال أطفالها من سوق العمل ببدائل مساعدة لتعويض دخلها المادي تغنيها وتنسيها المردود الذي كانت تحصل عليه من عمل أطفالها.
 
وفوق ذلك فإن اليمن بحاجة إلى مشاريع وأنشطة تنموية، والتمكين الاقتصادي للأسر الضعيفة التي يعمل أطفالها، إذ أن هذه المشاريع تعد وسيلة مهمة قد تساهم بأي حال في إنقاذ ما تبقى من الطفولة في اليمن ولو بشكل محدود.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر