مليئة بالحشرات والشوائب.. مساعدات "فاسدة" بتواطؤ رسمي في تعز (تقرير خاص)

[ سكان في تعز: الأرز المقدم من كوريا الجنوبية تالف ولا يصلح للأكل/ يمن شباب نت ]

  "بعد شهرين من الانتظار لحصتنا من السلة الغذائية، حصلنا عليها أخيرًا ولكنها تالفة غير صالحة للاستخدام الآدمي"؛ يقول جميل صالح (45عامًا) عن معاناته مع المساعدات الإغاثية المقدمة من وكالات الأمم المتحدة التي بات معظم اليمنيين يعتمدون عليها بشكل رئيس في ظل استمرار الحرب وتدهور الوضع الاقتصادي.
 
في أغسطس/آب الماضي، حصل صالح وغيره الكثير من سكان مديرية صالة شرقي مدينة تعز على "أرز تالف، لا يصلح  للأكل إلى جانب زيت الطبخ والملح مقدم من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة"، كما يقول، بعد أن كانوا في السابق يحصلون على سلة غذائية تحتوي على "الدقيق والزيت، والسكر".
 
وأضاف صالح لـ"يمن شباب نت"، أن "توزيع المعونات الفاسدة بات مشهدا يتكرر في ظل غياب دور الرقابة"، لافتًا إلى أنه سبق وأن حصل على دقيق مليء بالحشرات مما أضطره إلى بيعه بسعر يساوي نصف قيمته في السوق.
 
وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أعلن مطلع يوليو الماضي، عن وصول 18 ألف طن الأرز إلى مدينة عدن، مقدمة من كوريا الجنوبية، كمساعدات إنسانية لليمن.
 
إغاثة رديئة
 
وفقا لمدير مديرية صالة، عارف اليوسفي فإن "الأرز خضع للفحص وتبين أنه مطابق للمواصفات والمقاييس، بحسب ما أبلغتنا الجهات الإشرافية في مكتب الصحة والسكان بالمحافظة"، لكنه قال خلال حديثه"يمن شباب نت"،إن "هذا النوع من الأرز غير مرغوب لدى المواطنين"، على حد تعبيره.
 
في أواخر يوليو الماضي، وصلت شحنة الأرز تلك إلى مدينة تعز وتم التحفظ عليها من قبل مكتب الصناعة والتجارة بالمحافظة؛ لكن "مسؤول في السلطة المحلية أمر بالإفراج عنها وتوزيعها للمواطنين" وفق مصدر مطلع أفاد لـ"يمن شباب نت"!!.
 
بدوره، يؤكد رئيس لجنة الرقابة في مكتب الصناعة والتجارة بتعز، رفيق البريهي، أن "الأرز من النوع الرديء"، مشيرًا إلى أن "البيانات الخاصة بالأرز غير واضحة ولم يذكر تاريخ محصوله سواء أنه مكتوب عام 2018 بحيث أنه لا يُعرف إن كان صالحا أو فاسدا".
 
وقال البريهي لـ"يمن شباب نت": "نظريا هو رز رديء لا يصلح أن يكون إغاثة للمواطنين"، مضيفًا أن" الكمية وُزعت بعد أن جاءت النتيجة من هيئة المواصفات والمقاييس بأنه صالح للاستخدام".
 
ولم ترد هيئة المواصفات والمقاييس على طلبنا للتعليق حول الأمر.
 
ورغم شكاوي السكان من الأرز الكوري، إلا أنه لا يزال يُوزع عليهم من قبل منظمات محلية؛ حيث تشير إحصاءات رسمية اطلع عليها "يمن شباب نت"، إلى أنه وُزع خلال أغسطس /آب الماضي أكثر من ثلاثة آلاف كيس أرز كوري (عبوة 40 كيلو جرام) على سكان مديرية صالة فقط.
 
قمح مليء بالشوائب
 
ليست هذه المرة التي يتم فيها الكشف عن توزيع مساعدات غير صالحة للسكان في تعز، ففي مطلع أبريل الماضي وزع برنامج الأغذية العالمي عبر شريكيه منظمة "كير" وشركة السعيد للتجارة (تابعة لمجموعة هائل سعيد أنعم وشركائه)، على مديريتي المظفر والقاهرة، قال السكان إنه "قمحًا فاسدًا".
 
وبعد قيام مكتب الصناعة والتجارة بفحص عينات منه خلص إلى أنه "غير مطابق لمواصفات البرنامج كون المواصفات هو قمح آخر مدعم بالحديد والفوليك".
 
وقال حينها في بيان له إن القمح "رديء ومليي بالشوائب وتعتبر كميات معادة من الشهر السابق وتم طحن كميات كبيرة منها خارج المصنع ولا يوجد خيط تختيم الوكالة".
 
ما احتواه القمح كان ثلثين منه "عبارة عن طحين والثلث الآخر قشور لا يصلح للاستخدام الآدمي"، وفق البريهي، لافتًا إلى أن الصنف من القمح سبق أن وُزع في محافظتي ذمار وإب وأنه تم طحنه بمطاحن غير تابعة لمجموعة هائل سعيد أنعم وشركائه.
 
وتابع:"أبلغنا بيت هائل سعيد ومنظمة كير بشأن ذلك وحذرناهم من تكرار إدخال هذا النوع من القمح، وأنه سيتم إيقافه وبعد ذلك لبوا الطلب وغيروا نوعية الدقيق واستبدلوه وبعد أن قمنا بفحصه تبين أنه سليم".
 
ما آلية الفحص؟

وحول آلية فحص الدقيق، أوضح البريهي أنها "تتم عبر النخل، كي يتم التأكد من وجود حشرات، بالإضافة إلى الاطلاع على البيانات ومدى توافقها مع مواصفات الجودة والمقاييس".
 
وأشار إلى أنه تم فحص قبل سنة كمية من الدقيق المخصص لمديريات مشرعة وحدنان وصبر الموادم وجبل حبشي فتبين أن بدخله "سوس" (حشرات) فمُنع توزيعه وتم إرجاعه بالكامل إلى عدن.
 
خلال عام 2019، ضبط مكتب الصناعة والتجارة بتعز نحو 400 كيس قمح غير صالح للاستخدام الآدمي في مديرية صالة وأكثر من 4 ألف كيس آخر في مديرية جبل حبشي، بحسب البريهي.
 
ويرجع سبب تلف المساعدات الإغاثية، وفق البريهي، إلى سوء التخزين والذي ينتج عنه فساد القمح، لافتًا إلى قيام مسؤولي المخازن بمعالجة القمح أو الدقيق عن طريق التبخير بهدف قتل السوس (الحشرات) ولكنها في حقيقة الأمر تولد "الأرقة"، وهو نوع آخر من الحشرات كما يسميه.
 
وتتم عملية التبخير عن طريق إلقاء أقراص من فوسفيد الألمنيوم وكاربامات الأمونيوم، في مستودعات وصوامع الغلال لحمايتها من الآفات الحشرية.
 
وذكر البريهي أن الإغاثة تخضع شهريًا للفحص قبل أن تتم عملية التوزيع، وأن لدى مكتب الصناعة والتجارة نقطة في المدخل الغربي للمدينة تقوم بالتعقب على الإغاثة قبل دخولها المدينة.
 
وجبات محشوة بـ"الزجاج"
 
المساعدات الفاسدة لا تقتصر فقط على الدقيق والأرز، بل طالت أيضًا الوجبات المخصصة لطلاب المدارس، حيث عثر مؤخرًا طلاب مدارس بمديرية سامع (جنوب المحافظة) على ما قالوا إنه "زجاج ودبابيس" في الوجبات الغذائية المقدمة من برنامج الأغذية العالمي.
 
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو لقطع بسكويت وزُعت على الطلاب محشواه بالشوائب.


 
وقال الناشط عامر دعكم في تدوينة على صفحته بموقع فيسبوك: "هذه قطعة بسكويت تحوي قطعة زجاج، وجدها طفل في مدرسة قريتنا بسامع، وطفل آخر وجد أجزاء من "إبر" داخل تغذيته المدرسية"، لتقرر على إثره مدارس في مديرية سامع إيقاف توزيع الوجبات وتحريز العينات التالفة وإرسالها مع محضر إثبات إلى الجهات المعنية.
 
من جانبه، قال برنامج الأغذية العالمي، إن "الأدلة التي تم جمعها حتى الآن استبعدت حدوث تلوث في المصنع"، لافتًا إلى أن هذه حادثة عبث منفردة في أحد مديريات محافظة تعز.
 
وأضاف البرنامج في بيان، أنه "لن يتسامح مع أي تدخل في عملية توزيع المساعدات الغذائية وأنه يعمل على حل هذه المسألة بشكل سريع لضمان حصول أطفال المدارس في اليمن على المساعدة التي يحق لهم الحصول عليها".
 
وتكرر توزيع هذا النوع من الوجبات المدرسية خلال السنوات الماضية، حيث سبق أن اتهم مكتب التربية والتعليم بمديرية الشمايتين، في يناير 2019، برنامج الغذاء العالمي، بتوزيع وجبات غير صالحة للأكل على طلاب المدارس بالمديرية.
 
ضعف الرقابة
 
ويعتمد نحو 80 في المئة من اليمنيين على المساعدات الإغاثية، إذ يعاني 400 ألف طفل دون سن الخامسة من سوء تغذية حاد، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
 
يفسر الناشط في المجال الإغاثي، ياسر الشرعبي، سبب تكرار توزيع المساعدات التالفة بأنه ناتج عن غياب الدور الرقابي سواء من الجهات الحكومية أو المنظمات الرقابية التي تعاقدت معها وكالات الإغاثة الدولية.
 
وقال الشرعبي لـ"يمن شباب نت"، إن "تساهل المؤسسات الرقابية مع الشحنات الإغاثية الفاسدة التي أعلن عن ضبطها خلال الأعوام الماضية وعدم اتخاذ إجراءات رادعة إزائها، أدى إلى تكرار الأمر"، متهمًا الجهات الرقابية الرسمية بالتواطؤ مع تلك المنظمات وتغطية فضائحها.
 
ومنذ بداية الحرب عام 2015، تعقد الأمم المتحدة سنويًا مؤتمر المانحين لتسليط الضوء على الوضع الإنساني في اليمن والحصول على التزامات مادية من الجهات المانحة والتي يبلغ عددها أكثر من 126 جهة مانحة مكونة من دول ومنظمات.
 
ووفقا لأحدث بيانات الأمم المتحدة، سيواجه أكثر من 16 مليون يمني الجوع هذا العام، وهناك ما يقرب من 50 ألفا يتضورون جوعا في ظروف تشبه المجاعة.
 


- فيديو :


مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر