آثار تعز.. تاريخ اليمن المتسرب بين ثلاثية: الحرب والتهريب والإهمال (تقرير خاص)‏

[ أثار تعز المنهوبة يتم تهريبها تباعا من قبل عصابات التهريب لبيعها خارج اليمن، وسط تقاعس حكومي مريب ]

 قبل أسابيع قليلة فقط، تم ضبط واسترجاع قطع أثرية نادرة، مهربة من مدينة تعز، قبل وصولها إلى مدينة المخأ الساحلية، حيث كان تجار الآثار هناك على أهبة الاستعداد لدفع عشرات الآلاف من العملة السعودية، لشرائها.
 
"للأسف، إن عصابات تهريب الآثار في مدينة تعز، تعمل على تهريب القطع الأثرية ‏بشتى الطرق والأساليب الغامضة". يقول رمزي عبد الله الدميني- مدير عام المتاحف بمحافظة تعز.
 
وتفيد الإحصائيات الرسمية، أنه وخلال الأعوام الثمانية الماضية، بيعت قرابة 100 قطعة أثرية يمنية ‏في مزادات علنية دولية، في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والإمارات العربية المتحدة، لقاء مبالغ تقدر بمليون دولار أميركي. بحسب تقرير لموقع (Live Science) الأمريكي، والذي أشار أيضا إلى أن منظمة تدعى "تحالف الآثار"، وهي منظمة غير حكومية تعارض بيع القطع الأثرية المنهوبة، وضعت- في الأونة الأخيرة- قائمة تضم 1,631 قطعة مسروقة من العديد من المتاحف في اليمن.

 
  تعز.. منفذ كبير لتهريب الآثار
 


بين الفينة والأخرى، تعلن السلطات الأمنية بمحافظة تعز- جنوبي اليمن- عن نجاحها في إحباط ‏محاولة تهريب قطع أثرية، الأمر الذي يكشف عن استفحال ظاهرة تهريب الآثار من هذه ‏المحافظة، لاسيما وأن ثمة اعتقاد راسخ لدى خبراء التهريب يقول: "إن كل محاولة تهريب ‏واحدة يتم اكتشافها، هناك ما لا يقل عن ثلاث عمليات تهريب أخرى ناجحة". ‏
‏ 
‏ ومنذ مطلع العام الجاري، تمكنت الشرطة العسكرية بتعز من اكتشاف أربع محاولات لتهريب ‏قطع أثرية خارج مدينة تعز؛ كانت آخرها منتصف أغسطس/ آب الماضي، عندما ضبطت ‏قوات الشرطة في نقطة الهنجر (المنفذ الغربي للمدينة)، شاحنة على متنها ست قطع أثرية ‏مهربة، بحسب مصدر في الشرطة العسكرية.
 
وأضاف المصدر لـ"يمن شباب نت"، إنه منذ بداية العام الحالي تم ضبط العشرات من القطع ‏الأثرية الهامة، تعود معظمها إلى عصري الدولتين الرسولية والسبئية، وأشار إلى وجود عدد ‏من النساء ضمن أفراد تلك العصابات، الذين ضُبطت بحوزتهم تلك الأثار المهربة.‏
 
وأكد المصدر أن بعض المهربين كانوا يزعمون أن القطع التي تم ضبطها بحوزتهم هي قطع ‏عادية وليست أثرية؛ لكن حين يتم إحالتها إلى الجهات المختصة لفحصها يتضح أنها قطع أثرية ‏خالصة وتعود إلى حقب زمنية سابقة. 
‏‏
وخلال الحرب الدائرة في البلاد، منذ نحو ستة أعوام، لم تًسلم المواقع الأثرية في محافظة تعز ‏من الدمار جراء تعرضها للقصف بالأسلحة الثقيلة، كما لم تسلم محتوياتها من النهب والتهريب خارج المدينة من قبل عصابات تهريب الآثار لبيعها في الخارج.
 

أكبر متحف بلا قطع أثرية



‏قبل الحرب، كان "المتحف الوطني"، وهو أحد أبرز المعالم الأثرية في مدينة تعز- المعروفة بالعاصمة الثقافية لليمن- يحتوي على نحو 45 ألف قطة أثرية متنوعة من الحجريات والنقوش والمخطوطات ‏والسيوف والوثائق والقطع النحاسية، قبل أن يتعرض لأكبر عملية نهب ممنهجة خلال الحرب والقصف، ليصبح اليوم خاليًّا من أي قطع أثرية..!! بحسب مدير عام المتاحف بالمحافظة، رمزي ‏الدميني.
 
وأرجع الدميني، في حديثه لـ"يمن شباب نت"، السبب الرئيسي في ذلك للحرب، التي يؤكد أنها "أثّرت بشكل كبير على المتحف الوطني، الذي تعود معظم محتوياته لتاريخ ما قبل الإسلام. إلى جانب متحفي "الموروث ‏الشعبي" و"صالة"، ومتحف "قلعة القاهرة" الذي تعرض للدمار بشكل كامل".

ويضيف الدميني أن المتحف الوطني- يُعرف ايضًا بـ"متحف العُرضي"- كان قبل فترة الحرب قد أصبح مخزنا يحوي كل محتويات ‏متاحف المحافظة، "لأننا كنا في صدد إعداد دراسة شاملة لِتأهيل المتاحف، وعلى إثرها تم نقل ‏محتوياتها إلى مخازن متحف العُرضي".‏
 
وتابع مدير عام متاحف تعز، متحسرًا: "للأسف كانت كارثة كبيرة. فالكثير من المحتويات نُهبت".


استعادة 15 ألف قطعة فقط



مع بداية الحرب في عام 2015، تعرض المتحف الوطني الواقع في منطقة العرضي (جنوبي ‏شرق المدينة) للقصف من قبل مقاتلات التحالف، حين كان ما يزال تحت سيطرة ميليشيات الحوثي الانقلابية، ثم- لاحقًا- تعرض للقصف أيضا من قبل الحوثيين بعد طردهم ‏منه في يوليو/ تموز، في العام نفسه.

وألحق القصف بالمتحف أضرارا بالغة، فضلًا عن إحراق أجزاء منه، ما تسبب في تعرض ‏القطع الأثرية بداخله؛ إما للتلف؛ أو التحطم جراء انهيار المبنى؛ أو الدفن تحت الأنقاض، وما سلم منها تعرض معظمه للنهب..!!
 
 وبخصوص ما تبقى منها تحت الأنقاض، يقول مدير عام الأثار بتعز أحمد جسار، إنها مازالت بحاجة الى ‏تنقيب لاستخراجها، من قبل متخصصين حتى لا تتضرر أثناء البحث، لافتًا إلى أن الإهمال الذي طال ‏المتحف خلال فترة الحرب أصاب القطع الأثرية والمخطوطات بالتآكل والصداء.

ويؤكد جسار أن من بين مفقودات المتحف الوطني "قطع مختلفة ومتنوعة، ‏كالقطع والنقوش الحجرية، والتماثيل، والمخطوطات التي تعود بعضها إلى حقب إسلامية متعاقبة ‏على اليمن، مثل الدولة الرسولية، والدولة الأيوبية".

ويكشف مدير عام الأثار لـ"يمن شباب نت" أن القطع الأثرية التي تم العثور عليها، واستعادتها، حتى الأن، تصل إلى حوالي 15 ألف قطعة أثرية، وهي تشمل كل ما تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبطها، أو التي تم ‏استعادتها من كتائب أبو العباس (كانت هي من تسيطر وتحرس المتحف الوطني بعد استعادته من الحوثيين)، وكذلك من مواطنين آخرين أيضا.

يؤكد جسار أيضا، أنه تم استعادة قطع أثرية ومخطوطات ذات "عُمق في التاريخ اليمني، يعود تاريخ بعضها إلى إبان ‏الدولة الرسولية، أي ما يُقارب 800 عام".



وبحسب مدير عام المتحاف، الدميني، هناك قطع أثرية متنوعة كثيرة ضُبطت أيضًا في المنافذ اليمنية، مشيرا ‏إلى أنه قبل أسابيع فقط، "تم استرجاع ما لا يقل عن ثمان، أو عشر، قطع مهمة ونادرة، كانت في طريقها إلى مدينة المخأ- غربي تعز- وكان التُجار جاهزون للبيع بمبلغ لا يقل عن 40 ‏الف ريال سعودي بشكل مبدئي" حسب توضيحه.
 

آثار تعز في مزادات دولية

مئات من القطع الأثرية، المفقودة من متاحف تعز تم تهريبها من اليمن إلى دول أجنبية، وبعضها جرى عرضها في الأعوام ‏الماضية في مزادات علنية دولية. ويقول الدميني- مدير عام المتاحف بتعز- إنهم متأكدون ‏تمامًا أن ما لا يقل عن 70 % من تلك القطع المعروضة في مزادات علنية بالخارج هي قطع يمنية، بينها 20% قطع تعود إلى ‏متحف تعز.

ومن ضمن القطع المنهوبة التي بيعت في أحد المزادات الأمريكية، مخطوطات تعود إلى الحبر ‏اليهودي اليمني الشهير "الشبزي" بحسب الدميني، الذي يؤكد أن لديهم "شبكات استقصائية"، تعمل في ‏هذا الجانب، وأنه تأكد لهم أيضا وجود قطع أثرية "هُربت إلى دول مجاورة (عربية وخليجية)، ويجري ‏عرضها في متاحف تلك الدول".‏
 
وأشار الدميني أيضًا إلى أن هناك قطع أثرية يمنية مهربة، بعضها من متاحف تعز، "ضُبطت في منافذ عربية، وأخرى أجنبية"، لافتا إلى أنه ‏"في جيبوتي، ضُبطت أكثر من 12 قطعة، مهمة ونادرة من متحف تعز، وفي العاصمة العمانية مسقط ‏ضُبط 57 قطعة، و 512 قطعة أثرية تم ضبطها في جنيف، وأخرى في فرنسا في أحد الاسواق ‏العالمية".



وبحسب ‏ما كشفه موقع "لايف ساينس" الأمريكي المتخصص في العلوم والآثار، مطلع يونيو ‏‏2019، هناك ما لا يقل عن مئة قطعة أثرية من اليمن، بيعت خلال الأعوام الثمانية الماضية (2011-2018)، ‏في مزادات علنية بمبالغ تُقدر بمليون دولار أميركي في كلّ من الولايات المتّحدة وأوروبا ‏والإمارات، وتشملُ تلك القطع نقوشاً قديمة وتماثيل ومخطوطات تعود إلى العصور الوسطى.

وتحتوى بعض تلك القطع الأثرية على معلومات تفصيلية عن موطنها الأصلي، ويعود تاريخ ‏نقلها إلى عقود ماضية، بينما لا يتضمن البعض الآخر على الكثير من المعلومات حول ‏مصدرها، ما يعني أنها قد سُرقت أو نُهبت مؤخرًا.‏
 
وأشار الموقع إلى أنه: في الآونة الأخيرة، وضعت منظمة غير حكومية تدعى "تحالف الآثار"  وتعارض بيع القطع الأثرية المنهوبة، قائمة تضم 1,631 قطعة مسروقة من العديد من المتاحف في اليمن.
 

[للمزيد؛ أطلع على التقرير بعد ترجمته إلى العربية من قبل "يمن شباب نت"، تحت عنوان: تحقيق أمريكي يكشف عن بيع قطع أثرية يمنية منهوبة بأكثر من مليون دولار في مزادات بأمريكا وأوروبا والإمارات]

 
وفي هذا الجانب يقول الباحث في مجال الآثار منير طلال، لـ"يمن شباب نت"، إن من بين القطع الأثرية، التي تم ‏بيعها والمتاجرة بها للخارج، مخطوطة "التوراة اليهودية التي كانت موجودة في مدينة تعز، و‏زعموا بأنها اختفت، أو فُقدت، ولكن في الحقيقة تم المتاجرة بها".

واعتبر ظهور الكثير من القطع الأثرية اليمنية في مزاداتٍ علنية على مواقع التواصل الإجتماعي، بأنه "يعكس مدى التدهور في عملية حماية الآثار، وحجم النهب الذي تتعرض له ‏الآثار اليمنية، ويعكس أيضًا غياب دور الدولة التي لم تقدم أي لفتة كريمة في هذا الجانب ‏لمتابعة الآثار وحمايتها".

ويرى طلال في سياق حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن مسؤولية عملية تهريب القطع الأثرية في ‏اليمن "تقع على عاتق دول التحالف بالدرجة الأولى، والحكومة الشرعية". حيث نوه- في هذا الصدد- إلى "تورط عدد كبير من ضباط قوات التحالف السعودي الإماراتي، في عملية تهريب ‏الآثار وبيعها".
 
 وأوضح أن "هناك الكثير من الآثار التي خرجت من اليمن، ظهرت في ‏الإمارات– على سبيل المثال- في متحف اللوفر بأبوظبي"، مضيفا: "وهناك آثار تظهر على أنها إماراتية، وأخرى تظهر في الولايات المتحدة، وفي بعض ‏الدول".

وبألم كبير، عبّر طلال عن آسفه من "غياب دور الجهات الرسمية في متابعة هذهِ الآثار".


تعثر عملية المطابقة



وعن الإجراءات التي تم اتخاذها لتحريز القطع الأثرية المفقودة، وصيانتها، مع القطع الأثرية المحفوظة، قال مدير عام الآثار، جسار، ‏إنهم انتهوا من المرحلة الأولى من عميلة الحصر والجرد للقطع الأثرية، لكن تبقت أمامهم عميلة ‏المطابقة لما تم جرده مع سجلات المتحف الوطني، بغرض معرفة القطع التالفة والمفقودة، ‏موضحا أن عملية المطابقة لم تتم بعد، بسبب عدم توفر الموازنة العامة.

وبهذا الخصوص، يتساءل زميله الدميني، عن أسباب توقف عملية دعم اللجنة المعنية بالحصر والمطابقة، ‏مستدركًا: "ما زال هناك تواصل مستمر مع رئيس اللجنة، وكيل محافظة تعز عبدالحكيم عون، لإنجاز هذه المهمة الضرورية".

وأشار الدميني إلى أنه "لم يُنجز- حتى الآن- سجلا واحدا، من أصل ثمانية سجلات، خُصص لها من ‏الوقت ستة أشهر للمطابقة"، موضحا أن "السلطة المحلية لم تُبدي اهتماما بالخطة التي رفعناها، بسبب أنها لا تمتلك ‏الموازنات الكافية لتنفيذ هذا المشروع الجبار والمهم".

وأردف: "تتواصل معنا، بشكل مستمر، منظمات مدنية وأخرى أجنبية معنية بالآثار، إلى جانب لجنة ‏العقوبات الدولية، فيما يتعلق بالرفع بالمفقودات، لكن إلى الآن لم يتم الرفع، وهي تعتبر مسؤولية ‏كبيرة للسلطة المحلية، والهيئة العامة للآثار"، مطالبًا الجهات المعنية "بسرعة إنجاز ‏ملف المطابقة الشائك".




تقاعس حكومي.. وتحذيرات

أما فيما يتعلق بالإجراءات التي تم اتخاذها بشأن المتحف الوطني، قال الدميني إنه تم إنجاز المرحلة ‏الأولى والمتعلقة بمعالجة الأضرار الخارجية، والتي كانت تُشكل خطرًا كبيرًا على المتحف. وذكر أن مرحلة الترميم، أُنجِزت خلال ستة أشهر ونصف تقريبًا، وأنه خلال الأيام المقبلة ستنطلق ‏المرحلة الثانية، وهي معالجة الأضرار الداخلية للمتحف.

غير أنه شكا من "الإهمال وتقاعس السلطة المحلية في توفير أبسط المقومات لحماية القطع الأثرية التي تم استرجاعها إلى المتحف الوطني"، مؤكدا على أنه "في أكثر من مرة، تمت فيها مخاطبة هيئة الآثار ووزارة الثقافة والسلطة المحلية ‏بالمحافظة، لتوفير احتياجات تتعلق بتأمين مخازن المتحف، من: أبواب ونوافذ حديدية و‏كاميرات مراقبة، لكنها لم تصل"، محذرًا من إمكانية "تكرار، كوارث أخرى" نتيجة هذا التقاعس.

وإذ جدد تحميّله وزارة الثقافة والسلطة المحلية المسؤولية الكاملة عن حماية "الإرث الثقافي والحضاري ‏والتاريخي لمدينة تعز"، فقد دعا "الجميع إلى التعاون معهم، والعمل كفريق واحد للحفاظ على ‏التراث وحمايته".‏
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر