البسطات والبيع في الجولات خيار إجباري للمواطنين للبحث عن معيشة في زمن الحرب (تقرير خاص)

[ رجل يبيع أكسسورات نسائية على الرصيف في مدينة صنعاء القديمة ]

العم "محسن" رجل تجاوز الخمسين من عمره يعمل بائع متجول مع حفيده الصغير، تبدو على ملامحه إنهاك السنين والتعب والعجز، يتكئ على الرصيف وينظر بالمارة وفي عينية حسرة الزمان الذي تعثرت سنينة بمرور شاق في البحث عن قوت يومه بعناء وتعب كبير.
 
في ساعات الصباح الأولى يستيقظ "العم محسن" للبدء بشراء السلعة التي سيبعها مع حفيده "عبد الله" (12عام) والذي يتحمل العبء الأكبر في البيع لأنه يستطيع الحركة بشكل أكبر من جده الخمسيني، ويبع في العادة "المجلجل" و"الماء المبرد" خلال ساعات النهار في عدد من شوارع صنعاء.
 
يرتدي "العم محسن" زي شعبيا حاملا ويحمل بضاعته على كتفه متنقلا في الاسواق المكتظة ويتبعه حفيده بالماء البارد. يقول"إن حفيده ترك المدرسة منذ ثلاث سنوات لمساعدته في البيع بعد بدء الحرب بسبب غلاء المعيشة، وأن أسرته المكونة من أربعة أطفال بالإضافة إلى زوجته وزوجة ابنه المتوفي نتيجة غارة جوية بينما كان يمشي في الشارع في منتصف عام 2015".
 
عمل مرهق

ليس من السهولة ان يقف شخص ساعات طويلة تحت حرارة الشمس وتقلبات الطقس المختلفة للحصول على مبلغ مالي زهيد، لكن الحاجة والظروف السيئة أجبرت الكثير من الناس بمختلف فئاتهم شاب وأطفال ورجال كبار للبحث عن مصدر رزق لإعالة أسرهم ومواجهة تكلفة المعيشة الباهظة.
 
يقول "العم محسن" في حديث لـ "يمن شباب نت" اضطررت للخروج للبيع منذ سنوات ومعي حفيدي بعد وفاة ولدي الذي كان يعمل طوال النهار ويوفر كل احتياجات المنزل، لكن الآن لا أحد معنا يعطينا سوى ما نقدر ان نحصل عليه من خلال البيع في الشوارع.
 
وأضاف "البيع لا يعود علينا بمبلغ مالي يكفينا فدائماً لا يتجاوز ما نحصل عليه من ربح ألف ريال (أقل من دولارين) لكن هذا المبلغ نستطيع ان نأكل فيه عيش خلال يوم كامل وهذا يكفي لان المعيشية أصبحت سيئة للغاية". وبعد حديثنا مع "العم محسن" طلبنا منه التقاط صورة لكنه رفض ذلك.
 
وتكتظ الشوارع والجولات بالباعة المتجولين ووراء كل شخص منهم أسرة تنتظر رغيف وقصة إنسانية موجعة من تفاصيل يوميات الحرب والمجاعة في البلاد التي تعيش حالة حرب على أعتاب العام الخامس على التوالي، دون أمل بانتهاء الحرب المدمرة على المدى القريب.
 
عمل إجباري بسبب الحرب

واضطر الكثير من الناس العاطلين عن العمل بسبب الحرب والظروف الراهنة الى اتخاذ الشوارع مكانا للعمل من خلال انشاء بسطات وعربات متنقلة التي لا تحتاج الى رأس مال كبير او دفع ايجار محل، وازدادت هذه الظاهرة كثيرا بسبب الحرب وانقطاع الرواتب مما أجبر الكثير للبحث عن مصدر آخر للمعيشة.
 
"محمد صالح" (35عاما) يعيش اوضاعا ماديه سيئة كان يعمل في سائق في مكتب حكومي براتب شهري لا يتجاوز 40 ألف يمني (70 دولار أمريكي) وعلى الرغم من المبلغ الزهيد لم يكن يخطر بباله أنه سيصبح بعيد المنال، وعندما انقطع الراتب بات محمد وأسرته فريسة للحاجة كما هو حال ملايين اليمنيين.
 
يعيش "محمد" مع اسرته المكونة من 3 اولاد وزوجته في حي "دار سلم" في العاصمة صنعاء، اضطر الى انشاء بسطة لبيع الخضار لأنها لا تحتاج الى راس مال كبير للعمل فيها، ويعمل فيها خلال ساعات النهار ويستطيع تحصيل مبلغ ربح يغطي احتياجات أسرته الصغيرة، لكنه يعاني من صعوبات بالغة نتيجة عدم تعوده على العمل.
 
وقال في حديث لـ "يمن شباب نت" أنه يقضي يومه بنقاش مع الزبائن على أسعار الخضار ومعايشة حالة مزاج الناس المختلفة، وعينه على بعض اللصوص الذين يأخذون أحياناً مما في بسطته بطريقة مستفزة" وأضاف "ان هذا العمل الشاق لا يمر دون مشادات كلامية وعراك مع البلدية والضرائب والجبايات وقد تم احتجازه أكثر من مره بسبب مشادات وعراك".
 
جبايات وضرائب

وأجبرت الحرب وما خلفت من بطالة الكثير من الأسر على العمل بمهن مختلفة وشاقة الاختيار لتأمين لقمة العيش اليومية، وكل هذا العناء لم يعفيهم من ملاحقات وفرض إتاوات وبلطجة تمارس من قبل أشخاص محسوبين على الضرائب أو البلدية الذين ينفذون حملات ما بين الحين والآخر.
 
ففي "سوق السنينة" وسط صنعاء تعمل البلدية والضرائب على ملاحقة البائعين بالبسطات وفرض غرامات عليهم لأسباب عديدة، وغالبيتها مبررات من أجل الحصول على أموال مقابل إعفاءات من البلدية، بحسب ما ذكر مالك بسطة فواكه في نفس السوق لـ "يمن شباب نت".
 
وأضاف "خلال الأشهر الماضية تم تنفيذ حملة على أصحاب البسطات بسبب انهم عملوا على تشكيل زحمة في الخط العام الذي تمر منه سيارات، وتم فرض غرامات وصلت إلى 10,000 ريال (17 دولار)، وهو مبلغ كبير بالنسبة لبائع في بسطة راس مالة متواضع جدا وبعضهم اجبرتهم الظروف للعمل في البسطات".
 
ويومياً يمر أشخاص محسوبين على الضرائب على مالكي البسطات ويفرضون عليها مبالغ مالية متفاوتة كرسوم لخدمات غائبة كلياً منذ سنوات، بالإضافة إلى الجبايات والإتاوات التي يفرضها الحوثيون لإقامة فعالياتهم ودعم الجبهات تحت ما يسمى بـ "المجهود الحربي" والذي لا يسلم من دفعه حتى أصحاب البسطات والذين يحصلون على عائد مادي بشق الأنفس.
 
سنة خامسة حرب

وتدخل الحرب في اليمن عامها الخامس للتوالي في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن والتي تعد الأسوأ في العالم. بحسب توصيف "الأمم المتحدة" حيث أدت إلى انهيار الاقتصاد والخدمات الاجتماعية. ويعاني الملايين من المواطنين من الجوع والمرض والضعف.
 
ووفقاً لتقرير لصندوق الأمم المتحدة في اليمن للحالة الإنسانية خلال العام 2019 "فإن هناك ما يقدر بنحو 24 مليون شخص (أكثر من 80% من السكان) بحاجة إلى نوع من المساعدة، من بينهم 14.3 مليون شخص في حاجة ماسة بزيادة مليوني شخص من عام 2018.
 
ونزح ما يصل إلى 4.3 مليون شخص في السنوات الثلاث الأخيرة، في حين ظل حوالي 3.3 مليون شخص نازحين. وتضاعفت معاناة العائلات اليمنية من الأعباء الاقتصادية، خاصة في حالة الأسر المعيشية التي تجد النساء والفتيات فجأة أنفسهن مسؤولين عن إعالة أسرهن. بحسب تقرير الأمم المتحدة.

ولايزال موظفي غالبية مؤسسات الدولة في مناطق سيطرة الحوثيين بلا رواتب للعام الثالث على التوالي. وتتوسع دائرة الاحتياج للمواطنين بشكل مستمر في ظل استمرار حالة الحرب، وتوسع دائرتها في فتح جبهات جديدة تخلف معاناة إنسانية ومحتاجين جدد ضمن طوابير الانتظار للإغاثة الإنسانية.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر