قراءة في مصير اتفاق الحديدة بعد أكثر من شهر من الإعاقة والجمود (تقرير خاص)

[ الجنرال باتريك كاميرت- رئيس لجنة التنسيق وإعادة الانتشار في الحديدة، في أول زيارة له لميناء الحديدة/ الصورة لموقع الأمم المتحدة ]

 مضى أكثر من شهر على دخول اتفاق الحديدة حيز التنفيذ، والذي ينص على انسحاب قوات الحوثيين من المدينة وموانئها، بموجب ما نصت عليه "اتفاقية ستوكهولم"، المنبثقة عن مشاورات السويد قبيل منتصف ديسمبر/ كانون أول الماضي برعاية الأمم المتحدة، وأعقبها تشكيل لجنة تنسيق أممية تتولى إعادة انتشار القوات في المحافظة الساحلية غربي اليمن.
 
ومع أن التوصل إلى الاتفاق أعطى بريق أمل بشأن إعادة تحريك عملية السلام، المتجمدة منذ عامين، في اليمن. إلا أن توقعات وتحذيرات المراقبين التي رافقت الإعلان، بدى وكأنها أكثر تحققا على أرض واقعٍ لم تكن طريقه معبدة منذ الوهلة الأولى، لا سيما من طرف الحوثيين الذين أنتهى بهم المطاف إلى رفض حضور اجتماعات لجنة التنسيق وإعادة الانتشار بقيادة الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، واتهامهم له بالتحيز.
 
وفي الجانب الأخر، تتهم الحكومة الشرعية وقيادة التحالف العربي، الحوثيين بعدم تعاونهم مع رئيس اللجنة وعرقلة تنفيذ الاتفاق. وقالت الحكومة اليمنية إن الحوثيين قاموا بخرق اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة (بدأ سريانه في 18 ديسمبر)، أكثر من 500 مرة باستخدام أسلحة مختلفة.
 
وأواخر الأسبوع الماضي تعرض موكب كاميرت لإطلاق نار أثناء تفقده موقعا قصفه الحوثيون صباح ذلك اليوم. وأتهم مصدر حكومي الحوثيين باستهداف موكب رئيس اللجنة، الذي يقود أيضا فريق المراقبين الدوليين لمراقبة وقف إطلاق النار في الحديدة.
 
وإثر ذلك، وتزامنا مع حملة إعلامية حوثية ضده تتهمه بالتحيز، تسربت مؤخرا أخبارا تتحدث عن رغبة وعزم كاميرت نقل اجتماعات لجنة إعادة الانتشار في الحديدة إلى خارج البلاد.
 
[للمزيد أقرأ:
- الحوثيون يهددون "باتريك" وتعثر أي تقدم في تنفيذ اتفاق السويد بشأن الحديدة

- في تنصل عن اتفاق السويد.. الحوثيون يتهمون الأمم المتحدة بتنفيذ أجندات أخرى في الحديدة]

 
وفي ضوء هذه التطورات، على ما يبدو، وصل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيثس، الإثنين الماضي إلى العاصمة صنعاء، في زيارة مفاجئة هي الثانية خلال هذا الشهر. حيث يعتقد أنها تأتي في إطار محاولاته فتح الأبواب المغلقة ودفع الحوثيين باتجاه تطبيق اتفاق الحديدة.
 

إصرار دولي.. ولكن..
 
يعول المجتمع الدولي على تنفيذ اتفاق الحديدة، وينظر إليه باعتباره يؤسس لاستئناف العملية السياسية واستعادة السلام في اليمن. وأكد رئيس المكتب الفني (الحكومي) للمشاورات محمد العمراني، على أن هناك عزم دولي لتنفيذ اتفاقية ستوكهولم بشأن الحديدة.
 
وفي أوقات سابقة، توالت تحذيرات مسئولين حكوميين، على رأسهم وزير الخارجية خالد اليماني، من أن الحكومة لن تدخل في أي مشاورات قادمة في حال تم القفز على الجهود السابقة الرامية لتحقيق السلام في البلاد.
 
وطالبت الحكومة اليمنية المجتمع الدولي، عدم الاكتفاء فقط بمراقبة ورصد محاولات الحوثيين الواضحة لعرقلة وإفشال اتفاق ستوكهولم، بل دعته إلى اتخاذ مواقف حازمة تجاههم، لتحريك الركود المسيطر منذ أكثر من شهر على تنفيذ اتفاق الحديدة.
 
ولا يعتقد الإعلامي اليمني عبد الله دوبلة أن الرغبة الدولية كافية لإقناع الحوثيين بتنفيذ اتفاق الحديدة، معللا ذلك بالإشارة إلى وجود قرارات دولية سابقة لم تنفذ، على رأسها قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216) لسنة 2015، الذي نص على انسحاب تلك الجماعة من المدن وتسليم السلاح.
 
وبالنظر إلى تساهل المجتمع الدولي مع الحوثيين، يرى دوبلة، في تعليقه لـ"يمن شباب نت"، أن تعنت الحوثيين وتواطؤ القوى العظمى معهم، هو ما يجعل تنفيذ الاتفاق على المحك.
 
"وما سيتم تكريسه كأمر واقع"، حسب قوله: سيقتصر على وقف إطلاق النار فقط، مع وجود مراقبين للإشراف على ذلك، وبقاء الأمور على ما هي عليه، واستغراق مزيد من الوقت في المفاوضات.
 

عامل الزمن

حين رضخ الحوثيين لحضور مشاورات السويد، كانت قوات الشرعية والتحالف العربي على مرمى حجر من ميناء الحديدة. لذلك فسر معظم المراقبين قبولهم المشاركة صاغرين لإيقاف تقدم القوات الحكومية، والحصول على الوقت الكافي للمناورة واستعادة أنفاسهم ورص صفوفهم وتعزيز جبتهم. وذلك ما دأبوا عليه عند كل هدنة.  

وحاليا، أرجع الإعلامي اليمني عبد الكريم الخياطي موقف الحوثيين المتعنت في تنفيذ اتفاق الحديدة، إلى تعويلهم على عامل الوقت، مع الرغبة الدولية في منع السعودية من السيطرة على تلك المدينة الساحلية الهامة. والسبب في ذلك، حسب تقديره، يعود إلى "عدم وضوح أهداف التحالف العربي".
 
وأوضح الخياطي لـ"يمن شباب نت" أن عامل الزمن قد يمكِّن الحوثيين من الحصول على تنازل ودعم دولي للاتفاق، ولكن بما يتوافق مع مصالحهم..
 
ويعتقد أن مثل هذا الأمر "متاحا، نظرا لغموض كثير من بنود الاتفاق". بل أعتبر ضغط المليشيات على رئيس لجنة التنسيق وإعادة الانتشار، باتريك كاميرت، وتشددهم أمام ما يتم طرحه بشأن نشر المراقبين، يندرج في السياق ذاته.
 

إذا فشل الإتفاق
 
معهد واشنطن الأمريكي لدراسات الشرق الأدنى، نشر مؤخرا، في منتصف الشهر الجاري، تقريرا للكاتب الأمريكي مايكل نايتس المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج، توقع فيه اندلاع معركة كبيرة وبطيئة في الحديدة، كنتيجة طبيعة لفشل اتفاق ستوكهولم. يعزز ذلك استمرار الحوثيين بحفر الخنادق والتحشيد العسكري.
 
وفي حال فشل الاتفاق وحدثت المعركة المتوقعة، يقول الخياطي إن الشرعية لن تستطيع التقدم داخل الحديدة؛ لأن السعودية في الوقت الحالي لم تحدد أهدافها، وكيف يمكن دعم حلفائها داخل الشرعية؟ وبخاصة أن هناك حالة من انعدام الثقة. كما يقول. في إشارة إلى ما تتناقله تقارير دولية حول تعارض المصالح بين السعودية والإمارات في اليمن.
 
وأضاف "أظن أن الإمارات تعرف ما تريده، وهو الإبقاء على الوضع في الحديدة كما هو، حتى يتسنى تهيئة قوات حليفها طارق صالح لتصبح أكثر جاهزية من قوات العمالقة التي تميل للسعودية والرئيس عبدربه منصور هادي".
 
وتحاول الإمارات مد نفوذها وإحكام سيطرتها على مختلف الموانئ والسواحل اليمنية، بمعزل عن الحكومة، وهو ما جعل الخلافات بين الجانبين تشتد وتبلغ ذروتها من حين لآخر.
 

بعثة دولية موسعة

وقبل أيام، وتحديدا في 16 يناير الجاري، اعتمد مجلس الأمن بالإجماع القرار البريطاني (2452)، بشأن إنشاء بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، وذلك بنشر 75 مراقبا دوليا. كما ينص القرار على ارسال أدوات وأجهزة وآليات ومدرعات عسكرية كمرحلة أولى، تاركا الباب مفتوحا لإرسال المزيد من المراقبين والآليات العسكرية حال الحاجة إليها.
 
وفي حين أعتبر البعض أن هذا القرار يكشف عن رغبة دولية في إنقاذ اتفاق الحديدة من الفشل، وإرغام الحوثيين على التنفيذ والانسحاب. إلا أن هناك من يرى أنه قد يثير المخاوف بشأن مستقبل المدينة الساحلية بتحولها إلى سيطرة قوى خارجية، بعيدة عن تحكم الشرعية.
 
وبالنسبة للإعلامي عبد الله دوبلة، لا يتفق مع ما سبق، خصوصا الجزء الخاص بإرضاخ الحوثيين. حيث يرى أن المراقبين الدوليين الذين سيضافون إلى الأعداد الحالية الموجودة في الحديدة، لن يغيروا شيئا من حقيقة الأمر على الأرض، مالم يقتنع الحوثيون انفسهم بتنفيذ الاتفاق.
 
وأكد الإعلامي اليمني، على أن إيجاد حل للوضع القائم في الحديدة وغيرها، "يكمن بقوة السلاح فقط".
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر